عبد الكريم الكرمي.. زيتونة فلسطين صاحب الإرث الشعري النضالي

زيتونة فلسطين وأبو سلمى كلها ألقاب حصل عليها الشاعر الفلسطيني  عبد الكريم الكرمي الذي يعد من أبرز شعراء العرب صاحب القصائد الأكثر انتشارًا في الوطن العربي، والذي يمتلك مكانة بارزة في الأدب العربي بفضل نضاله القومي من أجل فلسطين من خلال  الشعر والنثر، تعرف أكثر على إنجازاته والمحطات في مسيرته الأدبية وأعماله.

من هو عبد الكريم الكرمي؟

اسمه بالكامل عبد الكريم سعيد علي منصور الكرمي هو شاعر وأديب وسياسي فلسطيني ولد في مدينة طولكرم في فلسطين في عام 1909، ويعد من أبرز الشعراء في الوطن العربي صاحب الإرث الفني المميز.

لم يكن الكرمي شاعرًا فقط بل كان مناضلًا من أجل فلسطين طوال حياته وبرزت مكانته الشعرية بفضل أشعاره التي دعمت القضية الفلسطينية ودافعت عن حق الفلسطينيين في أرضهم.

اهتم الكرمي بمحاولات محو الهوية الفلسطينية ونبه إليها كثيرًا، لذا ركز في شعره  على التمسك بالذاكرة الفلسطينية والهوية الفلسطينية من أجل مقاومة هذه المحاولات.

نشأته وتعليمه

ولد عبد الكريم الكرمي في مدينة طولكرم الفلسطينية وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي فيها، ثم التحق بمدرسة السلط الثانوية لسنة واحدة، ليحصل على الشهادة الثانوية من مدرسة عنبر في دمشق عام 1927.

عد الكرمي إلى طولكرم من جديد والتحق بمعهد الحقوق الفلسطيني وبعد التخرج عمل في المحاماة والتدريس.

نشأ الكرمي في أسرة معروفة بحبها للعلم والثقافة، فوالده هو الوزير سعيد الكرمي الذي شغل منصب وزارة القضاء والأوقاف في الأردن وكان عالمًا وساسيًا وأحد رواد الحركة القومية العربية.

أما جده فهو علي منصور الكرمي وهو إمام وفقيه وقاضي فلسطيني ويعد من أهم علماء الحنابلة في فلسطين والوطن العربي، ويعد مرجعًا للحنابلة في فلسطين وله العديد من المؤلفات الدينية والفقهية.

إخوته أيضًا معروفين، فشقيقه عبد الغني الكرمي هو سياسي بارز يعد من أبرز المفكرين والصحفيين في افلسطين وأحد قادةا لحزب الشيوعي العربي الفلسطيني. شقيقه الثانية هو أحدم شاكر الكرمي وهو صحفي ووأديب ومترجم فلسطيني ويعرف بلقب "أبو الترجمة في العالم العربي".

شقيقه الآخر هو حسن الكرمي وهو عالم لغة وأديب فلسطيني ألف عددًا من الكتب اللغوية والأدبية، كما أنه كان مقدم برنامج "قول على قول" على راديو بي بي سي، وشقيقه الرابع محمود علي الكرمي كان صحفي وأديب فلسطيني معروف.

لماذا سمي الشاعر عبد الكريم الكرمي أبو سلمى؟

تزوج عبد الكرمي ورزق بابنه الوحيد سعيد، ولم يكن له ابنة اسمها سلمى، ولكنه اختار لقب "أبو سلمى" لقبُا شعريًا له رافقه طوال رحلته ومسيرته الشعرية منذ مقاعد الدراسة وظل الاسم ملازمًا له حتى الآن.

مسيرته المهنية

عمل عبد الكريم الكرمي في المحاماة والتدريس لسنوات، وفي عام 1936 أقالته السلطات البريطانية من مهنة التدريس بسبب قصيدة نشرها في مجلة الرسالة القاهرية بعنوان "يا فلسطين" وهاجم فيها لسلطات البريطانية بسبب عزمها على إنشاء قصر للمندوي السامي البريطاني.

بعد أن ترك الكرمي مهنة التدريس بدأ عمله في الإذاعة بمساعدة صديقه الشاعر الوطني إبراهيم طوقان، وقد عمل في الجهاز الإعلامي في الإذاعة بالقدس حتى قدم استقالته.

في عام 1943 بدأ الكرمي مسيرته المهنية في المحاماة وافتتح مكتبًا له ودافع عن المناضلين العرب الذين قبض عليهم خلال الثورة الفلسطينية، وخلال فترة قصيرة اكتسب شعبية في عموم فلسطين.

استمر عمل الكرمي في حقل المحاماة حتى عام 1948، ثم انتقل إلى دمشق وزاول مهنتي المحاماة والتدريس، كما عمل في وزارة الإعلام.

تم اختيار الركمي رئيسًا للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين عام 1980، والذي يعد أحد أهم مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.

مؤتمرات وندوات شارك فيها

شارك عبد الكريم الكرمي في العديد من المؤتمرات العربية والعالمية، ومن المؤتمرات التي شارك فيها المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في عام 1964 والذي عقد في مدينة القدس، وكان أعلن في المؤتمر تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وأصبح عضوًا فيها.

ومن خلال المنظمة تم تعيينه مسؤولًا عن التضامن الآسيوي الأفريقي، وسافر إلى القاهرة عام 1965 للمشاركة في المؤتمر السياسي للمنظمة.

قصائد عبد الكريم الكرمي

بدأ عبد الكريم الكرمي مسيرته الشعرية متأثرًا بالأحداث السياسية التي تحدث في فلسطين، حيث طوّع شعره من أجل مهاجمة سلطة الانتداب البريطاني، وأول قصيدة نشرها بعنوان "جبل المكبر يا فلسطين" والتي اعترض فيها على إنشاء قصرًا على جبل المكبر من أجل المندوب السامي البريطاني.

كانت هذه القصيدة سببًا في توقيفه عن مهنة التدريس، ولكنها لم تمنعه من مواصله جهاده بالكلمة، فواصل نظم قصائده التي أشعلت حماس الثوار والمجاهدين في فلسطين، ومن هذه القصائد قصيدة بعنوان "لهب القصيد" الذي هجا فيها الملوك والأمراء الذين دعوا الفلسطينيين إلى وقف إضرابهم العام ضد السياسية البريطانية.

حققت قصيدة لهب القصيدة ضجة واسعة، وأصبحت رمزًا لثورة 1936 وعلى لسان المقاومين والثوار، ليستمر في نشر القصائد والدواوين الناجحة، ومن دواوين الشاعر عبد الكريم الكرمي ديوان "المشرد" عام 1953، وديوان "أغنيات بلادي" عام 1959، وديوان "أغاني الأطفال" عام 1964.

أيضًا نشر ديوان "من فلسطين ريشتي" عام 1971، وديوان "الأعمال الكاملة" والذي صدر عام 1978.

لديه عدة مؤلفات نثرية، ومن مؤلفات الشاعر أبو سلمى "كفاح عرب فلسطين" عام 1964، و"آثار أحمد شاكر الكرمي الأدبية" عام 1964، و"سعيد الكرمي" عام 1973، ومسرحية بعنوان "الثورة".

ومن قصائد الشاعر أبو سلمى قصيدة سنعود، ويقول فيها:

خلعت على ملاعبها شبابي

وأحلامي على خضر الروابي

ولي في كل منعطفٍ لقاءٌ

مُوشى بالسلام وبالعِتابِ

وما روت المروج سوى غنائي

وما روى الكرومَ سوى شرابي

سلي الأفقَ المعطرَ عن جناحي

شذاً وصباً يرفُ على السحابِ

ولي في غوطتيك هوى قديمٌ

تغلغل في أماني العذابِ

وفي "برداكِ" تاريخ الليالي

كأني كنت أقرأ في كتابي

من هو الشاعر صاحب ديوان المشرد؟

كان ديوان المشرد الذي ألفه الشاعر عبد الكريم الكرمي من أشهر الدواوين التي كتبها، والتي دعا فيها إلى التلاحم بين أبناء الشعب الفلسطيني والصبر على المصائب والمحن، ويقول فيها:

يا أخي أنت معي في كل درب

فاحمل الجرح وسر جنبا لجنب

نحن إن لم نحترق كيف السنا

يملأ الدنيا ويهدي كل ركب

سر معي في طرق العمر وقل

أين من يحمي الحمي أو من يليي؟

فهنا الأيتام في أدمعهم وهنا

تهوي العذارى مثل شهب

وشيوخ حملوا أعوامهم مثقلات بشظايا كل خطب

هم ضحايا الظلم هل تعرفهم

إنهم أهلي علي الدهر وصحبي

يا فلسطين وكيف الملتقي

هل أرى بعد النوى أقدس ترب؟

وأرى قلبي على شاطئها ناشرا

أحلامه العذراء قربي

وأرى السمراء تلهو بالهوى

تهب النور لعيني كل صب

من قائل البيت قوموا انظروا الوطن الذبيح من الوريد إلى الوريد؟

نظم الشاعر عبد الكرمي قصيدة "لهب القصيد" عام 1936 والتي كانت رمزًا للثورة الفلسطينية آنذاك وجرت على لسان الثوار، ومن أبيات هذه القصيدة يقول:

قوموا انظروا الوطن الذبيح

من الوريد إلى الوريدِ

تتزاحم الأجيال دامية

الخُطى حول اللحودِ

إيهٍ شعوب العرب

أنتم مبعث الأمل الوحيدِ

سيروا على الترب المخضب

والثموا أثر الجدودِ

حرية الإنسان بالدم

تشترى لا بالوعودِ

يا من يعزون الحمى

ثوروا على الظلم المبيدِ

بل حرروه من الملوك

وحرروه من العبيدِ

وفاة عبد الكريم الكرمي

تعرض عبد الكريم الكرمي إلى وعكة صحية شديدة خلال تواجده في موسكو للمشاركة في إحدى مؤتمرات منظمة التضامن، وقد نقل إلى المستشفى وأجري له عملية جراحية لكن حالته تدهورت، فطلب الأطباء نقله إلى الولايات المتحدة لإكمال العلاج.

سافر الكرمي إلى واشنطن إلى العلاج وبعد 7 أيام من المحاولات توفي في 11 أكتوبر عام 1980 في مستشفى جامعة جورج واشنطن بعد أن أصيب بإنتان الدم الحاد، وقد توفي عن عمر ناهز 70 عامًا.

نقل جثمان الشاعر إلى دمشق ودفن في مقبرة الشهداء وتمت له جنازة رسمية وشعبية شارك فيها المئات من محبي الشاعر المناضل.

في عام 2023 تم إحياء ذكرى وفاته في مدينة طولكرم من تنظيم جماعة فلسطين التقنية ومؤسسة محموددرويش، وشارك في الندوة عائلة الشاعر وكبار الشعراء والمثقفين الفلسطينيين.