عبدالله العلي النعيم.. رائد الإدارة والعمل الخيري في المملكة

لأكثر من نصف قرن، جمع عبدالله العلي النعيم بين الإدارة الحكيمة والعطاء والعمل الخيري والإنساني، وترك إرثًا خالدًا من الأعمال الخيرية والمبادرات التي أثرت في المجتمع. يعد النعيم من أبرز الشخصيات الريادية في المملكة، فقد تولى منصب أمين مدينة الرياض، وتحت قيادته، شهدت المدينة طفرة في الإعمار والاستثمار، تعرف خلال هذا المقال على مسيرته وإنجازاته.

من هو الأمين عبدالله العلي النعيم؟

عبدالله العلي الصالح النعيم، هو تربوي وكاتب وإداري سعودي، والأمين العام السابق لمدينة الرياض، ولد في مدينة عنيزة في منطقة القصيم وسط الرياض في عام 1930.

يعتبر النعيم من الشخصيات البارزة التي تركت بصمة هامة في مسيرة التنمية الحضرية لمدينة الرياض، فقد تولى منصب أمين مدينة الرياض لمدة 15 عامًا، وخلال تلك الفترة، شهدت العاصمة تحولات نوعية على مستوى التخطيط العمراني والتنمية الحضرية، وكان النعيم العقل المدبر وراء العديد من الخطط التطويرية التي جعلت الرياض نموذجًا يحتذى به للتحديث العمراني على مستوى المنطقة.

بدأ النعيم مسيرته الأكاديمية في جامعة الملك سعود، وقد شغل عدة مواقع قيادية في قطاع الهندسة والتخطيط، وهو ما أكسبه خبرة واسعة لتولي أمانة العاصمة، ومنذ اللحظة الأولى لتوليه هذا المنصب، انطلق النعيم في تنفيذ رؤية متكاملة تستهدف تأسيس بنية تحتية عصرية تواكب تطلعات النمو السريع.

امتاز النعيم برؤية استثنائية جمعت بين الأصالة والحداثة، فقد كان مؤمنًا بأهمية المزج بين التطور العمراني، بجانب الحفاظ على الهوية الثقافية للمدينة، وهذه الفلسفة قادته لتبني نهج متوازن.

وخلال مسيرته، ألف النعيم العديد من الكتب التي تعكس مسيرته الغنية، ولعل أبرزها كتاب عن سيرته الذاتية حمل عنوان "بتوقعيي: حكايا من بقايا السيرة".

رحل عبدالله النعيم، وترك وراءه إرثًا متميزًا، ليبقى أحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في صياغة ملامح مدينة الرياض الحديثة، مقدمًا نموذجَا يحتذى فيه التخطيط الحضري.

نشأته وتعليمه

ولد عبدالله العلي النعيم في عنيزة في القصيم عام 1931، وقد نشأ في بيئة محبة للعلم والتعلم حرصت على تعليم أبنائها. وكعادة الأطفال في تلك الفترة، التحق بالكتاتيب لتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وذلك قبل إقرار المدارس النظامية.

أظهر النعيم نبوغًا مبكرًا، فقد كان طالبًا متفوقًا، ومن ضمن مظاهر تفوقه، فوزه في مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي نظمته مدرسته في أحد مساجد عنيزة، وحصل على مبلغ 100 ريال مكافأة، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت.

عمل النعيم لفترة في مكة ثم المنطقة الشرقية، وبعدها درس في المعهد العلمي السعودي، ثم التحق بجامعة الملك سعود، وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ، وقد حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة السوربون.

بداية مسيرته المهنية

كانت أولى المحطات المهنية في مسيرة عبدالله العلي النعيم في المنطقة الشرقية، فقد اتجه إلى مكة طلبًا للرزق، ولما لم يجد عملًا فيها، اتجه إلى المنطقة الشرقية، حيث تتواجد شركة أرامكو التي توفر الكثير من فرص العمل برواتب مجزية.

إلا أن النعيم لم يتجه إلى الشركة مباشرة، بل عمل في وظائف بسيطة، مثل العمل في إحدى محطات الوقود، وبعدها عمل في مشروع خط التابلاين في شركة أرامكو، وحصل على مرتب مجز من هذه الوظيفة، وظل يعمل فيها لمدة 3 سنوات.

انتقل النعيم بعدها إلى مسقط رأسه العنيزة، وعمل مدرسًا في إحدى مدارسها، وترقى ليصبح مراقبًا في المعهد العلمي، وبعدها انتقل إلى جدة، وعمل وكيلًا للثانوية النموذجية، حتى صدر قرار بتعيينه مديرًا لمعهد المعلمين في الرياض.

شغل النعيم بعدها منصب مدير التعليم في نجد، وكل هذا قبل أن يملك شهادة ابتدائية، واعتمد في مسيرته على المهارات الإدارية والثقافة العامة وقراءاته وكتاباته كذلك، ثم قرر الدراسة في المعهد العلمي، ثم التحق بالجامعة.

عمل النعيم كذلك في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، والتي كانت مسؤولة عن تأمين الغاز للسكان، وقد تولى إدارة الشركة عام 1974 بقرار من مجلس الوزراء.

خلال توليه هذا المنصب، تمكن عبدالله العلي النعيم من خلال أزمات الشركة، وقدم حلولًا عاجلة لتحسين أداء الشركة، فقد كان له الفضل في إيصال الغاز في مختلف أنحاء السعودية، بعدما قدم طلبًا لوزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز إلى فروع الشركة في المملكة، ومن ثم وضع الخطة التنظيمية للشركة.

تعيينه أمينًا لمدينة الرياض

من أهم المحطات المهنية في مسيرة الراحل عبدالله العلي النعيم توليه منصب أمين عام مدينة الرياض في الفترة من 1396 هـ إلى 1411 هـ، ولمدة 15 عامًا، شهدت المدينة تطورًا معماريًا ملحوظًا.

تولى النعيم هذا المنصب في بداية سنوات الطفرة في المملكة، وخلال شغله هذا المنصب، أقر العديد من المشروعات التنموية والحضارية، ومنها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض لتسهيل حصول السكان على تراخيص البناء والخدمات البلدية.

كان النعيم له الفضل في إقرار المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف في المدينة، كما أنه هو من طرح فكرة إنشاء الطرق السريعة على أطراف المدينة، وطرح فكرة إنشاء عدة مراكز اجتماعية في العاصمة الرياض، وأبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

شهدت فترة قيادته لأمانة مدينة الرياض إنجازات لافتة شملت مشاريع ضخمة، ومنها إنشاء الحدائق العامة والمرافق الترفيهية التي أسهمت في تحسين جودة الحياة لسكان الرياض.

كان النعيم مؤمنًا بأهمية المزج بين التطور العمراني والحفاظ على الهوية، وقد اتبع هذه الفلسفة في مسيرته، وبنى نهج متوازن أبرز فيه الطابع المعماري والتراثي لمدينة الرياض، مع مراعاة متطلبات العصر الحديث.

ولم يقتصر إنجاز النعيم على تطوير مدينة الرياض فحسب، بل شارك في عدة مؤتمرات دولية، ومنها منظمة المدن الكبرى "متروبولس" كما أسس المعهد العربي لإنماء المدن.

رائد العمل التطوعي

وبجانب مسيرته المهنية المميزة ودوره البارز في تطوير مدينة الرياض، عُرف عن عبدالله العلي النعيم التزامه بالقضايا الإنسانية والمجتمعية، فقد أسس العديد من المراكز الاجتماعية، ومنها مركز صالح بن صالح الاجتماع في عنيزة، ومركز الملك سلمان الاجتماعي في الرياض.

ركز النعيم جهوده لدعم التعليم وتمكين المرأة، وقد ترأس خلال مسيرته مجلس إدارة الجمعية الخيرية الصالحية، والتي ساهمت في تقديم العديد من الأعمال الخيرية والمجتمعية في البلاد.

مؤلفات عبدالله العلي النعيم

ساهم عبدالله العلي النعيم في إثراء المكتبة العربية بعشرات المقالات والأبحاث والكتب التي تبرز عمقه الفكري وثقافته. اهتم النعيم بالتاريخ الإنساني والإسلامي، وقد تم إطلاق جائزة باسمه لتكريم الإنجازات العلمية في الجزيرة العربية.

ومن ضمن كتب عبدالله العلي النعيم "تاريخ عسير الحديث"، وكتاب سيرة ذاتية بعنوان "بتوقعيي حكايات من بقايا السيرة". كتب النعيم سلسلة من المقالات تحت عنوان "من آداب الحسبة في الإسلام" فضلًا عن عشرات المحاضرات التي ألقاها في مراكز وبلديات مختلفة.

صدر عن حياته عدة كتب، ومنها كتاب "عشت لم ألتفت: رؤية سردية للمسيرة الرسمي والتطوعية للقائد الإداري الشيخ عبدالله علي النعيم" من إعداد مركز العالم للتوثيق، وكناب "عبدالله العلي النعيم الإدارة بالإدارة" من تأليف إبراهيم بن عبدالرحمن التركي.

وفاة عبدالله العلي النعيم

رحل عن عالمنا عبدالله العلي النعيم في 15 ديسمبر عام 2024 عن عمر يناهز 93 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا من العطاء والإنجازات لأكثر من نصف قرن.