لم يكن دور عبدالله الطريقي في النهضة السعودية بسيطًا، فقد شارك في تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وأول من دعي إلى استغلال اليد العاملة العربية لزيادة التجارة العربية، مسيرة طويلة مليئة بالإنجازات نحكيها لك في السطور التالية.
حياة عبدالله الطريقي ونشأته
عبد الله بن حمود الطريقي هو سياسي سعودي ولد في 19 مارس عام 1918 في مدينة الزلفي التابعة لمدينة الرياض، ووالده هو حمود الطريقي، أما والدته فهي لولوة العبد الكريم وهي سيدة كويتية تنتسب لعائلة السميط.
ترجع أصول عبد الله إلى منطقة وادي الدواسر وهي منطقة تقع جنوب الرياض، وانتقل أجداده إلى منطقة الزلفي في مطلع القرن الـ13 الهجري.
درس عبد الله في صغره القرآن الكريم وعلومه والقراءة والكتابة على يد المطوع الشيخ محمد ابن عمر، وكان وقتها شيخ يُلقب بـ"ابن عمر".
انتقل عبد الله وهو يبلغ من العمر 6 سنوات إلى دولة الكويت مع والده، وتابع دراسته هناك في المدرسة الأحمدية لمدة 5 سنوات ولكن بعدها بفترة انتقل مع والده أيضًا للعيش في الهند.
وهناك التقى بشيخ تجار العرب عبد الله محمد الفوزان الذي شجعه على الدراسة في مصر، وساعده على الحصول على منحة للدراسة هنا.
نفذ عبد الله وصية الشيخ الفوزان، حيث انتقل عبد الله إلى مصر في بعثة دراسية، ودرس المرحلة الثانوية في المدرسة الخديوية الثانوية في حلوان.
بعد إنهاء المرحلة الثانوية التحق بكلية العلوم في جامعة القاهرة، وكانت وقتها تحمل اسم جامعة "الملك فؤاد" وتخصص في الكيمياء. تخرج عبد الله من الجامعة عام 1945، وبسبب تفوقه وسيرته الجميلة في الجامعة رشحه الملك عبد العزيز لاستكمال دراسته في الخارج.
سافر عبد الله إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الماجستير في جامعة تكساس وتخصص في مجال الجيولوجيا، ودرس كذلك هندسة البترول بتخصص فرعي.
كانت رسالته في الجامعة عن جيولوجيا المملكة العربية السعودية، وبعد سنتين من ابتعاثه عاد إلى وطنه بعد أن تزوج من امرأة أمريكية أنجبت له ابن اسمه صخر، وأصبح لقبه أبو صخر وعاد إلى المملكة للعمل في وزارة المالية.
وفاته
توفي عبدالله الطريقي في مدينة القاهرة بتاريخ 7 سبتمبر عام 1997 عن عمر 78 عامًا، ودفن في مدينة الرياض بمقبرة النسيم.
بعد وفاته تم عمل جائزة باسمه يشرف عليها مركز دراسات الوحدة العربية، وهي جائزة تمنح كل عامين لشخصية عربية تكريمًا لعمله في مجال النفط والتنمية العربية.
قيمة الجائزة هي خمسة وعشرون ألف دولار أمريكي، ويتم الترشيح للجائزة عن طريق المؤسسات في الأقطار العربية مثل الجامعة والمنظمات المهنية والأهلية ومنظمات العمل العربي.
كذل صدر عن حياته كتاب حمل اسم "عبد الله الطريقي صخور النفط ورمال السياسة" من تأليف محمد بن عبد الله السيف، وصدر الكتاب عن دار الرياض للنشر في عام 2007.
كما تناول سيرته المؤلف محمد بن عبد الرزاق القشعمي في كتاب "عبد الله الطريقي مؤسس الأوبك والممهد لسعودة أرامكو".
حياته المهنية
بدأ عبدالله الطريقي مسيرته المهنية بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكي، حيث عمل في وزارة المالية بداية من عام 1948، وأظهر في مهنته الخبرة والذكاء.
بعد سنوات من الدأب والعمل المثمر في الوزارة، أصبح عبد الله هو المسؤول عن مكتب مراقبة الحسابات الحكومية السعودية على دخل النفط في الشركة السعودية العربية للنفط التي تعرف باسم "أرامكو" في مدينة الظهران.
كانت هذه الشركة أولى خطوات عبد الله في الإنجاز الحقيقي، ففي عام 1954 صدر قرارًا بتعيينه المسؤول عن القطاع الخاص بالنفط، كما أصبح المدير العام لأمور النفط والمعادن في وزارة المالية.
وبتاريخ 20 مايو عام 1959 أصبح عبد الله عضواً من أعضاء مجلس الإدارة في شركة أرامكو، وكان هو وحافظ وهبة أو سعوديين يحتلان هذا المنصب، بعدما كان المنصب مخصصًا للأجانب فقط.
خلال عمله في شركة أرامكو كانت له إنجازات كثيرة، حيث زادت حصة الدولة في الشركة، وألغى كذلك بعض الامتيازات واسترد ما يقرب من نصف الميزانية.
لم يغرم الطريقي بالأمريكيين في أمريكا أثناء دراسته، ولم يغرم به الأميريكيون في أرامكوا بعد عودته وعمله مراقبًا عليهم، حيث كان أول عربي يرفض السكن في القسم العربي من قريتها في الظهران، ويصر على السكن في القسم الأمريكي.
رضخت الشركة لطلبه بعد تردد، ووجد بعدها أخطاء في حسابات أرامكوا فأجبرها على تعويض الدولة بمبلغ 145 مليون دولار أمريكي.
تعيينه وزيرًا للنفط
في عام 1960 صدر قرار بتشكيل وزارة النفط والثروة المعدنية لأول مرة في المملكة العربية السعودية، وتم تعيين عبدالله الطريقي وزيرًا لها بتاريخ 20 يناير في العام نفسه، ليصبح أول وزير نفط في المملكة.
ظل عبد الله في منصبه لمدة عام وأربعة أشهر، حيث صدر قرار بإعفائه من منصبه بتاريخ 9 مارس عام 1962.
تحدث الكاتب السعودي محمد بن عبد الرزاق القشعمي سيرة عبد الله في وزارة النفط، فتحدث أنه على الرغم من أكثر من عقدين على وفاته ولكن دوره الوطني لا يزال يُشاد به حتى الآن.
فقد ناضل عبد الله لكي تستفيد المملكة من ثرواتها الوطنية، في الوقت التي كانت الشركات الأجنبية المستخرجة للنفط تستحوذ على نصيب الأسد ولا تترك لصاحب الأرض سوى القليل من هذه الثروات.
لم تأتِ إنجازات الطريقي من فراغ، وإنما جاءت على أساس علمي، فهو لم يكن شخصًا ثوريًا، بل له أهداف وطنية نفذها عندما أصبح أو وزير نفط في المملكة.
ومن ضمن الأهداف التي كان يطمح لتحقيقها هو إعادة صياغة الاتفاقات النفطية العاملة في المملكة وذلك بهدف استعادة جزء من حقوق المواطن فيما يتعلق بالتسعير، وكذلك المشاركة في الأرباح.
ثانيًا عمل الطريقي على إعادة هيكلة الوزارة والتأسيس لبناء قاعدة جيدة مع الشباب السعودي للعمل في القطاع النفطي بدلًا من الأجانب.
كذلك عمل مع صديقه الفنزويلي الدكتور جوان ألفونسو على إنشاء اتحاد بين الحكومات المنتجة للنفط لمواجهة الاحتكار من الدول والشركات الغربية، وكان له اليد في إنشاء "منظمة أوبك" العالمية.
منظمة أوبك هي منظمة الدو لالمثدر للنفط، وتضم 13 دولة من بينهما المملكة العربية السعودي وبغداد، وإيران والعراق والكويت، وفنزويلا، واتخذت من فيينا مقرًا لها.
وفي تصريح صحفي لعبدالله الطريقي لحصيفة نيويورك تايمز عن سبب تأسيس هذه المنظمة قال "نحن أبناء الهنود الحمر الذين باعوا مانهاتن ونرييد تغيير الصفقة".
وفي هذه الجملة إشارة إلى نقد سياسات أمريكا التي تعمل على سلب ثروات الشعوب مثلما قام حكام مستعمرة نيو نذرلاند الأمريكي بيتر مينوت بشراء جزيرة مانهاتن من زعيم قبيلة هنود حمر بثمن بخس وذلك في عام 1926.
طالب عبد الله بحرق الغاز الطبيعي من آبار النفط؛ لأنها طاقة يمكن استخدامها بدل من إهدارها.
دافع الطريقي عن مصالح شعبه وأمته في ظروف صعبة في ظل تحكم الدول الغربية على مصالح شعوب العالم، وكان له دور بارز في سعودة "أرامكو" وجعل المملكة هي السلطة الوحيدة التي تسيطر وتتحكم في ثرواتها الطبيعية.
ما بعد وزارة النفط
تم استبعاد عبد الله الطريقي من وزارة النفط السعودية بسبب آرائه القومية العربية وتطلعاته الليبرالية، والتي ظهرت جليًا في أثناء تولى الملك فيصل رئاسة مجلس الوزارء.
كان لدى عبد الله موقفًا حاسمًا من كمال أدهم صهر الملك فيصل لتسلمه عملو بمليون دولار أثناء المفاوضات الكويتي السعودية مع شركة يابانية حول امتياز نفطي في المنطقة المحايدة.
اختار عبد الله بعد ذلك الكويت كمنفي اختيار له، وقبل مجيئه إلى الكويت كان في بيروت وأصدر مجلة "البترول والغاز الطبيعي" عام 1965، واستمر صدورها لمدة عام، ليصبح اسمها "نفط العرب".
امتدت إقامة عبد الله في الكويت لمدة 5 سنوات بعد محطتي في بيروت والقاهرة، وفي عام 1973 افتتح مكتبه الاستشاري، وكان محل تقديم من الشيخين عبد الله وصباح السالم الصباح، وكان نشيطًا في تقديم اقتراحات فيما يتعلق بالنفط.
ومن ضمن اقتراحاته تقديمه ورقة بحثية إلى مؤتمر النفط العربي عام 1975 التي حملت عنوان "النفط ومستقبل وحدة الخليج".
كانت لدى عبد الله كذلك صداقات مع جاسم القطامي وأحمد الخطيب، وقام بدور الوساطة السياسية بين الكويت والعراق عام 1973 حول نفط الحدود.
يعد كذلك أحد مؤسسي مركز دراسات الوحدة العربية عام 1975 في بيروت، وكتب عدة مقالات عن النفط العربي.