من أمهر خطاطي الحروف العربية في الوطن العربية، ومصمم عملة العراق ومصحف صدام حسين، إنه الخطاط العراقي عباس البغدادي الذي رحل عن عالمنا مؤخرًا، ويوصف بأنه جهبذ الخط العربي ورائد المدرسة العراقية الحديثة، وكان له الفضل في تطوير الخط العربي وتعليمه، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
حياة عباس البغدادي ونشأته
عباس شاكر جودي البغدادي هو خطاط ومعلم للخط العربي ولد في العاصمة العراقية بغداد في عام 1949 وبرع منذ صغره في فنون الخط والرسم وأتقنها، وتمتع بحس فني وهندسي منذ صغره جعله يبدع في فن الرسم ويتجه بعدها إلى فن الخط.
نجح البغدادي منذ نعومة أظافره في تطوير موهبته في الخط بمفرده، وحصل على لقب "مهندس الحروف" بسبب موهبته الفذة الذي تميز بها.
بدأ البغدادي حياته الفنية بالرسم، ولكن سرعان ما تركها للتفرغ للخط العربي، وقد أجاد فنونًا مختلفة مثل الزخرفة والتصميم والطباعة، وكان صاحب أفكار إبداعية، ورغم أنه لم يحمل شهادة في اخلط العربي، ولكنه أصبح من أهم مراجع الخط العربي في العالم.
أنتج البغدادي العديد من اللوحات، وكانت أبرزها 3 كراسات للخط العربي قدّم فيها مبادئ تعليم الخط العربي بطرق مختلفة، وكانت أول إنتاجاته كراسة "ميزان الخط العربي" التي تفرغ منها عام 1986.
أنتج كراسة "النسخ المصحفي" وتخصصت في خط النسخ، أما الكراسة الثالثة كانت "كراسة تحفة الميزان" لكل الخطوط العربية التي أنتجها بشكل جديد، وكان ذلك عام 1990.
بفضل البغدادي عادت مدرسة الخط العراقية بكامل هيبتها ومكانتها في العالم العربي، وقد منح البغدادي العديد من الخطاطين إجازات من داخل العراق وداخله، حيث كان يقصده العديد من الفنانين والخطاطين للتعلم منه والاستفادة من فنه.
تزوج البغدادي مرتين، المرة الأولى أنجب منها 4 أبناء، والمرة الثانية أنجب منها 3 أبناء، وقد سافر مع زوجته الثانية وأبنائه إلى الأردن بعد عام 2003، ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث استقر في ولاية فرجينيا وتوفي فيها.
وفاته
توفي الخطاط ومعلم الخط العربي والزخرفة الإسلامية عباس البغدادي يوم الثلاثاء الموافق 2 مايو عام 2023 عن عمر 71 عامًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شيعت جنازته في مركز آدم الإسلامي في ولاية فيرجينيا.
وقد نعى العديد من الفنانين العراقين وفاة الخطاط البغدادي في بيان موحد قيل فيه: "ننعى بمزيد من الأسى والحزن خبر وفاة الخطاط العراقي الكبير عباس البغدادي، سائلين العلي القدير أن يتغمد روحه بواسع رحمته".
أهم أعماله
شهدت مسيرة الخطاط عباس البغدادي تصميم العديد من اللوحات، ومن أعماله تصميم بطاقة الأحوال المدنية العراقية، وشهادة الجنسية، والعملة العراقية، وشعار الدولة، والجواز العراقي، حيث أوكلت إليه هذه المهمة عام 1998.
كتب البغداد الكثير من لوحات الخط العربي في الجدران والمساجد داخل العراق وخارجها، ودرّس مادة أصول الخط العربي وقواعده في المعاهد الفنية حول العالم.
شغل البغدادي العديد من المناصب، منها منصب رئيس جمعية الخطاطين العراقيين في بغداد من عام 1999 حتى عام 2003، كما كان أستاذ الخط العربي في الجمعية، وقد خط العديد من أغلفة الكتب العلمية والأدبية والدينية، والثقافية كذلك.
في بداياته حصل البغدادي على العديد من الجوائز، ومنها جائزة بغداد لأفضل الرسامين الشباب، وذلك عام 1969، وقد عمل بالخط في الدار العربية للطباعة والنشر، ودار الحرية للطباعة والنشر في بغداد بين أعوام 1975 و1980.
في عام 1988 عُين البغدادي رئيسًا لخطاطي العراق، وقد بلغ راتبه في زمن الحصار 24 دولارًا. وقد وصفت أعمال البغدادي بأنها "إحياء لأسلوب الخط التراثي ممتداً إلى المرحلة المعاصرة مع دراسة واطلاع على الدراسات العلمية الحديثة، يكتب بخطوط متعددة ويزداد اهتمامه وإتقانه لخط الثلث الجلي، وخط النسخ".
تصميم مصحف صدام
في عام 1998 كلفه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بتصميم مصحف خاص به، وذلك وفاء بنذر لصدام بعد نجاة نجله عدي الذي تعرض لمحاولة اغتيال نجا منه، حيث استدعاه صدام إلى مستشفى ابن سينا في بغداد وطلب منه كتابة المصحف بدمه.
استغرق البغدادي عامين في كتابة المصحف وتصميمه بدم الرئيس الأسبق، حيث خلط الدم بمواد كيميائية لتسهيل الكتابة به، وقد عُرض المصحف في متحف أم المعارك في بغداد.
وقد قال البغدادي إنه خلال هذه الفترة كان رابته حوالي 24 دولارًا فقط، وقد تلقى مكافأة 30 آلاف دولار مقابل إنجاز المصحف، وهو المبلغ نفسه الذي تلقاه كل عضو من لجنة مراقبة كتابة المصحف.
وقد قال عباس: "كانوا يقولون إنني كنز وطن، ولقد طلبوا مني كتابة كل أنواع المخطوطات، كل الوثائق الرسمية للوزارات والمحاكم والوثائق التي ترافق الأوسمة، لكنني لم أكافأ بشكل منصف".
مغادرته بغداد
في عام 2003 تعرض عباس البغدادي لتهديدات كثيرة استهدفت حياته، لذا سافر إلى الأردن مع زوجته الثانية وأولاده الثلاثة، بينما بقيت زوجته الأولى وأولادهما الأربعة في العراق.
استقر البغدادي في الأردن لفترة، وهناك درّس مادة الخط العربي في العاصمة الأردنية عمان، واستمر في هذا العمل حتى عام 2008، صمم خلالها بعض أعمال الخط العربي للعائلة الملكية الأردنية.
في عام 2006 خط البغدادي عناوين كتاب الكسوة الشريفة في مكة المكرمة، وشارك في العديد من المعارض، ومنها المعرض الخاص بالخط العربي في إمارة الشارقة عام 2007، وقد تم تكليفه بتصميم العملة الخاصة بإمارة أبو ظبي في العام نفسه.
سافر بعدها البغدادي إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2009، وقام بعدة أنشطة هناك، ومنها تدريس مادة الخط العربي وورشة عمل في معهد الفكري الإسلامي هرندن فرجينيا، وأقام ورشة عمل في متحف "ريغموند" في فيريجينا وورشات أخرى في المتحف الإسلامي هناك.
استقر البغدادي في ولاية فرجينيا، وقدم استشارة لإنشاء متحف للمخطوطات العربية والإسلامية في مركز كندي في العاصمة الأمريكية واشنطن، وقد شارك في المعرض العالمي للفنون العربية والإسلامية.