فنان متمكن في غنائه وعزفه للعود استحق بسبب موهبته أن ينال لقب "أخطبوط العود" إنه نجم الغناء السعودي عباد الجوهر صاحب المكانة المتميزة بين نجوم الغناء واللحن في الوطن العربي، فضلًا عن كونه أبرز مغنيي الأغنية الخليجية.
عبد الله محمد جوهر هو مغني وملحن سعودي ولد في 24 أبريل عام 1953 في مدينة جدة، ونشأ يتيم الأب مع أخيه عبد الرحمن بعد وفاة والده وهو بعمر 3 سنوات، وتربى على يد والدته.
أحب عبادي الفن وهو صغير، لذا قرر ألا يكمل دراسته الثانوية للعمل في مجال الغناء، وبدأ مسيرته الفنية متنقلًا بين مصر، ولبنان والسعودية ليسجل أغانيه.
عانى عبادي من صعاب كثيرة في حياته، أولها فقدان والده وعيشه يتيمًا فاقدًا لأمان الأب، ولكن ما أثر عليه أكثر هو وفاة والدته في عام 1974 وهو بعمر 19 عامًا بعد صراع طويل مع المرض وعرضها على الكثير من الأطباء في مصر والسعودية.
يقول لعبادي إن والدته هي أقرب شخص في حياته، فكانت بمثابة أخت وصديقة، كما كانت مستشارته في عمله، وحينما فقدها شعر أنه فقد كل شيء.
كان عبادي شغوفًا دائمًا بالفن، فعلّم نفسه العزف على العود وكان وقتها بعمر الثانية عشر، وكان يقضي جل يومه تقريبًا في التعلم على العزف لتصل إلى 7 ساعات متواصلة يوميًا.
وعلى الرغم من حبه للفن كان أيضًا يرغب أن يعمل في المجال العسكري ويصبح عسكريًا، ولكن أثر عليه الفنان طلال المداح الذي شجعه على دخول الفن، وآمن بموهبته الفنية.
وما ساعده على تطوير موهبته أكثر هو حبه للمطالعة، وخاصة قراءة كتب التاريخ، والشعر العربي القديم وهو ما أثر كثيرًا على مستوى ألحانه وكلماته.
تزوج عبادي من السيدة نورة سعد الحريقي في الثمانينات ورُزق منها بابنتين، وهما سارة، ومي، وفي بداية عام 2006 عانت زوجته من السرطان وتلقت العلاج في لندن في البداية، ثم نُقلت فيما بعد إلى المستشفى العسكري في جدة وتوفيت فيها في يوم الجمعة شهر أكتوبر الموافق شهر رمضان عام 2006.
بعد وفاتها بشهر واحد توفي أخوه الكبير عبد الرحمن، وهو ما جعله يعتزل الفن لمدة عام ونصف تقريبًا، وبعدها عاد بألبوم "الجرح أرحم" وهي الأغنية التي عبر فيها عن حزنه لفقدان زوجته التي عاش معها سنوات طويلة.
ولم يفكر عبادي الزواج بعد وفاة زوجته، وإنما فعل مثلما فعلت والدته بعد وفاة والده، ففضل أن يضع نصب عينيه مستقبل بناته وفاءً لزوجته التي كانت تدعمه طوال مسيرته الفنية، فاهتم بتعلميهن، وتزويجهن أيضًا.
وتحدث عبادي كثيرًا عن زوجته التي يذكرها دائمًا بالخير واصفًا إياها بأنها سيدة رائعة وكانت تتفهم حياته كفنان، وعيوب شخصياته، فهو شخص سريع الملل، وكانت تتفهم هذا الشيء فيه، كما كانت لا تنزعج من المعجبات وإنما تحزن حين لا ترى معجبًا يتصور معه.
تعلم الفنان عبادي الجوهر عزف العود لوحده، وكان وقتها بعمر 12 عامًا، وعلى الرغم من أنه كان يرغب في أن يصبح ضابطًا في الجيش ولكن شاءت الأقدار أن يتجه إلى مجال الفن ويبدع فيه.
بدأ الفنان عبادي مسيرته الفنية في عام 1967 بترتيب من الفنان لطفي زيني الذي أصر عليه أن يقابل الفنان طلال المداح، وحينما سمعه الفنان طلال أعجب بموهبته، وضمه لشركته "رياض فون"، وكان عمر عبادي وقتها 14 عامًا.
وأكثر ما لفت انتباه طلال في عبادي مهارته في العزف على العود، حيث كان يعزف بطريق شخص محترف له عشرين عامًا يعزف.
ومع شركة "رياض فون" سجل عبادي مجموعة من الأغاني من ألحان جميل محمود وعمر كدرس في أستديوهات بيروت، وأشهر أغانيه كانت أغنية "يا غزال" من ألحان طلال مداح وذلك في عام 1968، وفي نفس السنة غنى في حفلة لكاظم الساهر.
وفي العام التالي سجل أغنية "يا حلاوة" من كلمات لطفي زيني، وألحان طلال مداح، وكان عبادي هو من لحن مقدمة هذه الأغنية وأعجب بها طلال وقرر تركها كما هي.
وفي عام 1970 قرر عبادي التلحين لنفسه، وأول أغنية من تلحينه هي أغنية "أحبها" وفي العام التالي سافر إلى القاهرة لتسجيل أغنية "كأنك حبيبي" من ألحانه وكلمات الأمير بدر بن عبد المحسن، كما لحن مونولوج للفنان لطفي زيني باسم "هذي السيارة".
استمر عبادي يقدم أغاني متنوعة حتى عام 1976 التي كانت إنطلاقته الفنية الكبيرة بعد مشاركته في حفل دورة الخليج الرابعة في قطر بالمشاركة مع العديد من الدول وغنى في الحفل أهم أغانيه، مثل "رحال"، و"بنت الضحى"، و"الله معك"، و"أنا أشهد".
وفي عام 1978 بدأ يلحن لفنانين آخرين، وأولهم الفنان طلال مداح في أغنية "طويلة يا دروب العاشقين" من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن.
وفي عام 1984 رغب عبادي أن يكون مستقلًا فنيًا وينتج أغانيه بنفسه فأنشئ مؤسسته "أوتار للإنتاج الفني" وأنتج ألبوماته بنفسه بعد إصدار نظام حفظ حقوق الفنان السعودي.
يُعد عبادي من الفنانين المحبين للابتكار والتجديد في الفن، وأراد أن يدمج الموسيقى الغربية بالمقامات الشرقية فنتج عنها دمج معزوفة المالاغوينا مع تقاسيم شرقية، وعزف هذه المعزوفة في حفل له في باريس عام 1994.
بجانب الغناء يُعتبر عبادي من أهم الملحنين في الوطن العربي، فلحن لكبار الفنانين، منها الفنانة نجاة الصغيرة في أغنية "قد الحروف" ولكن اعتزلت الفن قبل غنائها فغنتها الفنانة أصالة نصري.
كما طلب الفنان وديع الصافي أن يلحن له، والفنان خالد عبد الرحمن عرض عليه أن يعطيه إحدى قصائده ويلحنها عبادي بنفسه.
ومن الفنانين الذي لحن لهم عبادي هم طلال مداح، ونجاة الصغيرة، وأصالة نصري، وسميرة سعيد، وأسماء المنور، ورابح صقر، وعباس إبراهيم، ورجاء بلمليح.
وفي رصيده الفني 50 ألبوما فردياً، و12 ألبوما مشتركاً، و10 أسطوانات، و7 ألبومات ريمكس، كما شارك في خمس أغان وطنية.
لقب الفنان الراحل طلال مداح عبادي الجوهر بأخطبوط العود على مسرح التلفزيون في عام 1983، كما لقبه الفنان عبد الرحمن بن مساعد بسفير الحزن.
من ألقابه أيضًا موسيقار الجزيرة العربية، ومطرب العرب وحصل على هذا اللقب في دار الأوبرا المصرية، ولكن اللقب الأقرب إلى قلبه هو أبو سارة.
حصل عبادي على العديد من الجوائز والدروع، ولعل أهمها الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون بمصر، كما كُرم في اليوم الوطني السعودي مرتين، وحصل على جائزة أفضل مطرب خليجي في مصر، وتكرم بمهرجان الإسكندرية للأغنية.
وفي عام 2005 حصل على أعلى وسام في سلطنة عمان قلده بها السلطان قابوس رحمه الله في مهرجان العود، وحصل على العود الذهبي من روتانا، ودرع الإبداع من جميعة الثقافة والفنون عام 2018.