صوته العذب جعل كثيرا من الملحنين مثل الشيخ زكريا أحمد يقترح عليه الغناء فغنى لفترة في حياته حتى إنه كان من المشاركين في إحياء حفل زفاف الملك فاروق، إنه الشيخ طه الفشني الذي بدأ حياته مطربا ولكن حبه للقرآن طغى في النهاية فقرر التركيز فيه فقط ليصبح واحد من أهم قراء القرآن في مصر والعالم العربي. مسيرته وأبرز المعلومات عن حياته في السطور التالية..
اسم بالكامل طه حسن مرسي الخرشة، ولد عام 1900 في مدينة الفشن بمحافظة المنيا-انتقلت تبعيتها فيما بعد لمحافظة بني سويف- ولد "طه" في أسرة ملتزمة دينيا، كان والده يعمل تاجر أقمشة، أما والدته فكانت ربة منزل، وكان خاله عمدة إحدى القرى المجاورة لهم.
التحق بالكتاب منذ صغره، وتعلق بالقرآن الكريم، وفطن والده لموهبته فشجعه وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثانية عشر من عمره، ولكن رحل والده، واشتهر "طه" الذي حمل لقب البلدة إلى اسمه بقراءة القرآن في الإذاعة المدرسية، وتولى خاله العمدة رعايته.
وألحقه بمدرسة المعلمين، وفي أثناء دراسته بها عرف بين الجميع بحلاوة صوته وروعة قراءته للقرآن، وتخرج وحصل على كفاءة المعلمين.
لم ترضي شهادة المعلمين طموح الفشني في التعليم، فقرر السفر إلى القاهرة لاستكمال دراسته في مدرسة دار العلوم العليا، وشجعته والدته على ذلك، وكان ذلك عام 1919 وعمره وقتها 19 عاماً، وأدت الأحداث السياسية في البلد في ذلك الوقت وقيام ثورة 19 عدم قدرته على الالتحاق بمدرسة دار العلوم وعاد للفشن مرة أخرى.
بعد ثلاث سنوات أعاد الشيخ الفشني المحاولة وعاد للقاهرة والتحق بالأزهر الشريف، وحصل على إجازة في القراءات العشر من أحد كبار علماء الأزهر الشريف وهو الشيخ عبدالعزيز السحار.
ذاع صيت الشيخ الفشني في منطقة الحسين حيث استقر هو وزوجته بعد قدومه من الفشن، كقارئ للقرآن ومنشد في الأفراح والمناسبات الدينية.
ولكن كان لبعض الشيوخ والملحنين رأي أخر فأول من حاول معه لضمه للغناء كان الشيخ علي محمود الذي كان لديه فرقة تواشيح، فطلب منه أن يكون أحد بطانته، وكان معه في الفرقة الملحن الشهير زكريا أحمد، وتولى الشيخ درويش الحريري تعليمه فن الموسيقى.
اقترح زكريا أحمد وآخرون على الشيخ الفشني الاتجاه للغناء، فغني بعض "الطقاطيق" ولعزوبة وجمال صوته شارك في بالغناء في حفل زفاف الملك فاروق والأميرة فريدة إلى جانب أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.
ولكن الطابع الديني للشيخ غلب عليه وأحس بغربة وقال لأصدقائه من الملحنين "صاحب بالين كذاب وأنا مطمئن ومستقر للقرآن والتواشيح الدينية" وقطع علاقته بالغناء وقرر أن يركز فقط في القرآن الكريم.
وأصبح المؤذن الأول لمسجد الحسين الشهير، وأصبح مرتبطاً لدى أذهان الناس بصوت قراءته لسورة الكهف يوم الجمعة، كما أن تولى مسجد السيدة سكينة لفترة.
وكانت تربطه علاقة قوية بأم كلثوم التي أطلقت عليه لقب "ملك التواشيح الدينية في مصر والعالم العربي"، وكذلك بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، والذي لحن له الأغنية التي غناها في حفل زفاف الملك فاروق.
تزوج الشيخ الفشني وعمره 22 عاما وكانت زوجته عمرها 16 عاما، وبعد الزواج انتقلا مباشرة للعيش في القاهرة، ورزقه الله بطفلين في بداية حياته ولكن استرد الله وديعته وتوفوا، ثم رزقه الله بـ6 وهم: جمال، نفيسة، تحية، صلاح، زين، ونور.
أما إخوته فكان هو أكبرهم، ولديه أخ وأخت أصغر منه. عاش الشيخ فترة من حياته في حي الحسين الشهير، وبعد فترة أكرمه الله وبنى عمارة في منطقة العباسية وانتقل إليها، وبعدها انتقلا إلى فيلا بناها في حي مصر الجديدة الراقي.
في عام 1955 توفيت ابنته "تحية" وعمرها لم يتجاوز الـ22 عاما، فحزن والدها واعتزل الناس لفترة ولم يعد قادرا لا على القراءة ولا مقابلة أحد، ولم ينسها حتى توفي.
وبعدها بخمس سنوات في عام 1960 تعرض لمحنة أخرى وهي وفاة زوجته وأم أبنائه.
الشيخ طه الفشني في الإذاعة
عن طريق الصدقة أصبح الشيخ الفشني قارئا بالإذاعة، فكان يحضر الاحتفال السنوي بمولد الحسين، وألح المتواجدون عليه القراءة، ولكنه رفض، لأنه غير معتمد وغير مصرح له القراءة في ذلك اليوم.
وتصادف وجود رئيس الإذاعة في ذلك الوقت آنذاك وهو سعيد باشا لطفي، واستأذنه أحد موظفي الأوقاف بالسماح للشيخ بالقراءة، ووافق رئيس الإذاعة، وذهب موظف الأوقاف وطلب من الشيخ الصعود إلى مقعد القراء بعد موافقة رئيس الإذاعة على السماح له بالقراءة لمدة خمس دقائق وأن لا يطيل.
وبعد أن بدأ التلاوة صعد موظف الأوقاف وهمس في أذنه أن لا يختم لأن رئيس الإذاعة معجب بصوته واستمر في التلاوة لمدة عشرين دقيقة، بعدها عاد إليه الموظف للمرة الثالثة واصطحبه إلى رئيس الإذاعة، الذي أخبره أنه ينتظره في مكتبه غدا لأن الإذاعة المصرية في حاجة لصوته.
وفي عام 1937 تم اعتماد الشيخ الفشني كقارئ رسمي بالإذاعة، وهو من أوائل مقرئي الإذاعة الذين تم اعتمادهم كقارئ من الطبقة الأولى الممتازة، ذاع صيته بعد القراءة في الإذاعة في مصر والعالم العربي، وظهر على التلفزيون المصري في عام 1963.
أما عن أول أجر تقاضاه فكان خمسة جنيهات نظير التسجيل الواحد في الإذاعة وكان أعلى أجر بين المقرئين في ذلك الوقت، وفي عام 1944 حصل على أجر كبير في إحدى الحفلات الخاصة بـ40 جنيهاً وكان رقم كبير سعد به كثيرا، وفي عام 1953 كان يقرأ في السعودية وكان يحاسب بالدقيقة ويأخذ مقابلاً لها 3 جنيهات، ووصل به الأمر أن يأخذ جنيهات ذهبية مقابل قراءته.
كان الملك فاروق من محبي الشيخ الفشني، طلبه بالاسم للغناء في حفل زفافه، ولحن له محمد عبد الوهاب، وبعدها جعله قارئ القصر الملكي سواء في رأس التين أو عابدين هو والشيخ مصطفى إسماعيل.
وأغرم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بصوته، وكان دائم الاستماع له، وفي إحدى حفلات الرئاسة منحه طبقة من الفضة، أما الرئيس أنور السادات فجعله من قراء الرئاسة المعتمدين.
والرئيس الراحل محمد حسني مبارك منحه نوط الامتياز من الطبقة الأولى، وتسلمه بالنيابة عنه نجله المستشار زين.
وكان من الأصوات المفضلة للأسرة الحاكمة في الإمارات، وكان يتم دعوته كثيرا للسفر للقراءة هناك، وكان يقول إنهم بلد محبة للقرآن، وزار وقرأ في عدد من الدول العربية مثل السعودية، العراق، المغرب، كما سافر ماليزيا والسودان.
في عام 1948 بدأ صوت الشيخ يخفت ولم يعد قادرا على الكلام مطلقا، وفشل الأطباء في مساعدته، وجلس في المنزل متوقفا عن القراءة، فقرر السفر لزيارة الرسول عليه الصلاة والسلام وأثناء زيارته لقبر الرسول عاد له صوته مرة أخرى .
أصيب الشيخ الفشني بجلطة في القلب استمرت 6 أشهر قبل وفاته، وفارق الحياة بعدها في يوم 10 ديسمبر عام 1971.