على مدار 26 عامًا، كان الشاعر والمبدع طاهر أبو فاشا وراء تأليف حكايات شهرزاد في ألف ليلة وليلة، والتي عرضت في الإذاعة المصرية بداية من عام 1955، ولم تكن ألف ليلة وليلة فحسب هي أهم إنجازاته، بل ساهم خلال مسيرته الفنية بالعديد من الإبداعات الأدبية، وألف لأم كلثوم، في السطور التالية تعرف على مسيرته وإنجازاته.
من هو طاهر أبو فاشا؟
هو شاعر وزجال مصري، ولد في محافظة دمياط في 22 ديسمبر عام 1908، ويعد من أبرز الشعراء في الساحة الأدبية في مصر، ومبدع حكايات ألف ليلة وليلة في الإذاعة المصرية لأكثر من 26 عامًا.
بدأ أبو فاشا مسيرته المهنية بالعمل في صناعة الأحذية، إلا أنه ترك هذه الصنعة، والتحق بالمعهد الديني، فتعلم القراءة والكتابة، وقرأ الشعر وحفظه، وبدأت لديه موهبة كتابة الشعر، ثم سافر إلى القاهرة، ودرس في جامعة الأزهر.
بدأ أبو فاشا مسيرته الأدبية كشاعر، وقد نشر العديد من الدواوين التي جمع فيها بين البساطة والجمال، واهتم بالقيم الإنسانية والتصوف الروحي، وإلى جانب الشعر، تألق في المسرحيات الشعرية، وكتب نصوصًا تمزج بين العمق الثقافي والإبداع الفني.
ارتبط اسم أبو فاشا في الإذاعة المصرية، وقدمت سلسلة ألف ليلة وليلة التي أبهرت المستمعين، كما عرف بإسهاماته في أدب الأطفال والكتابات التراثية، كما كان حريصًا على دعم الثقافة الوطنية.
ترك طاهر أبو فاشا خلفه إرثًا أدبيًا غزيرا يعكس تنوع مواهبه الأدبية، ولا تزال نصوصه شاهدة على إنجازاته وإسهاماته وإبداعه الأدبي.
الإسكافي الذي درس في الأزهر
في مدينة دمياط، ولد الشاعر والزجال المصر طاهر أبو فاشا، تلقى تعليمه الأولي هناك. ولد أبو فاشا في أسرة متوسطة الحال، فقد كان والده يحمل تاجرًا للحبوب، ولكونه الابن الأكبر، أراد والده تعليمه هذه المهنة، حيث تجري العادات والتقاليد.
إلا أنه في تلك الفترة، أصبحت تجارة الحبوب تجارة راكدة، فقرر والده تعليمه صناعة الأحذية، وهي المهنية التي يُطلق على من يعمل بها "الإسكافي"، وقد تمكن من تلك الصنعة، إلا أنه تركها فيما بعد، ولكونه الابن الوحيد للعائلة، ألحقه والده بالمعهد الديني بجانب دكان والده، وحفظ فيه القرآن الكريم وتعليم التجويد في أشهر قليل.
مكث أبو فاشا في مكتبة المعهد لفترات طويلة، وعكف على قراءة الكتب فيها، وتأثر كثيرًا بؤلفاته المنفلوطي، وبرزت لديه ملكة تأليف الشعر، فألف أول ديوان له بعنوان "صدق الشباب" خلال دراسته في المعهد في دمياط.
أنهى أبو فاشا دراسته في دمياط، ثم انتقل إلى القاهرة للدراسة في جامعة الأزهر، وهناك التقى بالأدباء والكتاب، مثل لطفي باشا السيد، وحافظ إبراهيم. فصل أبو فاشا بعدها من الأزهر بعد مشاركته في احتجاج لإقامة حفل تأبين الشاعر أحمد شوقي.
لم ييأس أبو فاشا، ونظم الشعر الذي تحدث فيه عن تعرضه للظلم، وبالفعل تم رفع قرار الفصل عنه، وعاد للدراسة في المعهد مرة أخرى. بعد انتهاء دراسته في المعهد، التحق بكلية اللغة العربية لمدة عام واحد فقط، ثم التحق بكلية دار العلوم، وتخرج فيها.
مسيرته المهنية
بعد تخرج الشاعر طاهر أبو فاشا من كلية دار العلوم، تم تعيينه للتدريس في إحدى قرى محافظة أسوان، إلا أنه لم يكن قادرًا على الذهاب هناك لبعد المسافة، كتب شعرًا يخاطب فيه المسؤولين لعدم إرساله إلى هناك، وتمت الاستجابة لطلبه، وتم تعيينه في الواحات الخارجة.
وفي الواحات الخارجة تعرف أبو فاشا على العرب هناك، وأصبح عضوًا في رابطة أدباء العروبة، ثم نقل للعمل في وزارة المعارف، كما عمل سكرتيرًا برلمانيًا في وزارة الأوقاف، وبعدها عمل رئيسًا لقسم التأليف والنشر بإدارة الشؤون العامة بالقوات المسلحة.
العمل في الإذاعة وتأليف حكايات ألف ليلة وليلة
بدأ الشاعر طاهر أبو فاشا عمله في الإذاعة المصرية بتقديم برنامج "أفراح النيل" مع الإعلام محمد فتحي، الذي كان يطلق عليه "كروان الإذاعة"، وقد حقق البرنامج شهرة واسعة في ذلك الوقت، وتشجع بعدها للاستمرار في العمل الإذاعي.
خلال عمله في الإذاعة ككاتب، قدم أو فاشا العديد من الأعمال الإذاعية، والتي وصل عددها لأكثر من 200 عمل درامي، مثل "رحلات السندباد البحري". أما أشهر أعماله في الإذاعة كانت حكايات "ألف ليلة وليلة"، والتي قدمها لأكثر من 26 عامًا، وكتب ما يزيد عن 800 حلقة من ألف ليلة وليلة في الإذاعة.
كان البرنامج يقدم بصوت الفنانة زوزو نبيل، واشتهر بجملته الأولى "بلغني أيها الملك سعيد ذو الرأي الرشيد والنظر السديد" لتبدأ بعدها في رواية قصتها للملك.
أشعار طاهر أبو فاشا
نشر الشاعر طاهر أبو فاشا أول أعماله الشعرية في دمياط حينما كان يدرس في المعهد الديني، وهو ديوان بعنوان "صديق الشباب". وبعدها تنوعت أشعاره بين العامية والفصحى، وتميزت أشعاره ببساطة ودقة التعبير.
ومن أشهر دواوين طاهر أبو فاشا "القيثارة السماوية"، و"الأشواك"، و"الليالي"، و"راهب الليل"، و"دموع لا تجف"، وألف أغاني العشق الإلهي التي غنتها أم كلثوم في فيلم "رابعة العدوية".
وفي قصيدة راهب الليل طاهر أبو فاشا يقول:
عاشق الروح مستهام ضمه الليل والألم
كلما استقبل السهام غالط الدمع وإبتسم
راهب الليل لا ينام والجوى عنه لم ينم
عاشق الروح مستهام ضمه الليل والألم
كلما إستقبل السهام غالط الدمع وإبتسم
أغنية حانة الأقدار لطاهر أبو فاشا
تعد قصيدة حانة الأقدار من أشهر قصائد طاهر أبو فاشا، والتي كانت البداية مقررة أن تغنيها أم كلثوم في البرنامج الإذاعية رابعة العدوية، وقد لحنها رياض السنباطي وكمال الطويل ومحمد الموجي، وسجلته أم كلثوم بالفعل.
إلا أن أم كلثوم بعد تسجيلها لم تقنع بها، ورأت أن صوتها لا يتناسب مع ما غنته، واقترحت أن يتم استبدالها بالفنانة سميحة أيوب، والتي كانت في خطواتها الأولى في عالم التمثيل.
كتب أبو فاشا بعدها 6 أبيات عن حياة رابعة العدوية، وطلبت منه أم كلثوم أن يضيف أبيات من أشعر رابعة العدوية نفسها، وخرجت الصورة الغنائية للأبيات في فيلم "رابعة العدوية" الذي صدر عام 1963، وذلك بعد نجاح العمل إذاعيًا، ومن كلمات قصيدة حانة الأقدار:
حانة الأقدار عربدت فيها لياليها ودار النور والهوى صاح
هذه الأزهار كيف تسقيها وساقيها بها مخمور كيف يا صاح؟
سألت عن الحب أهل الهوى
سقاة الدموع ندامى الجوى
فقالوا حنانك من شجوه
ومن جده بك أو لهوه
ومن كدر الليل أو صفوه
سل الطير إن شئت عن شدوه
ففى شدوه لمسات الهوى
مؤلفات طاهر أبو فاشا
وبجانب مؤلفات طاهر أبو فاشا في الإذاعة والشعر، فقد كتب العديد من الكتب الأدبية، ومنها "هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف"، و"الذين أدركتهم حرفة الأدب"، و"العشق الإلهي"، و"وراء تمثال الحرية" وهو من أدب الرحلات، وكتبه أبو فاشا خلال رحلته إلى أمريكا لزيارة ابنته، كما ألف كتاب "تحقيق مقامات بيرم التونسي"، كما ألف 7 كتب تاريخية وسياسية.
مواقف صادمة في حياته
في عام 1979، فقد الشاعر طاهر أبو فاشا زوجته السيدة نازلي المهدي، وحزن عليها حزنًا شديدًا، وقد عبر عن حزنه في فقدانها في ديوان "دموع لا تجف" الذي صدر عام 1987، وأهداه لزوجته الراحلة.
وبعد فترة قصيرة من وفاة زوجته، فقد أبو فاشا ابنه الأكبر فيصل، والذي كان شاعرًا أيضًا، ورثاه في العديد من القصائد، ومما كتب في رثاء ابنه:
من ذا ألاقي من الأيـــــام يا ولـدي
ولا أراك َ إذا يومـــــــــــــا ً مددتُ يدي!
خوفي عليكَ وخوفي منك َ يملؤني
رعبــا ً من اليوم موصولاً برعْبِ غدي
هذا الذي كنتُ أرجوه ليحمــــلَني
فصرت أحملهُ شيــــخا ً بلا جَـــــــــــلَدِ
وفاة طاهر أبو فاشا
وقع الشاعر طاهر أبو فاشا في حزن شديد على وفاة زوجته ثم ابنه، وتعرض لوعكة صحية، ليتوفى في عام 1989 عن عمر 81 عامًا بعد معاناة مع المرض، وجاءت ابنته عزة من أمريكا لرؤيته ودفنه.