صنع الله إبراهيم.. الروائي اليساري الذي حمل هم الوطن

واحد من أبرز الروائيين في العصر الحديث، صاحب الأسلوب النقدي والواقعي والمواقف السياسية الجريئة، إنه الروائي اليساري صنع الله إبراهيم، الذي ألف العديد من الروايات الناجحة، وعرف بقدرته على المزج بين السرد الأدبي والتوثيق التاريخي، في السطور التالية على مسيرته المهنية وأبرز أعماله.

من هو صنع الله إبراهيم؟

هو روائي وكاتب مصري، ولد في 24 فبراير عام 1937 في القاهرة، وهو واحد من أشهر الروائيين اليساريين في مصر والوطن العربي.

بدأ صنع الله مسيرته الأدبية في الستينات، حيث أصدر أول رواية له "تلك الرائحة" عام 1966، والتي تسببت في جدل واسع بسبب جرأتها في تناول قضايا سياسية واجتماعية حساسة، وقد تم مصادرة هذه الرواية.

وعلى الرغم من المصادرة والاعتقال، واصل صنع الله إبراهيم إنتاج أعمال أدبية تتسم بالنقد الحاد للسياسة في مصر، ومنها "ذات"، و"اللجنة"، والتي قدم فيهما قراءة نقدية للمجتمع المصري.

اشتهر صنع الله بأسلوبه التجريبي في السرد، فقد اعتمد على الوثائق والتقارير الرسمية كمصادر للسرد، وهو ما منح رواياته طابعًا توثيقيًا مميزًا، وألف العديد من الروايات الشهيرة، منها وردة، وبيروت بيروت، والتلصص.

نشأته وتعليمه

ولد الكاتب صنع الله إبراهيم في القاهرة في أسرة مثقفة محبة للقراءة والتعلم. كان لوالده أثر كبير على شخصيته، فهو من زوده بالكتب والقصص في طفولته، وحثه على القراءة والاطلاع في مجالات مختلفة، فبدأ تكوينه الأدبي في سن مبكر.

درس صنع الله الحقوق في جامعة القاهرة، ثم اتجه إلى الساسة والصحافة، وخلال الجامعة، انتهى إلى المنظمة الشيوعية المصرية، واعتقل بسبب ذلك عدة سنوات.

ديانة صنع الله إبراهيم

صنع الله إبراهيم مسلمًا.

سبب تسميته "صنع الله"

روى الروائي صنع الله إبراهيم عن قصة تسميته "صنع الله"، حيث قال بأن والده فتح القرآن الكريم، ووقعت عينه على آية "صنع الله الذي أتقن كل شيء" في سورة النمل، وقرر اختيار اسم "صنع الله" لابنه.

وأوضح صنع الله، أن من حوله كانوا ينادونه "صُنعه"، مثل تسمية عبدالله "عبده". وقد أوضح صنع الله بأنه واجه سخرية شديدة بسبب اسمه، من زملائه والمقربين، وحتى من بعض المعلمين في المدرسة.

بداية مسيرته المهنية

بدأ الكاتب صنع الله مسيرته المهنية كصحفي، فخلال دراسته في الجامعة، انضم إلى المنظمة الشيوعية المصرية "حدوتو"، واعتقل بسبب ميوله الشيوعية اليسارية خلال حكم عبدالناصر، الذي شن حملة قاسية على اليساريين في مصر. اعتقل صنع الله 5 سنوات حتى عام 1964.

بعد خروجه من السجن، عمل صنع الله في الصحافة في وكالة الأنباء المصرية عام 1967، بعدها عمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام 1968، وظل يعمل فيها حتى عام 1971.

سافر صنع الله بعدها إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي للعمل في صناعة الأفلام، وفي عام 1974، عاد إلى القاهرة خلال حكم السادات، وتفرغ للكتابة الحرة كليًا منذ عام 1975.

أفضل روايات صنع الله إبراهيم

ألف الكاتب صنع الله إبراهيم نحو 16 رواية بداية من عام 1967 حتى عام 2020، كما ألف عددًا من القصص القصيرة، وقصص الأطفال كذلك.

أول رواياته صنع الله رواية "إنسان السد العالي" عام 1967، والذي شارك في كتابته كمال القلش ورؤوف مسعد، حيث سافروا إلى أسوان لكتابة ملحمة السد العالي. في عام 1973، أصدر رواية "نجمة أغسطس"، والتي يروي فيها رحلته البديعة إلى أسوان خلال بناء السد العالي، وتحدث عن التفاصيل الدقيقة التي عايشها هناك، ويروى في حكايته قصص العمال والمزارعين والمعتقلات وقرى النوة الغارقة وقصة نقل معبد أبوسمبل، وغيرها من القصص الواقعية.

 ألف كذلك رواية "وردة"، والتي يروي فيها عن نضال المرأة العربية، وثورة جبل ظفار في الستينات ضد السلطنة العمانية، ويحكي الرواية على لسان رشدي، وهو صحفي مصري سافر إلى مسقط أوائل التسعينات بحثًا  عن صديقه العماني رشدي وأخته شهلا، لكنه يجد مذكرات شهلا، التي كان اسمها الحركي "وردة" والتي سجلت فيها نضالها الملحمي في الثورة.

ألف أيضًا رواية "أمريكاني"، ويروي فيها قصة دكتور مصري اسم شكري يعمل في التدريس في الولايات المتحدة، ويدرس لطلاب من خلفيات عرقية ودينية مختلفة، ويسلط الضوء في الرواية حول التاريخ المصري بداية من الفراعنة حتى السادات.

أما رواية "شرف" التي صدرت عام 1997، والتي اقتحم فيها عالم السجون في مصر من خلال قصة بطلها "شرف" الذي دخل السجن دفاعًا عن شرفه. حصلت الرواية على المركز الثالث ضمن قائمة اتحاد الكتاب العرب لأفضل 100 رواية عربية.

أما أشهر روايات صنع الله إبراهيم رواية "ذات"، والتي تحولت إلى مسلسل مصري يحمل الاسم نفسه. تحكي الرواية عن سيدة مصرية تقليدية اسمها ذات، تتزوج من عبدالمجيد، ويحكي عن عملها وإنجابها وأمومتها ودورها كزوجة وأم ومربية، ويسلط الضوء أيضًا على التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها مصر في تلك الفترة.

من رواياته الشهيرة رواية "الجليد"، والتي يروي فيها عن تجربة الدكتور رشدي، طالب الدكتوراه الذي ينتقل إلى روسيا للدراسة، وهي تجربة عايشها بنفسه، ويروي في الرواية المجتمع الروسي عام 1973، كما تحدث عن الأسباب الداخلية وراء انهيار الاتحاد السوفيتي.

ألف صنع الله إبراهيم روايات أخرى ناجحة، منها التلصص، والعمامة والقبعة، وبرلين 69، وبيروت بيروت، وغيرها.

من أقوال صنع الله إبراهيم؟

"يوم مجدِك الحقيقي سنة ٥٦، عندما تَصدَّرَت صورتُك صحفَ العالَم، واهتزَّت أركان الإمبراطورية التي لا يغيب عنها الشمس، يومَ أعلنتَ تأميمَ القناة التي فقدَت مصرُ في حفرها ١٢٠ ألف مصري، وصارت تُدرُّ ٣٥ مليون جنيه، تأخذ مصر منها مليونًا واحدًا. أذهَلتَ العالَم بمُقامرة أفلتَّ منها بأعجوبة" عن رواية 1970.

"قال بعد لحظة إنه يريد أن يكتب شيئًا يُعبِّر به عن الإنسان الجديد الذي وُلد مع السد العالي، وإنه فكَّر أمسِ في سيناريو للسينما؛ مهندس يأتي إلى السد، ويترك فَتاتَه الثَّرِية في القاهرة على مَضض، ويوشك أن يعود إليها بعد أن عجَز عن احتمال الحر والإرهاق والوَحْشة، لكن العمل ما يلبث أن يغيِّره، فيترك الفتاة ويستقر في أسوان السد" عن رواية نجمة أغسطس.

ما هو مرض صنع الله إبراهيم؟

في شهر فبراير 2025، تدهورت الحالة الصحية للكاتب والروائي صنع الله إبراهيم، وقد نقل على إثرها إلى المستشفى، فيما كشفت وزارة الثقافة أنها تتابع حالته الصحية، وتقدم له كل المساعدات الطبية اللازمة.

وقد أوضحت الصحف المصرية أن صنع الله أجرى منظارًا في المعدة بعدما عانى من نزيف في المعدة.

رفض استلام جائزة الرواية العربية

أثار الروائي المصري صنع الله إبراهيم جدلا واسعا حينما رفض استلام جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي عام 2003، حيث صرح أن الحكومة المصرية التي تمنح الجائزة لا تملك مصداقية منحها لعدة أسباب، منها إبقاء السفير الإسرائيلي في مصر، رغم الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

حصل صنع الله على جوائز عربية أخرى مهمة، منها جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2004، وجائزة كفافيس للأدب عام 2017.