ترك الفنان الكويتي صقر الرشود إرثًا فنيًا خالدًا لا يبرح الذاكرة، وتميز فنه بتنوع الموضوعات، وكان دائمًا ثائرًا على التقاليد البالية، وباحثًا عن كل ما هو جديد في الطرح، وتميزت تجربته الفنية بالغزارة، تعرف على مسيرته الفنية في السطور التالية.
حياة صقر الرشود ونشأته
صقر سلمان الرشود هو ممثل ومخرج ومؤلف كويتي ولد في 11 يونيو عام 1941 في منطقة شرق في الكويت، وقد قضى طفولته متنقلًا بين عدد من الدول.
عاش صقر في البحرين والهند وباكستان والسعودية، وساهم تنوع الثقافات التي عاشها منذ صغره على إثراء تجربته الحياتية التي ظهرت جلية في تجربته الفنية كذلك.
كان والده يعمل في تجارة اللؤلؤ، وعاش طفولته في الهند، وخلال هذه الفترة أتقن لغة الأوردو، واطلع على ثقافات بلاد الهند المتنوعة، كما تعلم كذلك اللغة الإنجليزية.
انتقل صقر بعد ذلك إلى العيش في المدينة المنورة عام 1950 واستقر فيها مع عائلته هناك. وفي عام 1956 طلب من والده العودة إلى الكويت، ولكن رفض والده، فعاد لوحده إلى الكويت.
التحق صقر بكلية الصناعة في الكويت، ولكنه تركها، وفي عام 1969 حصل على الشهادة المتوسطة بعد عودته إلى الدراسة، ثم حصل على الشهادة الثانوية من البحرين عام 1969.
التحق بعد ذلك بجامعة الكويت قسم العلوم السياسية وحصل على الشهادة في 1974 بتقدير جيد جدًا.
كان صقر شغوفًا بالفنون منذ صغره، وقدم أولى تجاربه الفنية من خلال المسرح عام 1960 حينما كان يبلغ من العمر 19 عامًا، واتسمت تجربته الفنية بالشمولية، حيث مارس التمثيل والكتابة والإخراج، كما كانت له تجربة في التقديم التلفزيونية.
كان صقر متزوجاً وله 5 أبناء، وهم نضال، وفراس، وفاطمة، وخولة، وسلمان، وقد توفي ابنه الأولى نضال عام 1969، ثم كانت المأساة بعد وفاة ابنه الثاني فراس عام 1975 أثناء استعدادات المسرح الأهلي لعرض مسرحية "على جناح التبريزي وتابعه قفة".
قدم صقر المسرحية في مهرجان دمشق، وكان قد سافر في نفس يوم وفاة ابنه وقدم مسرحيته مع رفقاه دون علم منهم بما حدث إلا بعد انتهاء العرض.
وفاته
في فجر يوم 25 ديسمبر عام 1978 توفي صقر الرشود بدولة الإمارات إثر حادث سير وهو يمارس عمله كمستشار مسرحي في وزارة الإعلام والثقافة عن عمر 37 عامًا.
وأطلق اسمه على المسرح الذي أسس في إمارة رأس الخيمة، وعلى المسرح الشعبي في دبي تخليدًا لذكراه.
بعد وفاته كرمه المعهد العالي للفنون المسرحية من خلال عرض "الصقر" الذي يتناول مشواره الفني، كما شهد التكريم معرضًا خاصًا لمقتنيات الراحل مثل شهادة الجنسية الكويتية، ودفتر الشيكات، وبطاقة عضويته في فرقة المسرح الشعبي وغيرها.
تضمن المعرض أيضًا بعض الصور النادرة التي تجمع بالفنانين أمثال فايزة أحمد، وعبد الله غيث، ولقطات أخرى منتقاة من أعماله المسرحية.
احتفى مهرجان القرين الـ4 الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالراحل، عن طريق تنظيم محاضرة بعنوان منارات ثقافية، وتحدثت المحاضرون عن مرحلة التأليف في مشواره الفني، وعن بصمته الإخراجية كذلك.
حياته الفنية
بدأ صقر الرشود تجربته الفنية عندما كان يبلغ من العمر 17 عامًا، حيث كان يقدم مسرحيات ارتجالية في فرقة المسرح الشعبي، وجاءت خطوته الأولى بشكل احترافي عام 1960 حينما كان يبلغ من العمر 19 عامًا.
جاءت خطواته الأولى في المسرح بكتابة مسرحية "تقاليد" للمسرح الشعبي، وهي أول أعماله المكتوبة، وكانت هذه المسرحية نهاية تجاربه الارتجالية في المسرح، وقد تولى كذلك إخراج المسرحية وأسند دور البطولة إلى الفنان الراحل محمد النشمي.
في عام 1963 شارك الرشود في تأسيس فرقة مسرح الخليج العربي مع عدة فنانين منهم منصور المنصور، وسالم الفقعان، وعبد العزيز الفهد، وحياة الفهد وغيرهم، وكرس جهده للفرقة كمؤلف ومخرج ومعد لغالبية أعمالها.
ومن المسرحيات التي شارك فيها كممثل "بسافر وبس"، و"الخطأ والفضيحة"، و"الأسرة الضائعة"، و"أنا والأيام"، و"الجوع"، و"صفقة مع الشيطان"، كما ألف وأخرج مسرحية "المخلب الكبير"، والطين"، و"عنده شهادة".
شارك صقر في مسرحية "الحاجز" وهي مسرحية من إخراجه عرضت في الكويت وبغداد والقاهرة، وهي أول مسرحية لفرقة مسرح الخليج العربي تعرض خارج الكويت.
بعد هذه المسرحية ابتعد عن الفرقة بسبب اختلاف وجهات النظر مع أعضائها، ولكنه عاد إليها مرة أخرى عام 1968 وشارك في الكتابة والإخراج والتمثيل في مسرحيات "المرأة لعبة البيت"، و"لمن القرار الأخير"، و"الغربان"، و"الجرة"، و"ضاع الديك"، و"الدرجة الرابعة"، وغيرها.
أما مسرحية "على جناح التبريزي وتابعه قفة" كانت نقلة نوعية في مشوار صقر الفني، حيث حصدت جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان دمشق المسرحي، وعرضت في القاهرة وتونس، والمغرب، ودمشق، والكويت أيضًا.
قدم صقر كذلك مسلسلا تلفزيونيًا بعنوان "أشحفان القطو" ويعد من الأشهر المسلسلات الإمرااتية، ويكون بهذا الشكل حقق نجاحًا مسرحيًا وتلفزيونيًا، وقدم مسرحيات أخرى منها "الواوي"، و"تحت المرزام"، و"مجنون سوسو".
قد مسرحية "متاعب صيف"، وفي عام 1977 قدم مسرحية "حفلة على الخازوق" عرضها في مسرح سيد درويش في الهرم في مصر ضمن نشاطات الأسبوع الثقافي الكويتي، كما عرضت في مهرجان دمشق للفنون المسرحية.
أخرج كذلك مسرحية عريس لبنت السلطان" وهي من تأليف محفوظ عبد الرحمن، وعرضت في أبوظبي والشارقة والجزائر وليبيا.
تقول عنه الفنانة سعاد عبد الله أنه فنان استثنائي قل نظيره، فهو صقر الأب والمعلم، حيث ساعدها في بدايته الفنية، ودفعها للقراءة وقدم لها أول كتاب تقرأه وهو "مرتفعات وذرينغ".
نجاح خارج الكويت
لم يقتصر نجاح صقر الرشود على الساحة الفنية الكويتية فقط، ولكنه امتد إلى الساحة العربية كذلك، فقد نال تقدير المسرحيين العرب.
انتدب صقر للعمل في الإمارات وأخرج فيها مجموعة من المسرحيات منها "شمس النهار" عام 1977، وهي المسرحية الأولى التي تبث على الهواء مباشرة على شاشة تلفزيون أبوظبي.
وفي عام 1978 أخرج مسرحية "السندباد" التي قدمتها فرقة مسرح الإمارات القومي، ومن ثم مسرحية "الأول تحول"، كما أشرف على تنفيذ المسلسل الإماراتي "إشحفان القطو"، وكان لديه مشاريع أخرى في الإمارات ولكنه توفي قبل إنجازها.
على الرغم من بقائه في الإمارات لمدة 10 أشهر فقط ولكن كانت له بصمة واضحة على المسرح هناك.
