يعد الفنان صالح الكويتي من أبرز نجوم الموسيقى والغناء في العراق والوطن العربي، ويطلق عليه لقب "أبو الموسيقى العراقية" فهو أول من أسس الأغنية العراقية بشكل الحديث والمأخوذة من المقام العراقي ولحّن طوال حياته أغنيات لأشهر المطربين والمطربات في تلك الحقبة منهم سليمة مراد وزكية جورج وعفيفة إسكندر وغيرهم.
لم يعمل صالح بمفرده، بل كان برفقة شقيق داود الكويتي، وقد بدأ شغفهما في الموسيقى منذ الصغر وتمكنا من تحقيق نجاحًا كبيرًا في مجال الفن حينها، تعرف أكثر على سيرة صالح وشقيقه داود وكيف تمكنا من تطوير الأغنية العراقية.
من هو صالح الكويتي؟
اسمه الحقيقي صالح عزار بن يعقوب أرزوني هو موسيقار وملحن عراقي يهودي ولد في الكويت في منطقة شرق في مدينة الكويت في عام 1908 ويعد من أشهر الملحنين ونجوم الموسيقى في العصر الحديث.
ساهم الكويتي في بناء نهضة العراق في مجال الفن والموسيقى، فقد كان هو من ابتكر الأغنية العراقية الحديثة، وأول من أسس فرقة موسيقية في الإذاعة العراقية في الثلاثينات، ولحن خلال حياته أكثر من 750 أغنية تغنى بها كبار نجوم الغناء آنذاك.
شكل الكويتي ثنائية فنية مع شقيقه الأصغر داوود الكويتي، الذي ولد ف يعام 1910، وتمكن هذا الثنائي من تقديم أعمال المقام والتراث العراقي ليتغنى بها كبار النجوم منهم الفنانة سليمة مراد، التي تعد أول سيدة تحصل على لقب باشا.
خلال مسيرته الفنية قدم الكويتي ألانها إلى الأناشيد المدرسية والحفلات ويتبرع بدخله لها، كما أنه تعرف على أم كلثوم وعبد الوهاب، وهو من علمها المقام اللامي العراقي وغنى عبد الوهاب بهذا المقام أغنية "يلي زرعتوا البرتقال" بعد عودته إلى مصر.
عائلة صالح الكويتي
ولد والد صالح الكويتي، واسمه عزرا يعقوب أرزوني" في مدينة شيراز في إيران عام 1867 لعائلة من أصل عراقي انتقلت إلى إيران قادمة من البصرة، وقد عادت عائلة الوالد إلى العراق بعد ولادته بشهرين واستقرت في مدينة البصرة.
عمل والدها في مجال التجارة في البصرة سنوات، وفي بدايات القرن العشرين قرر الانتقال مع زوجته تفاحة إلى الكويت وهناك استقر في شارع الغربلي، والذي كان يُعرف بأنه حي اليهود، وفي الكويت ازدهرت حياته ومعيشته.
رزق عزرا بابنه البكر صالح في عام 1908 ثم ابنه الثاني داود عام 1910، وقدر زرق من زوجته تفاحة 9 أبناء وعاشوا في سلام في الكويت مع جيرانهم المسلمين وتمتعوا بعلاقات حسنة معهم، كما كانت العائلات اليهودية في الكويت، والتي كان عددها 40 عائلة لديها كنيسها الخاص ورجال الدين وشؤونها الدينية كذلك.
قصة صالح الكويتي
ولد صالح الكويتي في الكويت وتعلم القراءة والكتابة في الكُتاب، وتعلم ترتي الصلوات والأناشيد الدينية فيها، ومن خلال هذه الأناشيد تعرف على الألحان الموسيقية وبدأ شغفه فيها مع شقيقه الأصغر داوود.
حصل صالح على أول آلة كمان له بفضل خاله رحمين، الذي كان يعمل في مجال التجارة في الهند فجلب الكمان من هناك ومنحه لصالح لدى عودته من الهند، كما حصل شقيقه داود على آلة العود فبدأ الشقيقان تعلم الموسيقى وتطوير هوايتهما الموسيقية.
تلقى صالح وشقيقه داوود دعمًا كبيرًا من أسرتهما، وخاصة من والدهما الذي طلب من الموسيقار الكويتي خالد البكر تعليمها العزف والغناء، وتعلما على يده أصول الموسيقى الكويتية والبحرينية والمصرية والعراقية والحجازية كذلك.
حصل صالح وشقيقه الكويتي على لقب "الكويتي" لأن والدهم كان يعمل في الكويت وبسبب نشأتهم هناك.
سيرة صالح الكويتي الفنية
قدم صالح الكويتي أول أغنية له بعنوان "والله عجبني جمالك" وقصيدة "يعاهدني لا خانني ثم نكث" للشاعر البهاء زهير، وقد قدما كذلك على الأسطوانات عددًا من الأغنيات لسيد درويش وسلامة حجازي ومنيرة المهدية وأم كلثوم وعبد الوهاب.
كان الكويتي ماهرًا على العزف على الكمان، وشقيقه مبدع في العزف على العود، وقد كانت بدايته الفنية من خلال عزف وغناء الأغنيات المشهورة في الخليج، وقد تعاون مع شركات غربية للتسجيل منها شركة بيضافون.
سجل صالح كذلك التواشيح المصرية وتعلم العزف والغناء العراقي والمصري من خلال الاستماع إلى الأسطوانات، وقد سافرا إلى البصرة لتسجيل أسطوانات لدى المطرب المعروف عبد اللطيفي الكويتي وهناك حصل على إشادة كبير من المطربين العراقيين.
استغل الكويتي وجوده في البصرة بالتعلم أكثر عن المقام العراقي، ليقرر صالح وشقيقه داوود في النهاية الانتقال إلى بغداد عام 1929 وعملا في ملهى الهلال، وقدما حفلات غنائية مع مطرب المقام الشهير محمد القبانجي.
كان صالح يقدم الأغنيات العراقية وهو يرتدي السدارة الفيصلية، التي كانت رمزًا للعراق حينها، وقد استمر في لبسها حتى وفاته. شكل الكويتي مع شقيقه داود فرقة موسيقية وقدما عدة أغنيات شهيرة، كما قررا تطوير موهبتهما بدراسة النوتة في معهد الفنون الجميلة في بغداد.
تعلما كذلك النوتة لدى الموسيقار حنا بطرس، وبعدها أسسا معهدًا لتعليم العزف على الآلات الموسيقية وأصول الموسيقية، وكانا يقدمان دروسًا للنوتة الكويتية للطلبة في العراق.
علم أمير الكويت برغبة العائلة مغادرة الكويت متجهة إلى العراق، لذا عرض عليهم الحصول على الجواز الكويتي، الذي لم يكن يحصل عليه اليهوديون، من أجل البقاء في الكويت، إلا أنهم قرروا المغادرة، وقد استمر الشعب الكويتي بالإعجاب بهذه العائلة رغم مغادرتهم.
علاقته بالفنانة زكية جورج
نشأت قصة حب بين صالح الكويتي والفنانة العراقية زكية جورج الذي تعاون معها وقدم لها ألحانه وقد أعجب بها من أول لحن قدمه لها وعبر عن حبه لها في أغنية "يا بليل غني لجيرانك".
لم تستمر علاقة الحب لفترة طويلة، حيث سافرت إلى البصر ومكثت هناك، فطلب صالح من صديقه عز الدين ولائي أن يكتب كلمات أغنية تعبر عن العتاب والشوق والمحبة فكتب كلمات أغنية "هذا مو إنصاف منك" وأدتها سليمة مراد بعد رفض زكية جورج تقديمها. وقد اعتزلت زكية جورج الغناء وسافرت إلى مسقط رأسها في حلب وعملت في الخياطة حتى ماتت.
ألحان صالح الكويتي
أول لحن قدمه الفنان صالح الكويتي كان لحن أغنية "كلبك صخر جلمود" من كلمات الشاعر الغنائي عبد الكريم العلاف وقد غنت هذه الأغنية الفنانة العراقية سليمة مراد التي لحن لها فيما بعد عدة أغنيات أخرى، ومنها "آه يا سليمة"، و"خدري الجاي خدري"، و"ما حن علي"، و"منك يلسمر" وغيرها. وقد لاقت هذه الأغنيات نجاحًا كبيرًا.
اهتم الكويتي بالتلحين أشد عناية، ومن أغنياته الناجحة جدًا أغنية "الهجر مو عادة غريبة" والتي لها قصة مثيرة، فهذه الأغنية كانت عتابًا من صالح لحبيبته المغنية زكية جورج التي رحلت إلى البصرة للعمل ولكن طال غيابها ليكتشف أنها ارتبطت بعلاقة غرامية مع رجل آخر وهجرته، فكتب ولحن هذه الأغنية.
عُرف الفنان صالح بإبداعه الفني في التلحين، فقد ألف لكل مقام سماعي نوع آخر من سماعي المخالف والمقام اللامي والمنصوري. اتبع صالح وشقيقه داوود طريقة جديدة في التلحين وهي التلحين الغربية، فأدخل آلات موسيقية غربية إلى الموسيقى العراقية منها الكمان والتشيلو والأوكورديون.
ألغى صالح وداوود الكويتي القواعد القديمة في الموسيقى والتلحين، وغيّر نمط العزف على المقام، فبدلًا من أن كانت خمسة فصول جعلها سبع فصول، وجعل لكل دولة عربية نمط خاص بها، كما دمج المقام العراقي بأنماط من المقام المصري واللبناني كذلك.
استمع صالح إلى الموسيقى الغربية وأخذ منها ولكنه لم يدمجها بشكل كبير في موسيقاه، فاستخدم بعض العناصر الغربية وجعلها مستساغة للأذن العربية.
مقابلاته مع النجوم العرب
قابل صالح الكويتي عدد من نجوم العرب الذين كانوا يزورون العراق لتقديم حفلات هناك، ومن ضمن هؤلاء النجوم الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي زار الكويت عام 1931 لإحياء حفلات غنائية على مسرح حديقة المعارض العراقية. وفي العراق تعرف عبد الوهاب على المقام اللامي الذي كان معروفًا في العراق آنذاك.
تعلم عبد الوهاب من صالح المقام اللامي وقدم أغنية "يا اللي زرعتوا البرتقال" على هذا المقام وغنتها الفنانة ليلى مراد، وتعلم صالح من عبد الوهاب مقام مصري اسمه زنجران الذي دمجه في المقام العراقي وأصبح جزءًا منه الآن.
قابل الكويتي الفنانة أم كلثوم خلال زيارتها لتقديم حفلات غنائية هناك، وقد أعجبت بشكل كبير بأغنية "قلبك صخر جلمود" من ألحان الكويتي وغنتها سليمة مراد، وقد تعلمتها أم كلثوم وأدتها في ملهى الهلال عام 1932.
علاقته مع الملك غازي
كانت أعمال وألحان صالح محل تقدير كبير من الشعب، حتى إنه طلب منه تأليف موسيقى لتتويج أول ملك للعراق الملك فيصل الأول، كما طلب منه تأليف موسيقى تشييع جنازته وتتويج ابنه الملك غازي.
كان الملك غازي محبًا لموسيقى الأخوين الكويتي بشكل كبير، وقد قدم لهما الكثير من الدعوات في القصر الملكي "قصر الزهور" من أجل تناول الغداء. وعندما أسس الملك غازي الإذاعة العراقية في بغداد دعا الأخوين للعزف والبث مباشرة من قصره.
أهدى الملك غازي ساعة إلى صالح ساعة ذهبية، وقد ذكر صالح إنه ظل محتفظًا بها في منزله، وأوضح أن الساعة عليها شعار الملك منقوش على ظهرها ومكتوب عليها "ملك يهدي ساعة إلى يهودي ملك مسلم".
وبسبب صداقة الأخوين الكويتي مع الملك والعائلة الملكية كان منزلهما مقصدًا للمحتاجين والفقراء، وقد ذكر صالح إنه في أحد الأيام جاءت له عائلة طلبت منه المساعدة في إطلاق سراح أحد أحبائهم من السجن الذي كان قد حكم عليه بالإعدام، وقد اتصل صالح بالملك غازي وطلب منه هذا الأمر، وبالفعل تم إطلاق صلاح الرجل في اليوم التالي.
أغاني صالح الكويتي
طوال مسيرته الفنية ألف الفنان صالح الكويتي أكثر من 750 أغنية عراقية، وقد تم تحويل بعض هذه الأغاني ضمن الموروث الشعبي القديم، وذلك لأن السلطات العراقية لم تكن ترغب في ذكر اسمه صالح، وقد تم تشكيل لجنة برئاسة الملحن منير بشير" لإعادة تقديم ألحان الكويتي باسم آخر.
تعاون الكويتي مع عدد كبير من المطربات منهم سليمة مراد وسلطانة يوسف وكانت الفنانة سليمة لها حصة الأسد من ألحان صالح وداود.
هجرته من بغداد
كغيره من اليهود في هذا الوقت كان الفنان صالح وشقيقه داوود الكويتي من ضحايا عمليات الفرهود التي تمت في العراق بهدف تهجير يهود العراق إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد تحدث صالح عن ذكرياته الحزينة في هذا الوقت، حيث كان في مطار بغداد مع عشرات اليهود وقد تم تفتيشهم وتفتيش حقائبهم للحصول على أي أموال لديهم، وقد تم مصادرة كل الآلات الموسيقية التي كان يملكها صالح في المطار.
تم استقبال صالح وداوود الكوتي في مطار بن غوريون، وخلال استقبالهم تم رشهم بمبيد خوفًا من القمل، وسكنوا في مخيمات لا تقيهم من الحر أو البرد والأمطار. عمل صالح في المزارع أو في البناء، وتمكن بعدها من السكن بقرب المدينة وعمل في دكان لبيع المواد الغذائية.
في البداية لم يتمكن صالح وداوود من العزف على الموسيقى لأن السلطات لم تكن تحب الموسيقى العراقية واعتبروها موسيقى الأعداء، لذا اضطرا للعزف في حفلات الزواج وأعياد الميلاد.
تمكنا فيما بعد العزف في حفلات الإذاعة الإسرائيلية، حيث كان مديرها عراقيًا آنذاك، وشكلا فرقة موسيقية من يهود العراق ضمت كلًا من يوسف زعرور وابنه وابن عمه، حوكي بتو ويهودا شماس وسليم شبث وفلفل كرجي وألبير إلياس، وحصلا على آلات موسيقية من تركيا وإيران وعدة بلدان عربية. قدم الكويتي طوال حياته 600 لحن في الكويت والعراق، و200 لحن في إسرائيل.
وفاة صالح الكويتي
في عام 1976 توفي الفنان داود الكويتي الشقيق الأصغر لصالح وقد أثرت وفاة شقيقه على نفسيته بشكل كبير خاصة أنهما لم يتفرقا منذ الطفولة وعانى من المرض في سنواته الأخيرة. توفي صالح الكويتي بعد 10 سنوات من وفاة شقيقه داوود في عام 1986 عن عمر 78 عامًا.
بعد وفاته صدر كتاب يحكي قصة حياته بعنوان "صالح الكويتي.. نغم الزمن الجميل" من تأليف ابنه سليمان وقد صدر الكتاب عن دار الكويتي وثق فيه حياة والده الفنية بداية من الكويت وانتقالًا إلى بغداد ومن ثم إلى إسرائيل.
جمع ابنه في الكتاب كلمات أكثر من 100 أغنية من ألحان صالح مع نوتاتها الموسيقية وأغلب هذه الأغنيات من كلمات عبد الكريم العلاف والشاعر سيف الدين ولائي.