صالح الشيبي.. كبير سدنة الكعبة وحامل مفتاحها

حمل الشيخ صالح الشيبي شرف سدانة الكعبة المشرفة لعدة سنوات، وهي المهنة الأشهر والأقدم في الحرم المكي الشريف، وقد حمل مفتاح الكعبة المشرفة لسنوات، نوهو السادن السابع والسبعين، ونال هذا الشرف بعد عمه عاصم الشيبي، تعرف أكثر على مسيرته وذكرياته مع هذه المهنة المشرفة، وما هي مهامه كسادن للكعبة؟

من هو الشيخ صالح الشيبي؟

الشيخ صالح بن زين العابدين الشيبي هو السادن رقم 77 للكعبة المشرفة، ولد في عام 1945 في مكة المكرمة في الأسرة الشيبية، التي تحمل شرف سدانة الكعبة منذ أجيال، وهو حفيد شيبة بن عثمان بن أبي طلحة.

تقتصر هذه المهنة المشرفة على عائلة الشيبي منذ فتح مكة المكرمة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن تكون السدانة للصحابي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، ونسله من بعده.

الشيخ صالح حامل مفتاح الكعبة المشرفة، ومن مهامه غسل الكعبة، حيث غسل الكعبة أكثر من 100 مرة طوال حياته، وقد تم تعيينه كسادن للكعبة بعد وفاة عمه الرحل عبد القادر الشيبي.

نشأته وتعليمه

ولد الشيخ صالح الشيبي في مكة المكرمة، وقد عاش طفولته وشبابه في الحرم، حيث كان محبًا للصلاة في الحرم، ومحبًا للعلماء، وعاش حياة بسيطة بجوار بيت الله الحرام، لذا كانت طفولته بين الصلاة والعلم واللعب، كما كان يخالط العلماء، ويحضر دروسهم في المسجد الحرام.

كان الشيبي طالبًا متفوقًا، فقد كان من الأوائل في الابتدائية، وقد درس سنتين في الابتدائية في مصر، وسنتين في المدينة المنورة، وسنتين في مكة المكرمة، أما المرحلة المتوسطة، فقد درسها في مدرسة الرحمانية المتوسطة في مكة.

درس الشيبي الثانوية في مدرسة العزيزية في مكة، ثم التحق بكلية الشريعة في مكة، وحصل على درجة البكالوريوس بتقدير ممتاز، ثم أكمل دراسته العليا، وحصل على درجة الماجستير بامتياز من جامعة الملك عبد العزيز في مكة، والتي سُميت فيما بعد بجامعة أم القرى، ودرس فيها الدكتوراه بتقدير امتياز.

خلال دراسته العليا تم تكريم الشيبي في حفل المتفوقين، وحصل على درع في عهد الأمير ماجد بن عبد العزيز رحمه الله.

حياته الأسرية

الشيخ صالح الشيبي حامل مفتاح الكعبة المشرفة متزوج ولديه ولدان وهما عبد الرحمن ومحمد، وقد قال عنهم بأنهم من الأبناء البررة الصالحين الحريصين على الصالحين للصلاة في الحرم.

وقد وكل الشيخ الشيبي ابنه  عبد الرحمن لمساعدته في سدانة الكعبة، وطلب من الملك سلمان أن يكون الأمر رسميًا.

صالح الشيبي حفيد عثمان بن طلحة

تسلمت آل الشيبي شرف سدانة الكعبة، وتعود سدانة الكعبة إلى زمن بنائها، حيث تولى إسماعيل -عليه السلام- ومن بعده ذريته هذا الشرف العظيم. أما النسب الحالي لسدنة الكعبة، فيرجع إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، الذي أسلم في عام الفتح وفقًا لأصح الروايات.

يعتبر استمرار وجود آل الشيبي في هذا الدور من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أخبرهم قائلاً: "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم".

أما عن عدد أفراد أسرة الشيبي، فيبلغ 370 فردًا تقريبًا، ومعظم أفراد العائلة يعيشون في مكة المكرمة، وعدد قليل منهم يعيش في المدينة المنورة.

رحلته العملية والمهنية

بعد التخرج من الجامعة، عمل معيدًا وبعدها محاضرًا في جامعة أم القرى، وسرعان ما أصبح أستاذَا مساعدًا، وبعد حصوله على درجة الدكتوراه تم تعيينه رئيسًا لقسم العقيدة لمدة 7 سنوات ونصف، وعمل في هذه الفترة مع عائلته في سدانة الكعبة المشرفة، كما أن عمه عاصم الشيبي أنابه لهذه المهمة لفترة من الزمن، وسرعان ما أصبح كبيرًا للسدنة.

تم تعيين الشيخ صالح بن زين العابدين الشيبي عضوًا في مجلس الشورى الذي تم إنشاؤه في عهد الملك فهد في الرياض، واستمر فيه لمدة 4 سنوات، ولأنه كان بعيدًا عن مكة المكرمة فضل البقاء لفترة واحدة ثم العودة إلى مكة، وترك مجلس الشورى.

توليه مهمة سدانة الكعبة

بعد عودة صالح زين العابدين الشيبي إلى مكة عمل وكيلًا لكبير سدنة الكعبة لمدة 16 عامًا، وفي عام 1436 هـ تم تعيينه كبيرًا لسندة الكعبة بعد وفاة عمه عبد القادر الشيبي، وأصبح ابنه عبد الركن وكيلًا له.

تنقل سدانة الكعب إلى أكبر السدنة سنًا، وقد تولى مهمة غسل الكعبة بيديه أكثر من 100 مرة، كما أنه حامل مفتاح الكعبة، والذي يصل طوله إلى 35 سم، ومصنوع من الحديد، كما يكون سادن الكعبة مسؤولًا عن كل ما يتعلق بشؤون الكعبة.

يشرف السادن على إدخال ماء زمزم وخلطه بدهن الورد والعود وغسل أرضية الكعبة المشرفة وجدرانها من الداخل على ارتفاع مترين، كما يتم إخراج الماء للخارج، وتنظيف الكعبة وتطييبها من الداخل، حتى تظل الكعبة محتفظة برائحة الطيب حتى موعد غسلها الثاني.

تولى الشيخ صالح الشيخ مهمة سدانة الكعبة المشرفة لما يقرب من 40 عامًا، فقد تولى الأمر في البداية نيابة عن عمه عاصم الشيبي، الذي كان كبير السدنة في عهد الراحل الملك فهد، وبعد وفاة عمه انتقل مهمة السدانة رسميًا إليه في عام 2015.

انتقل مفتاح الكعبة المشرفة ليه مباشرة، ولا يشترط أن يكون السادن الحالي هو ابن السادن السابق، وإنما السن هو من يحدد السادن، والسدانة مخصصة للذكور من عائلة الشيبي فقط.

دكتور صالح الشيبي يتحدث عن الكعبة

سبق وتحدث الشيخ صالح الشيبي، رحمه الله، عن الكعبة في العديد من الحوارات واللقاءات الصحفية والتلفزيونية، وقد تحدث سابقًا عن مشاعره أثناء الغسل داخل الكعبة، وتحدث الشيبي عن مكونات بيت الله الحرام من الداخل.

داخل الكعبة المشرفة، توجد غرفة كبيرة تتسم بالفخامة والتاريخ. تحتوي الغرفة على ثلاثة أعمدة ودولاب بين الأعمدة، حيث تُعرض المعلقات والهدايا التي أهدتها السلاطين والملوك للكعبة.

جدران الغرفة مغطاة بالرخام بارتفاع ثلاثة أمتار، وتزينها ستارة داخلية من الحرير الأخضر، منقوش عليها عبارات "لا إله إلا الله محمد رسول الله" و"الله جل جلاله".

من بعد الستارة، وحتى السطح، الكعبة مكسوة بلون الستارة الأخضر، وهو اللون الذي اختاره الملك خالد -رحمه الله- بدلاً من اللون الأحمر السابق.

يحتوي داخل الكعبة على باب يؤدي إلى السطح، كان مصنوعاً من الخشب، ولكن في عام 1399 هـ، خلال عهد الملك خالد، استبدل بالذهب، كما هو الحال مع الباب الخارجي، وقد بلغت كمية الذهب المستخدمة في صنع باب الكعبة الخارجي نحو 278 كيلوغراماً، مما يضفي عليها مزيداً من الجلال والفخامة.

أما عن مفتاح الكعبة، فيحفظ في كيس خاص، صُنع يدوياً في مصنع كسوة الكعبة من نفس القماش الذي تصنع منه الكسوة، ويتم حفظ هذا الكيس في مكان آمن في بيت كبير السدنة، وعند وفاته ينتقل الكيس ومفتاحه إلى كبير السدنة الجديد الذي تتوافق عليه العائلة.

ويبلغ طول مفتاح الكعبة العادي المصنوع من الحديد 35 سم، وقد تم تغييره عدة مرات عبر العصور الإسلامية المختلفة، وكان آخر تغيير له في عهد الملك عبد الله رحمه الله.

ويفتح آل الشيبي باب الكعبة المشرفة مرتين في السنة لغسلها من الداخل، فيما يشرف السادن على عملية غسل الكعبة باستخدام ماء زمزم الطاهر المخلوط بأفضل أنواع دهن الورد والعود.

بالإضافة إلى ذلك تُغسل أرضية الكعبة المشرفة المكسوة بالرخام، وكذلك جدرانها الأربعة من الداخل حتى ارتفاع مترين، وبعد الانتهاء من الغسل، يُخرج الماء، وتُنشف الكعبة، ثم تُطيب من الداخل، وتظل الكعبة محتفظة برائحة الطيب حتى موعد غسلها التالي.

وتبلغ تكلفة إنتاج الكسوة بين 20 إلى 5 ملايين ريال سنويًا، فيما يصل تكلفة سعر الكيلو من العود إلى 40 ألف ريال سعودي.

لقاؤه مع الملك سلمان

قابل الشيخ صالح الشيبي رحمه الله، الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، في موسم الحج عام 2015، حيث تسلم منه كسوة الكعبة المشرفة التي تم استبدالها خلال وقوف الحجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات.

وقد أثنى الملك سلمان على الدور الذي يقوم به آل الشيبي وسدنة بيت الله الحرام، كما أن لديه إلماماً بتاريخ آل الشيبي، وقد تكرم الملك سلمان بزيادة المخصصات التي كانت تصرف لعائلة الشيبي، وضاعفها من مليون إلى مليونين.

وفاة صالح الشيبي

توفي الشيخ صالح الشيبي حامل مفتاح الكعبة يوم الجمعة الموافق 21 يونيو 2024 م، وتمت الصلاة عليه فجر يوم السبت في المسجد الحرام.

وبعد وفاته نعته الهيئة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ صالح الشيبي، وقالت الهيئة: "بقلوب راضية بقضاء الله وقدره تتقدم الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وجميع منسوبيها بالتعزية والمواساة إلى أسرة الفقيد الشيخ الدكتور صالح بن زين العابدين الشيبي كبير سدنة بيت الله الحرام".