سعد الفريح.. ابن الفلاح فارس الإخراج في التلفزيون السعودي

ساهم المخرج والمنتج السعودي سعد الفريح في إدخال المخرجين السعوديين في مجال العمل التلفزيوني في زمن كانت الإنتاجات الفنية تصنع بأيادٍ غير سعودية فساهم في إخراج وإنتاج العديد من الأعمال الفنية في التلفزيون السعودي واستحق لقب فارس الإخراج والإنتاج.

من هو سعد الفريح؟

سعد فريح محمد عفنان التميمي هو مخرج ومنتج سعودي يعد ولد في 25 نوفمبر عام 1940 في بلدة السبعان جنوب مدينة حائل شمال المملكة العربية السعودية.

يعد الفريح واحد من أبرز أبناء المملكة الذين شقوا طريقهم بأنفسهم وتمكن من تحقيق أهدافه بعصامية فقد نجح بأن يصبح من أبرز المخرجين في التلفزيون السعودي وفتح الباب لأبناء بلده من دخول مجال الإخراج والإنتاج في السعودية.

تمكن الفريح من تدريب مجموعة من الكوادر المحلية للعمل في التلفزيون مستغلًا ما تعلمه ودرسه في الغرب فاستحق لقب فارس الإخراج وكان أجدر بأن يوصف بأنه رائد الدراما السعودية وأول المهرجين السعوديين.

نشأ الفريح في بيئة متواضعة لأسرة تعمل في الفلاحة إلا أن عمله في شركة أرامكو وإكمال دراسته في مدرستها هيأ له الفرصة لدخول عالم الإخراج والإنتاج.

نشأته وتعليمه

ولد المخرج السعودي سعد الفريح في 25 نوفمبر عام 1940 في قرية السبعان في حائل في عائلة متواضعة، والده كان فلاحًا يعمل في زراعة النخيل وقد نشأ وترعرع في قريته يدرس ويعمل مع والده في أمور الفلاحة والري.

حصل الفريح على الشهادة المتوسطة من مدارس حائل وكانت هذه الشهادة حينها ذات شهرة واسعة، لذا بعد إتمامه شهادة الإعدادية قرر دخول سوق العمل ووقع الاختيار على شركة "أرامكو" التي كانت قد فتحت أبوابها لتوظيف السعوديين في مناطق الشرقية برواتب مجزية.

زوجة سعد الفريح وأبنائه

تزوج المخرج سعد الفريح عام 1978 من سيدة غير معروفة وأنجب منها عدة أبناء ومنهم وضاح وفهد وعبد العزيز وسلافة وسما وشعاع وسفانة.

ابنه عبد العزيز سعد الفريح عمل في نفس مجال والده، حيث كان يرافق والده منذ أن كان عمره 4 سنوات إلى العمل فأحب السينما ومجال التلفزيون.

عمل ابنه عبد العزيز كمحلل أفلام في قنوات روتانا ومراقب جودة في التلفزيون السعودية كما أنه كان معدًا ومقدمًا لعدد من البرامج منها "بلا تحفظ"، و"متابعات"، و"المرسى".

العمل في أرامكو

كانت الشهادة الإعدادية التي حصل عليها سعد الفريح تؤهله للعمل في أرامكو، وكان قد سمع عن الحياة العصرية المنفتحة في مدن النفط وعن أقاربه الذين عملوا في الشركة وتبدلت أحوالهم وارتقت ظروفهم المعيشية فتشجع للتقديم للعمل في هذه الشركة.

قرر الفريح الانتقال من حائل إلى الظهران مع رفاقه، ولم تكن مهمة الانتقال سهلة آنذاك بسبب وعورة الطرق وصعوبة اجتياز الصحاري، إلا أن ذلك لم يثنه عن السفر وبالفعل وصل إلى الظهران بعد رحلة شاقة استمرت لمدة 3 أيام.

كان من ضمن رافقه في هذه الرحلة هزاع بن غانم الشمري، الذي أصبح طيارًا مدنيًا ومساعدًا لمدير عام العمليات الجوية بالخطوط الجوية السعودية.

عندما وصل الفريح طُلب منه أن يبرز هويته السعودية  التي لم يكن يمتلكها حينها لذا اضطر لاستخراجها من دائرة الأحوال في الدمام، وكانت وقتها تمنح للمتقديم ألقابًا مستمدة من المناطق التي جاءوا منها.

وبما أن الفريح كان من حائل ومدينة حائل معروفة بجبلة وقبيلة شمر فمُنح لقب "سعد الشمري" فاستطاع الفريح الانضمام إلى أرامكو تحت اسم "سعد الشمري" وأكمل دراسته في مدارسها وتعلم اللغة الإنجليزية.

عمل الفريح مراسل بين المختبرات والعيادات حيث كان ينقل العينات إلى التحليل، كما عمل كسائق سيارة إسعاف خاصة بالمجمع الصحي في الشركة وعمل أيضًا في مكتب استقبال المرضى.

وخلال عمله في أرامكو تعرف سعد الفريح على السينما المصرية والأمريكية حيث كانت هوايته المفضلة مشاهدة الأفلام والمسلسلات المصرية والأمريكية التي كانت تُعرض على تلفزيون أرامكو من الظهران التي كانت المحطة التلفزيونية الثانية الناطقة باللغة العربية في الشرق الأوسط بعد تلفزيون العراق في بغداد.

الانتقال للعمل في تلفزيون أرامكو

استمر المخرج سعد الفريح بالعمل في دائرة الصحة لفترة حتى أوكلت له مهمة غيرت تفكيره وأهدافه تمامًا. كانت المهمة هو قيادة ومرافقة بعثة تلفزيون أرامكو في دائرة الصحة حيث كانوا ينتجون برنامجًا صحيًا هناك.

قام الفريح بهذه المهمة خير مقام ولكنه انبهر بالكاميرات طرق إدراتها فقرر أن ينتقل إلى دائرة العلاقات العامة في تلفزيون أرامكو وطلب من مديرته الأمريكية نقله التي وافقت على هذا الطلب وتوسطت له عند مدير التلفزيون المرحوم صالح المزيني.

لم يمانع المزيني ضم الفريح للعمل في المحطة وهناك تلقى تدريبًا مكثفًا لمدة سنة كاملة وعمل مع عدد من زملائه أمثال محمد البيطار وزكريا البنا في تقديم برامج تثقيفية وترفيهية مباشرة، إذ لم تكن أشرطة الفيديو معروفة في ذلك الوقت، كما عمل في دبلجة الأفلام والمسلسلات الأجنبية إلى العربية.

أيضًا قام الفريح بإخراج عدد من البرامج السعودية والتي لا تزال محفورة في ذاكرة المشاهدين السعوديين من جيلي الخمسينيات والستينيات ولعل أهمها برنامج "صحتك"، و"زاوية الكتب"، و"المباراة الثقافية"، و"فنجان قهوة"، و"سهرة الاثنين" وقدم هذه البرامج عبد الله الحسيني وإسماعيل الناضر وفهمي بصراوي ومحمد عبد الوهاب سلامة وغيرهم.

المخرج سعد الفريح والتلفزيون السعودي

كانت النقطة الفاصلة في تاريخ المخرج سعد الفريح هو تأسيس التلفزيون السعودي عام 1964، والذي جاء بعد مبايعة الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز ملكًا للبلاد خلفًا لأخيه الملك الراحل الملك سعود.

كان الفريح آنذاك من أصحاب الخبرة القلائل في مجال التلفزيون بسبب عمله في تلفزيون أرامكو لذا تمت الموافقة عليه دون تفكير لتعيينه في وزارة الإعلام تحت قيادة وزير الإعلام آنذاك جميل الحجيلان.

كانت أولى المهام التي أوكلت إلى الفريح مهمة إنشاء التلفزيون الرسمي السعودي، وقد أثمر هذا العمل إلى ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية للتخصص في فنون وتقنيات الإخراج والإنتاج التلفزيوني.

دراسة الإخراج في الولايات المتحدة

سافر سعد الفريح مع مجموعة من الشباب السعودي إلى الولايات المتحدة لدراسة تقنيات وفنون الإخراج والإنتاج التلفزيوني، وكان من ضمن رفاقه نهاد عبد القادر إدريس وجاسر الجاسر وصالح الحمدان وإبراهيم النفيسة وغيرهم.

حصل الفريح على دبلوم في الإنتاج والإخراج من شركة RCA في نيويورك، ثم حصل على تدريب لمدة 3 أشهر في معهد Dramatic Workshop التي أخرجت نابغين في الفن والإخراج والتمثيل أمثال روبرت دي نيرو ومارلون براندو وولتر ماثيو وغيرهم.

التحق الفريح فيما بعد بكلية أنتيوك يالو إسبيرينغ في ولاية أوهايو ودرس فيها الإنتاج والإخراج المسرحي ودرس التمثيل كما أنه شارك كمثل في عدة مسرحيات في مسرح الكلية منها "كابتن براس بوند" لجورج برنارد شو، ومسرحية "ترويض النمرة" لشكسبير.

خلال فترة دراسته في الولايات المتحدة انتقل لفترة قصيرة للدراسة في بريطانيا عام 1968 حيث حصل على دورة في الإنتاج التلفزيوني والسينمائي في محطة BBC. في عام 1971 عاد إلى الولايات المتحدة وحصل على دورة في الإنتاج التلفزيون من جامعة سيراكيوز في نيويورك.

أعمال المخرج سعد الفريح في التلفزيون السعودي

بعد رحلة طويلة ومثمرة للدراسة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا كذلك قرر التلفزيون السعودي الاستعانة بالمخرج سعد الفريح في منتصف الستينيات فقد أول تمثيلية له في التلفزيون بعنوان "العيادة" عام 1966.

شارك في هذه التمثيلية عدد من النجوم منها حسن دردير ولطفي زيني، كما أخرج في العام نفسه أول فيديو كليب للفنان محمد عبده لأغنية "حبيبي مرني في جدة".

واصل الفريح أعماله المهمة في التلفزيون فقد أخرج أول مسرحية بعنوان "أنا أخوك أمين" من تأليف طلال مداح وبطولة حسن دردير ولطفي زيني، وأرج كذلك أول فيلم سينمائي بكاميرا 16 ملم بعنوان "تأنيب الضمير".

أخرج كذلك للتلفزيون السعودي عدد حلقات من "مسرح التلفزيون" والذي شارك فيه عدد من المطربين منهم طلال مداح ومحمد عبده وعمر كردي وأبو بكر سالم بلفقيه وعبادي الجوهر.

أخرج الفريح مسلسل "البرهان المفقود" عام 1972 من بطولة عبد الرحمن الخريجي، وهو مسلسل مقتبس من رواية "بائعة الخبز" للأديب الفرنسي كزافييه دومنتبان.

الهجرة إلى بريطانيا وقرار العودة

بعد فترة من التألق في التلفزيون السعودي واجه بعض الأمور التي ضايقته فقصد الهجرة إلى لندن وعمل في العاصمة البريطانية لمدة 5 سنوات في محطة BBC.

لم يستمر قرار الهجرة طويلًا فقد سافر الأمير فهد بن عبد العزيز، الذي كان وزيرًا للداخلية آنذاك، برفقة شقيقه الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض وقتها، والتقيا بالفريح وأقنعاه بالعودة للعمل في وطنه والتلفزيون الرسمي.

أبرز أعمال سعد الفريح بعد العودة

عاد سعد الفريح إلى وطنه وشهدت الفترة تلك نشاطًا فنيًا مكثفًا فقد أخرج العديد من الأفلام السينمائية والوثائقية عن المملكة وتنقل بين مدنها ومناطقها لتصوير المعالم ونتج عن ذلك عدة أفلام خالدة.

من أبرز الأفلام وأنجحها فيلم "الغيث والليث" من تأليف محمد بن عثيمين وفيلم، "نفحات شذا عطر من ملحمة عيد الرياض" من تأليف بولس يلامة، وفيلم "أسماء في الذاكرة.. هذا هو عبد العزيز" من تأليف ورؤيته وإخراج.

إلا أن الفريح واجه صدمة شديدة بعد أن تلفت هذه الأفلام جميعها خلال الحرب الأهلية في لبنان، حيث سافر لتحميض الأفلام بسبب عدم وجود معامل للتحميض في السعودية وتدمرت الأفلام بسبب الحرب فعاد إلى بلاده بخفي حنين.

لم تنقص هذه الحادثة المؤسفة من عزيمة الفريح بل عاد لتصوير مشروع جديد وهو البرنامج الثقافي "الكلمة تدق الساعة" من إعداد وتقديم الإعلامي محمد رضا نصر الله الذي عهد إليه لتقديم برنامج حواري مميز.

سافر الفريح برفقة الإعلامي محمد رضا إلى العديد من الدول العربية لإجراء حوارات  تلفزيونية مع أدباء ومفكرين وسياسيين عرب فسافر إلى مصر والعراق وسوريا وتونس والمغرب وعدة دول.

من برامجه المميزة في التلفزيون برنامج "العيون الساهرة"، وبرنامج المسابقات "ألعاب مفتوحة"، كما أخرج أول مسرحية مونودرامية بعنوان "حلم الحياة" من بطولة ناصر القصبي عام 1984.

من أعماله البارزة أيضًا إخراج سهرة "بلا ضفاف"، وسهرة "بطاقة عودة من الغربة"، و"سهرة نورة".

خلال فترة عمله في التلفزيون السعودي ساهم في إخراج نخبة من نجوم الفن والتمثيل في المملكة وعلى رأسهم سعد خضر، وبكر الشدي، ومحمد العلي، وعبد الله السدحان، وشلهوب الشلهوب وسعد الوثلان وناصر الصقيه، وعبد الكريم السيف وغيرهم.

علاقته بالملوك والأمراء

كان المخرج الراحل سعد الفريح على علاقة جيدة بالملوك والأمراء ومنهم الملك فهد، وكان للفريح موقف بارزًا مع ملك فهد عام 1987 في المدينة المنورة، حيث سافر الملك فهد رحمه الله لافتتاح التلفزيون هناك وكان الفريح من ضمن الوفد الذي ذهب مع الملك لتغطية الحدث.

وضع الفريح لوحات ترحيبية للملك في المدينة مكتوب عليها "أهلًا بك خادم الحرمين"، ويقال إن الملك فهد رحمه الله أعجب بهذه الجملة بشدة وقرر أن يغير مسمى جلالة الملك فهد إلى خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز بعد افتتاحه التلفزيون.

من مواقفه المميزة كذلك مع الأمراء موقفه مع الملك سلمان، الذي كان أميرًا لمنطقة الرياض عام 1983، حيث كان الفريح متواجدًا في ألمانيا لتغطية معرض "الرياض بين الأمس واليوم" وكان الأمير حاضرًا وطلب من الأمير أن يرفع علم المملكة في الحفل.

وفاة سعد الفريح

رحل الفنان سعد الفريح عن عالمنا في 3 يونيو عام 2006 بسبب وعكة صحية مفاجئة، فبعد مسيرة عطاء استمرت لمدة 40 عامًا تم تكليفه بالإشراف على بث أوبريت حفل استقبال أهالي مدينة حائل لزيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز للمنطقة بعد توليه الحكم.

وخلال التجهيز لهذا الحفل شعر الراحل بإرهاق شديد ولكنه رفض الذهاب إلى المستشفى لكي يتم عمله إلا  أنه امتثل لآراء زملائه وقرر الذهاب إلى غرفته للنوم والراحة ولم يكن يعلم أنها ستكون آخر لحظاته.

أصيب الفريح بسكتة قلبية في غرفة نومه أدت إلى وفاته، وعمر سعد الفريح عند موته كان 65 عامًا منها 40 عامًا من العطاء والعمل والعديد من الأعمال الفنية والتلفزيونية البارزة.

بعد وفاته  استقبل الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي كان أميرًا لمنطقة الرياض، أبناء الفريح في مكتبه الخاص، وقد نشرت جريدة البلاد الخبر تحت عنوان "الأمير سلمان يستقبل أبناء المخرج سعد الفريح".