شغل الدكتور سامي الدروبي العديد من المناصب السياسية والدبلوماسية خلال حياته، فقد تولى منصب وزارة التربية، وبعدها أصبح سفيرًا لسوريا في عدد من الدول العربية والأوروبية، إلا أنه نال شهرته في الوطن العربي؛ بسبب ترجماته للأعمال الأدبية العالمية إلى العربية، وخاصة أعمال الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي، تعرف أكثر على مسيرته المهنية وحياته في هذا المقال.
من هو سامي الدروبي؟
سامي بن مصباح الدروبي هو سياسي ومترجم ووزير سوري سابق، ولد في 27 أبريل عام 1921 في مدينة حمص، وهو من الشخصيات البارزة الذين اشتهروا بترجماتهم للأدب الروسي إلى اللغة العربية.
قام بترجمة العديد من الأعمال الأدبية الروسية الشهيرة إلى العربية، مثل أعمال فيودور دوستويفسكي وليو تولستوي. تُعد ترجماته من أفضل الترجمات الأدبية في العالم العربي، وتعتبر مرجعًا للعديد من القراء.
شغل الدروبي عدة مناصب دبلوماسية هامة، منها أنه كان سفيرًا لسوريا في عدة دولة مثل مصر وإسبانيا. وقد عُرف عنه دعمه للاشتراكية والوحدة العربية، وكان عضوًا بارزًا في حزب البعث الاشتراكي.
كتب الدروبي العديد من المقالات والدراسات الأدبية والفكرية التي تناولت مواضيع مختلفة من الأدب والسياسة والفكر، وقد كان شخصية ثقافية بارزة في العالم العربي، وساهم بشكل كبير في نشر الأدب الروسي والتعريف به في الأوساط العربية.
نشأته وتعليمه
ولد سامي الدروبي في مدينة حمص في سوريا، وقد نشأ في عائلة كبيرة ومعروفة في حمص، وكان لديه 5 أشقاء، وهم ثابت، وعبد الإله، وعازي، عزام، وإلهام. تلقى الدروبي تعليمه في مدارس حمص، ثم سافر إلى دمشق، والتحق بمدرسة التجهيز الأولي الثانوية، وبعدها التحق بدار المعلمين.
بعد تخرجه من دار المعلمين بدأ مسيرته المهنية كمدرس في مدارس الجولان الحكومية، وبعدها تم تعيينه أستاذًا للفلسفة في عدة مدارس ثانوية في مدينة حمص. سافر الدروبي بعدها إلى القاهرة، والتحق بكلية الآداب، حيث درس في قسم الفلسفة في جامعة القاهرة، وتخرج عام 1946.
في عام 1948 عاد إلى سوريا أصبح معيدًا في الجامعة السورية، وقد تزامن ذلك انضمامه إلى حزب البعث الاشتراكي.
أكمل الدروبي دراسته العليا في باريس، حيث سافر إلى فرنسا، وحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة باريس، ثم عاد إلى سوريا ليستأنف مسيرته المهنية في التدريس.
عائلة الدروبي
تزوج الدكتور سامي الدروبي من السيدة إحسان البيات، ولديه منها 3 أطفال وهم ليلى، ومصباح، وابنته سلمى التي توفيت وهي طفلة.
مسيرته السياسية والدبلوماسية
انضم الدكتور سامي الدروبي إلى حزب البعث الاشتراكي في عام 1948، حيث كان وقتها معيدًا في الجامعة السورية، وبعد عودته من فرنسا إلى سوريا بعد إكمال رسالة الدكتوراه، اعتقل مع بعض من زملائه البعثيين؛ بسبب معارضتهم حكم الرئيس السوري السابق أديب الشيشكلي، وذلك في عام 1953.
لم تدم فترة الاعتقال طويلًا، فبعد الإطاحة بحكم الشيشكلي عام 1954، بدأ الدروبي عمله في التدريس الجامعي، كما تفرغ للكتابة، وقد أعجب به جمال عبد الناصر خلال الوحدة بين مصر وسوريا، وعين مديرًا في وزارة الثقافة عام 1959.
في عام 1960 أصبح الدروبي مستشارًا ثقافيًا في سفارة الجمهورية العربية المتحدة في البرازيل، وفي عام 1963، وبعد الانفصال، شغل منصب وزير التربية في حكومة صلاح البيطار الأولى، ولكنه استقال سريعًا من منصبه بعد فشل المفاوضات لاستعادة الوحدة مع مصر، حيث كان من أشد الداعمين للوحدة، وعارض الانفصال بين مصر وسوريا بشكل كبير.
في عام 1963، بدأ الدروبي مسيرته الدبلوماسية، حيث تم تعيينه سفيرًا لسوريا في المغرب خلال حكم أمين الحافظ، وفي العام نفسه أصبح سفيرًا لسوريا في دولة يوغوسلافيا.
في عام 1966، وبعد سقوط حكم أمين الحافظ، أصبح الدروبي سفيرًا لسوريا في القاهرة، حيث تضامن مع اللواء صلاح، ورئيس الدولة الجديدة نور الدين الأتاسي، وكان الدروبي وقتها أول سفير سوري في مصر منذ عام 1958.
عُين سامي الدروبي كذلك مندوبًا دائمًا في جامعة الدول العربية. في عام 1971، ومع وصول الرئيس حافظ الأسد على سدة الحكم، أصبح الدروبي سفيرا لسوريا في مدريد، وبعدها أصبح سفيرًا في دولة الفاتيكان، إلا أنه استقال من منصبه عام 1975 لأسباب صحية، وعاد إلى دمشق.
علاقته بجمال عبد الناصر
كان الدكتور سامي الدروبي من أشد الداعمين والمؤيدي لجمال عبد الناصر، وقد عامله عبد الناصر معاملة الصديق، وناقشا معا العديد من الموضوعات المختلفة. كان الدروبي من أشد الداعمين لفكرة الاتحاد بين مصر وسوريا، وقد عارض الانفصال بشدة، حتى إنه استقال من منصبه كوزير للتربية في حكومة صلاح البيطار؛ بسبب فشل المفاوضات لعودة الوحدة بين مصر وسوريا من جديد.
كانت مدينة القاهرة من أقرب المدن في قلب الدروبي، وقد استمرت العلاقات بينهما حتى بعد فشل الوحدة بين البلدين، حيث شغل منصب سفير سوريا في مصر. كان العلاقة بين الدروبي وعبد الناصر قوية، لدرجة أنه يطمئن على حالته الصحية وعلى عائلته.
ومن المواقف الأخرى التي تدل على قوة العلاقة بينهما، أن عبد الناصر واسى الدروبي بعد وفاة ابنته سلمى، ودعاه للمكوث معه لمدة شهر في الإسكندرية في استراحة الرئاسة.
أصبح الدروبي مندوبًا دائمًا في جامعة الدول العربية خلال حكم عبد الناصر، وقد بكى الدروبي عندما قدم أوراق اعتماده إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك لأنه لم يكن مواطنًا للجمهورية العربية المتحدة، حيث قال لعبد الناصر: "كما أنني لم أكن في يوم عظيم مواطن في الجمهورية التي كنت رئيسها".
ترجمات سامي الدروبي
رغم مشاغل الدكتور سامي الدروبي في عمله السياسي والدبلوماسي، إلا أنه ترجم العديد من كتب الأدب العالمي إلى اللغة العربية، ويعتبر الدروبي واحد من أبرز المترجمين في الوطن العربي، وقد اشتهر بشكل خاص بترجماته للأدب الروسي، حيث ترجم العديد من الأعمال الروسية إلى العربية، وخاصة أعمال دوستويفسكي، وقد بلغت ترجماته 80 كتابًا.
شاركت مع زوجته وشريكة عمره إحسان البيات في الترجمة، حيث طلب منها الاستقالة من عملها بالإذاعة، والعمل معه كسكرتيرة وزوجة له، فكانا يترجمان معًا.
ورغم ترجمات الدروبي للأدب الروسي، إلا أنه لم يكن يتقن الروسية، بل ترجم الأعمال الروسية المترجمة إلى الفرنسية، ونقلها إلى العربية. ترجم الدروبي معظم أعمال دوستويفسكي، منها "الجريمة والعقاب"، و"الأبله"، و"الشياطين"، و"الفقراء"، و"الإخوة كارمازوف".
ترجم أيضًا لليو تولستوي منها "الحرب والسلام"، و"آنا كارنينا"، كما ترجم أعمال نيكولاي غوغول منها "المعطف"، وترجم أيضًا لأنتون تشيخوف مجموعة من القصص القصيرة.
تُعتبر ترجمات سامي الدروبي للأدب الروسي من أفضل الترجمات التي أُنجزت في اللغة العربية، حيث تميزت بالدقة والأمانة في نقل النصوص الأصلية إلى العربية مع الحفاظ على روح النص الأدبي. لعبت هذه الترجمات دورًا كبيرًا في تعريف القراء العرب بالأدب الروسي وثقافته العميقة والإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، كان الدروبي يحرص على تقديم مقدمات وشروحات لأعمال الأدب الروسي المترجمة، مما ساعد القراء على فهم السياق الثقافي والتاريخي للأعمال. تُعد ترجماته اليوم مرجعًا أساسيًا للطلاب والباحثين في الأدب الروسي في العالم العربي.
وبجانب ترجمة الأدب الروسي، فقد ترجم العديد من الأعمال الأدبية والفلسفية من الفرنسية للعربية، منها "الأخلاف بلا إلزام ولا جزاء"، و"مسائل فلسفة الفن المعاصر" وهما كتابان للفيلسوف الفرنسي جان ماري جويو.
ترجم كذلك كتاب "علم النفس التجريبي" لعالم النفس الأمريكي روبرت ودورث، كما ترجم لسارتر كتاب "المذهب المادي والثورة"، وكتاب "معذبو الأرض" للفيلسوف الفرنسي فرانتش فانون".
ومن ضمن كتب سامي الدروبي أيضًا كتاب "تفكير كارل ماركس: نقد الدين والفلسفة" وهي ترجمة للكاتب جان إيف، وتعاون في ترجمته مع جمال الأتاسي. أيضًا ترجم كتب في العلوم السياسية منها "مدخل إلى علم السياسة".
وبعد وفاته صدر كتاب له من تأليفه بعنوان "الرواية في الأدب الروسي" وقد صدر عام 1982، عن دار الكرمل في دمشق.
سامي الدروبي وأعمال دوستويفسكي
ارتبط اسم الدكتور سامي الدروبي بالأديب الروسي العالمي دوستويفسكي، فقد ترجم له العديد من مؤلفاته، وقد كتبت زوجته إحسان البيات بأنها كانت تشعر بالغيرة من دوستويفسكي، لأن زوجها كان يعطي له أكثر مما يعطي لأي فرد في عائلته.
وتقول البيات إن زوجها الدروبي تمكن من ترجمة 18 مجلدًا لدوستويفسكي، رغم انشغاله بمهامه كسفير عربي في القاهرة، وقد كان قادرًا على توزيع وقته بدقة فائقة بين البيت والسفار، و"ضرتها" دوستويفسكي، على حد قولها.
وقد أعجب السفير السوفيتي بجهود الدروبي لترجمة أعمال دوستويفسكي الأدبية، حتى إنه أهداه لوحة زيته عليها صورة دوستويفسكي بمناسبة رأس السنة.
وعن سبب حب الدروبي لدوستويفسكي، قال: "شعرت بأن هناك صلة روحية تربطني بدوستويفسكي، وكأنني وجدت نفسي في كتاباته. أصبحت أتحرك في عالمه الأدبي كما أتحرك في منزلي، وأعرف شخصياته كما أعرف أصدقاءً قديمين. حتى إنني في بعض الأحيان أكاد أتحاور معهم همساً".
تعليقات على ترجمته للأدب الروسي
وبالرغم من أن سامي الدروبي ترجم أعمال دوستويفسكي من اللغة الفرنسية، وليس مباشرة من الروسية، إلا أن دقة ترجماته وجمال أسلوبه جعلت "دار التقدم" الروسية تعتمدها بعد مراجعتها وتعديلها بشكل طفيف بناءً على النصوص الأصلية.
وقد قام بهذه المراجعة المترجم المصري الراحل أبوبكر يوسف، الذي اعتبر أن تنقيح ترجمات الدروبي أفضل من إعادة ترجمتها من الروسية. وحتى اليوم، تظل ترجمات الدروبي هي الأكثر قبولاً وانتشاراً بين القراء العرب. ولعل مقدماته العميقة لتلك الأعمال كانت بوابة القراء الأولى لاستكشاف عالم دوستويفسكي الغني.
ورغم ذلك، فقد تعرضت ترجمات سامي الدروبي لانتقادت وتعليقات عدة من عدد من المترجمين، الذين رأوا أن الدروبي جعل النص الروسي يخسر الكثير حتى وصل إلى شكله المترجم النهائي إلى العربية.
فيما رأى عدد من النقاد والمترجمين أخطاء واضحة لترجمات الدروبي إلى العربية، وخاصة في ترجمته لرواية "مذكرات من البيت الميت" والتي ترجمها "مذكرات من منزل الأموات"، فيما انتقد بعض النقاد الحذف غير المبرر للعديد من الفقرات والحواشي والهوامش التي كتبها دوستويفسكي في النص الأصلي.
أخطأ الدروبي أيضًا في ترجمة بعض المفردات الروسية، حيث خلط بينها وبين مصطلحات فرنسية، لذا فتغير المعنى بشكل كامل، ولكن كلها أخطاء غير مقصودة، وهي أخطاء تحدث في كل الترجمات حول العالم.
وفاة سامي الدروبي
توفي الدكتور والمترجم والسياسي السوري سامي الدروبي في 12 فبراير عام 1976 عن عمر 54 عامًا، وخلال وعكته الصحية أنجز 5 مجلدات من مؤلفات تولستوي وصل عدد صفحاتها 5 آلاف صفحة.
توفي الدروبي بعد عام واحد من استقالته من منصبه الدبلوماسي كسفير بسب بوعجته الصحية، وقد كتبت زوجته سيرته الذاتية بعنوان "سامي الدروبي" ونشر عام 1982 عن دار الكرمل في دمشق.
تم تكريم اسم الدروبي كواحد من أهم المترجمين العرب، وفي أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أقامت وزارة الثقافية في سوريا مسابقة للترجمة حملت اسم الدروبي تكريمًا لجهوده في ترجمة الأدب العالمي إلى العربية.
سامي الدروبي، الذي قدم للأدب العربي أعظم ترجمات الأدب الروسي، يبقى رمزاً للثقافة والتبادل الأدبي بين الحضارات، وترك بصمة لا تُمحى في عالم الترجمة والأدب، حيث جعل أعمال عظماء الأدب الروسي متاحة ومحبوبة لدى القراء العرب.
لم تكن مجرد ترجماته أعمالاً أدبية، بل كانت جسوراً من الفهم والروحانية بين ثقافات مختلفة، ستظل إسهاماته خالدة، تذكرنا دائماً بقوة الأدب وقدرته على توحيد البشر عبر الزمان والمكان