رائد المسرح، وأحد أستاذة الفن المصري الذي أبدع مخرجًا ومؤلفًا وممثلًا ومعلمًا لعمالقة الفن في مصر والوطن العربي، إنه الفنان زكي طليمات الذي أبدع في المسرح وظهر في أدوار داعمة في السينما، وترك خلفه إرثًا فنيًا خالدًا، تعرف على حياته ومسيرته الفنية.
حياة زكي طليمات ونشأته
زكي عبد الله طليمات هو ممثل ومؤلف ومخرج مصري من أصل سوري ويعد أحد رواد المسرحي المصري، ولد في 29 أبريل عام 1894 في مدينة القاهرة.
ولد طليمات في حي عابدين في القاهرة، ووالده من أصول سورية، حيث كان جده من أسرة معروفة في مدينة حمص في سوريا، وسافر إلى القاهرة بقصد التجارة، واستقر فيها وتزوج من سيدة مصرية من أصول شركسية.
درس طليمات في المدرسة الخديوية الثانوية، والتحق بعدها بمعهد التربية لكي يصبح معلمًا، فقد كان طالبًا متفوقًا، ولكن قادته الصدفة إلى العمل في المسرح، حيث مُنع من ارتياد المدرسة بسبب مرض والدته وخشية أن ينقل العدوى للطلاب في المدرسة، فانقطع عن الدراسة لفترة.
في الفترة التي انقطع فيها عن الدراسة تعرف على مجموعة من الممثلين المسرحيين، وقضى وقتًا طويلًا في المسرح ففتن به، وقرر ترك معهد التربية والانضمام إلى فرقة جورج أبيض، وهو ما سبب غضبًا لأسرته وقررت طرده من المنزل.
لكي يتمكن طليمات من توفير دخل ثابت لنفسه عملاً في حديقة الحيوانات بسبب انقطاع العمل في المسرح من وقت لآخر، وبعدها بفترة انتبه أحد المسؤولين لموهبته وقرر دعمه لدراسة الفن في باريس.
سافر طليمات إلى فرنسا لدراسة التمثيل في باريس، حيث درس في مسرح الممثل الكوميدي فرانسيز ومسرح الأوديون، ودرس في معهد حرفية المسرح في باريس، وحصل على شهادات في الإخراج المسرحي والإلقاء، وشهادة في فن المناظر المسرحية.
عاد طليمات إلى مصر عام 1929 وبدأ مسيرته في التعليم والإخراج والتمثيل المسرحي وكان له الفضل في تأسيس مجموعة من المشروعات المسرحية المهمة في مصر.
تزوج طليمات مرتين، المرة الأولى من رائدة الصحافة روز اليوسف والدة الأديب إحسان عبد القدوس بعد طلاقها من والده الفنان محمد عبد القدوس، وأنجب منها ابنته آمال طليمات.
انفصل بعدها عن روز اليوسف وتزوج من الفنانة إحسان شريف التي اشتهرت بدور بهيجة بنت سلطح بابا في فيلم "إشاعة حب" وهي حماة الفنانة سميرة أحمد في فيلم "أم العروسة".
توفي طليمات في 22 ديسمبر عام 1982 وقبل وفاته بـ 7 أشهر كتب مقالاً عن المسرح بعنوان "إلى أن يمضي الإبداع في حياتنا الثقافية .. أفكارنا المسرحية مقتبسة من الغرب".
مشواره الفني
بدأ زكي طليمات انطلاقته الفنية الحقيقية بعد عودته من فرنسا، حيث بدأ مسيرته في التعليم والإخراج والتمثيل المسرحي، وأسس أول معهد للتمثيل في مصر عام 1930 اسمه "معهد فن التمثيل العربي.
لم يصمد المعهد لفترة طويلة حيث أغلق بعد سنوات بسبب هجوم الفرق المسرحية عليه؛ لأنها رأت أن فيه تخريبًا للمهنة، كما تلقى انتقادات من رموز المجتمع المحافظ الذين رأوا أن المعهد خرقًا للعادات والتقاليد المجتمعية.
واجه طليمات كذلك بطش الاحتلال الإنجليزي والملك فؤاد خوفًا من التنوير، لذا لجأ إلى تأسيس "جمعية الحمير" لدعم الحركة المسرحية، ودعمه فيها مجموعة من الأدباء والفنانين مثل توفيق الحكيم، وطه حسين، وعباس العقاد، والسيد بدير.
نجح من خلال هذه الجمعية في إعادة المسرح اعتمادًا على "صبر الحمير" ودعمت الجمعية الفقراء، وعملت على جمع التبرعات لهم.
لم ييأس طليمات وكوّن "الفرقة القومية للمسرح" عام 1935، وكان أو من أخرج أوبريت للفنون الشعبية، ولهذا الفرقة أخرج حوالي 12 مسرحية وترجم عدد من الأعمال المسرحية العالمية، ومنها مسرح "الجلف" لتشيكوف، و"الوطن" لسارود، و"المعركة" لفروندي.
من المسرحيات التي أخرجها طليمات مسرحية "أهل الكهف"، و"ابن جلا"، و"صقر قريش"، و"مضحك الخليفة أبو دلامة"، و"المنقذة"، و"الكنز"، و"آدم وحواء"، و"استارثوني وأنا حي"، و"فاتها القطار"، و"عمارة المعلم كندوز"، وغيرها.
امتاز أسلوبه في إخراج المسرحيات على الدراسة العميقة، كما اعتمد على توزيع الإضاءة والتنسيق من الملابس والمناظر والحركة المسرحية.
عمل طليمات مراقبًا للمسرح المدري من الفترة ما بين عام 1937 إلى عام 1952، وبعدها أصبح مديرًا للمسرح القومي من الفترة ما بين عام 1942 إلى عام 1952، وعمل مديرًا للمسرح المصري الحديث.
اشترك طليمات كذلك في عدة مؤتمرات فنية، منها مؤتمر المسارح الدولية في باريس في عام 1931، وعام 1937، وكتب مقدمات فنية للعديد من المسرحيات والمؤلفات.
لم يقتصر عمل طليمات في تدريس الفن في مصر فقط، وإنما سافر لعدة دول عربية للتدريس هناك، فقد كان مشرفًا فنيًا على فرقة البلدية وهي فرقة تونسية من الفترة ما بين عام 1954 إلى عام 1957.
عمل طليمات كذلك مشرفًا فنيًا على المسرح العربي في الكويت وتخرج على يديه العديد من الفنانين الكويتيين الذين أصبحوا مؤسسي الفن والمسرح في الكويت.
كتب طليمات كذلك العديد من المقالات في جرائد ومجلات مختلفة منها الهلال، والمقتطف، والرسالة، والعربي، والفكر العربي، وغيرها.
زكي طليمات في السينما
على الرغم من أنه كان رائدًا في المسرح، ولكن لم يقدم طليمات أدوار البطولة في السينما، وإنما اقتصرت أدواره على أدوار داعمة وبسيطة في الأفلام التي شارك فيها.
شارك طليمات في 11 فيلمًا سينمائيًا، أولها فيلم "نشيد الأمل" من بطولة أم كلثوم عام 1937، وفيلم "العامل" عام 1943 من بطولة حسين صدقي، وفاطمة رشدي، وقد تم وقف عرضه بأمر من الملك فاروق.
في عام 1994 شارك في فيلم "ابنتي" من بطولة عزيزة أمير ومحمود ذو الفقار، وفي عام 1945 شارك في فيلم "أحلاهم" من بطولة ليلى فوزي، ومحمد كمال المصري، وميمي شكيب.
في عام 1946 شارك في فيلم "أرض النيل" من بطولة أنور وجدي، وراقية إبراهيم، ومديحة يسري، وفي عام 1948 شارك في فيلم "عنتر وعبلة" من بطولة سارج منير، وكوكا، وبعدها انقطع عن التمثيل في السينما لفترة طويلة.
عاد زكي طليمات إلى السينما مجددًا عام 1958 وشارك في فيلم "خالد بن الوليد" من بطولة حسين صدقي، ومديحة يسري، ومريم فخر الدين، وفي عام 1960 شارك في فيلم "بهية" من بطولة لبنى عبد العزيز، ورشدي أباظة، وحسين رياض.
في عام 1961 شارك في فيلم "يوم من عمري" من بطولة عبد الحليم حافظ وزبيد ثروت وعبد السلام النابلسي، وقدم دور والد زبيدة ثروت في هذا الفيلم.
في العام نفسه شارك في فيلم "نصف عذراء" من بطولة زبيدة ثروت، ومحسن سرحان، ومحرم فؤاد، وحسين رياض، وعبد المنعم إبراهيم، ونادية لطفي.
في عام 1963 شارك طليمات في آخر أعماله السينمائية في فيلم "الناصر صلاح الدين" ولم تكن المرة الأولى له التي يتناول فيها سيرة صلاح الدين الأيوبي، حيث قدمها مرتين في المسرح والإذاعة.
في هذا الفيلم اشتهر طليمات بدور آرثر وعُرف بجملته الشهيرة " فرجينيا! أنا وأنت ملوك على أورشليم"، وجملته الشهيرة التي قالها لليلى فوزي " في ليلة أقل جمالًا من ليلتنا ستأتين زاحفة إلى خيمتي يا فرجينيا".