ابن الباشوات، زكي رستم بك، قرر الخروج على تقاليد العائلة، من أجل حبه للفن، عاش وحيدا منعزلا عن الجميع بدون أصدقائه رفيقه كتابه وكلبه حتى توفي وحيدا ولم يحضر جنازته أحد.
هو أحد عباقرة التمثيل في الوطن العربي، وصفته جريدة فرنسية بأنه من ضمن أفضل 10 ممثلين عالمين، قصة عشقه للفن تدرس، وإتقانه للدور جعل كل من يقف أمامه يرتعد خوفا، تفاصيل حياته وأبرز المعلومات عن مشواره الفني في السطور التالية...
هو زكي محرم رستم بك، جده اللواء محمود رستم باشا، ووالده هو السياسي البارز محرم بك رستم عضو الحزب الوطني، وصديقا للزعيمين المصريين مصطفى كامل ومحمد فريد.
في 25 مارس 1903 ولد "زكي" داخل قصر جده بحي الحلمية، بعد أن أنهى "زكي" شهادة البكالوريا عام 1920، وكانت العائلة تنظر بأن يلتحق بكلية الحقوق، لكنه فاجأ الجميع برغبته في العمل بالتمثيل.
وفي ذلك الوقت كان يمارس رياضة حمل الأثقال وفاز ببطولة الجمهورية بها.
توفي والده، فتمرد "زكي" على العائلة الاستقراطية وأعلمهم بانضمامه لفرقة جورج أبيض، لتخيره والدته بين دخول كلية الحقوق والبعد عن التمثيل أم يخرج من القصر، فاختار الخروج وأصيبت والدته بالشلل نتيجة لغضبها حتى توفت.
في البداية انضم إلى فرقة عزيز عيد إلا أنه تركها بعد عدة أشهر، وانضم إلى فرقة اتحاد الممثلين، وعلى الرغم من كونها أول فرقة تقر لها الحكومة إعانة ثابتة إلا إنه تركها أيضا، وأخيرا استقر به الحل في الفرقة القومية تحت رأسه الفنان خليل مطران، فظل يعمل معهم لمدة عشر سنوات، حتى اختاره المخرج محمد كريم ليدخل عالم السينما من خلال الفيلم الصامت في ذلك الوقت "زينب" وكان الفيلم من إنتاج الفنان يوسف وهبي.
رفض زكي رستم الذي كان يعرف في الوسط الفني باسم ابن الباشا الزوج، وقضى كل حياته في البلاتوه لتصوير الأفلام، وبعد الانتهاء يعود إلى منزله، ولم يكن له أصدقاء غير عبدالوارث عسر وسليمان نجيب.
حبه للفن جعل لديه رصيد كبيراً، فقد وصل عدد أفلامه لحوالي 240 فيلما، ومن أشهر أفلامه هو فيلمه رصيف نمرة 5، ليقدم زكي رستم وفريد شوقي بعدها سويا ثنائياً رائع داخل السينما المصرية، هذا بالإضافة لعدد من الأعمال الرائعة مثل دوره في نهر الحب مع النجم العالمي عمر الشريف وفاتن حمامة.
لم يحظ زكي رستم بإعجاب وإشادة النقاد المصريين فقط ولكن كلاً من شاهده أثار إعجابه، فقد كتب عنه الناقد السينمائي جورج سادول إنه فنان قدير ذو ملامح معبرة، مطلقا عنه بأنه النسخة المصرية من أورسن ويلز، لتختاره بعدها مجلة "باري ماتش" الفرنسية ضمن أفضل 10 ممثلين عالميين.
وبسبب شهرته العالمية عرض عليه فيلم عالمي من شركة كولومبيا ولكنه رفض ذلك قائلا إنه لن يعمل في فيلم يعادي العرب.
كان معروفاً عن زكي رستم شدة اندماجه في المشاهد، حتى أطلقوا عليه رائد مدرسة الاندماج، وهو الأمر الذي كان يرتعد منه النجوم التي تقف أمامه، تقول فاتن حمامة التي شاركته أحد أشهر أفلامه وهو "نهر الحب" إنه عندما صفعها طارت في الهواء.
أما الفنانة ماجدة التي شاركته دور فيلم "أين عمري" والتي تذكرت المشهد الذي قالت فيه لزكي رستم أنه معدوم الكرامة فصفعها، تروي "ماجدة" إنه عندما خرج من غرفته التي كان يجلس بها منفردا للتحضير للمشهد كانت شفتاها ترتعد خوفا حتى وقفت أمامه.
وأوضحت أنه بمجرد أن صفعها سمع صراخها كل من في البلاتوه، وسقطت على الأرض فاقدة الوعي، وبعد أن عادت لوعيها، كان فمها ينزف وجهها متورم.
وأخذت تبحث عن الفنان زكي رستم لتجده يقف بعيدا خلف الديكور وينهار في البكاء وحينما وجدها أمامه أخذ يعتذر لها بأنه لم يكن يقصد، فخففت عنه "ماجدة" الموقف بالتعبير عن فرحتها بشدة إتقان المشهد حتى أن مخرج الفيلم قال إنها أقوى صفعة حدثت في السينما المصرية.
وعن نفس الأمر تحدثت الفنانة هدى سلطان التي كانت تمثل أمامه في فيلم "حميدو" وكان هناك مشهد يصفعها فيه "رستم" بعد أن علم بإخبار البوليس عنه، وكان التصوير في نهار رمضان.
تقول "هدى" إنه بمجرد أن لمست يد "رستم" وجهها سقطت على الأرض، وفقدت النطق، وطلبوا لها الإسعاف، وبعد أن أفاقت اعتذرت لهم بأنها مجهدة من الصيام، فشعرت أن الدم عاد إلى وجه زكي رستم الذي بادرها بأنها "دمه نشف"، وأوضحت "هدى" أنه رفض إعادة المشهد إلا بعد الإفطار حتى لا يتكرر ما حدث مرة أخرى وتفقد الوعي.
أحب فريد شوقي زكي رستم وكان يفضل أن يمثل أمامه، يروي فريد شوقي أنه طلبه في أحد الأفلام، فطلب 800 جنيه، فرفض "شوقي" وكان ذلك قبل التصوير بثلاثة أشهر، وحينما بدأ التصوير لم يجدوا من يجيد أداء الدور فقرروا أن يأتوا به وبعد أن مضى العقد واستلم الشيك أخبره فريد شوقي أن التصوير غدا.
غضب زكي رستم ومزق الشيك والعقد وانفعل عليهم بأنه يحتاج لوقت للتحضير للشخصية والملابس، وتركهم، يروي فريد شوقي أنه بمجرد أن اتصل بممثل أخر وافق فورا، ليوضح أن هذا هو الفارق بين زكي رستم وأي ممثل آخر.
بدأ زكي رستم يعاني من ضعف السمع، ولكنه كان يرفض استخدام السماعة، ومع شدة ضعف السمع، وتعرضه للعديد من المواقف المحرجة أثناء التصوير لعدم قدرته على الاستماع لمن يحاوره، قرر أن ينعزل داخل شقته بعمارة يعقوبيان الشهيرة بمنطقة وسط البلد، بصحبة خادمه العجوز وكلبه الوولف، وأعلن ابتعاده عن الفن عام 1968 وبدأ يقضي وقته في القراءة بجانب التمشية الصباحية مع كلبه.
لتأتي نهاية زكي رستم بعد إصابته بأزمة قلبية حادة نقل بعدها إلى المستشفى ليتوفى وحيدا في 15 فبراير 1972 داخل مستشفى دار الشفاء ولم يعلم أحد بوفاته ولم يحضر جنازته غير 4 أفراد من بينهم خادمه.
ليكتب نهاية واحد من أشهر نجوم الخمسينات في مصر في صمت، والذي كرم لمرة واحدة في حياته من خلال الرئيس جمال عبدالناصر الذي منحه في وسام الفنون والعلوم والأدب عام 1962.
وكان زكي رستم قد ورث أموالا طائلة من عائلته، ولكن تم تأميم أغلب ممتلكاته من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد ثورة 1952.