بعد إطلاق فيلم أوبنهايمر للمخرج كريستوفر نولان اتجهت أنظار العالم إلى العالم الفيزيائي الأمريكي روبرت أوبنهايمر، الذي يتناول قصته في هذا الفيلم ويركز على اختراع وتطوير القنبلة الذرية. ألقاب كثيرة حصل عليها العالم أوبنهايمر ومنها "أبو القنبلة الذرية" فقد حقق إنجازًا غير شكل البشرية إلى الأبد، حينما قرر اختراع سلاح فتاك ليوقف خطر النازيين ووضع حدًا للحرب العالمية الثانية، في السطور التالية تعرف على مسيرته وقصته.
من هو روبرت أوبنهايمر؟
جيه روبرت أوبنهايمر هو عالم فيزيائي أمريكي ومدير لمختبر لوس ألاموس خلال الحرب العالمية الثانية، ولد في 22 أبريل عام 1904 في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، ويُنسب إلى تنظيم دورة مشروع مانهاتن التي أنتجت أول قنبلة نووية، لذا يُلقب بـ"أبي القنبلة الذرية".
ولد أوبنهايمر لأبوين من يهود ألمانيا، وقد حصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة هارفارد عام 1927، وبعدها عمل في جامعة كاليفورنيا في قسم الكيمياء وأصبح أستاذًا في الجامعة؟
قدم أوبنهايمر أبحاثا متقدمة في الفيزياء النووية، كما قدم مع طلابه مساهمات فيزيائية عدة، منها نظرية النجوم النيوترونية، تفاعلات الأشعة الكونية، ونظرية المجال الكمومي وغيرها.
تولى أوبنهايمر مشروع مانهاتن، وفي العام التالي تم تعيينه مديرًا لمختبر لوس ألاموس في نيو مكسيكو، وهو المختبر الذي تولى مهمة تطوير أول سلاح نووي. حاول أوبنهايمر الضغط من أجل السيطرة الدولة على الطاقة النووية ووقف سباق التسلح النووي مع الاتحاد السوفيتي، وبسبب مواقفه تم إلغاء تصريحه الأمني وتجريده من نفوذه السياسي.
أصل روبرت أوبنهايمر
ولد روبرت أوبنهايمر في عائلة يهودية ألمانية غير ملتزمة في مدينة نيويورك، والدته ني فريدمان كانت رسامة ووالده جوليوس سيليجما أوبنهايمر كان مستورد منسوجات ناجح. ولد والده في مملكة بروسيا، وانتقل إلى الولايات المتحدة في 1888 في سن المراهقة، ولم يكن يتقن الإنجليزية وقتها.
عُين في شركة نسيج ثم أصبح مديرًا تنفيذيًا في الشركة، وتمكن من أن يصبح ثريًا. انتقلت العائلة إلى مانهاتن وهي منطقة معروفة بالقصور الفخمة. كان لروبرت شقيق أصغر منه اسمه فرانك والذي أصبح فيزيائيًا أيضًا وأسس لاحقًا متحفًا للعلوم.
في سن الثامنة عشر التحق أوبنهايمر بكلية هارفارد وتخصص في الكيمياء، وخلال الدراسة انجذب إلى الفيزياء التجريبية من خلال دورة الديناميكا الحرارية، وبعد 3 سنوات فقط تخرج من جامعة هارفارد، ثم سافر إلى أوروبا ودرس في جامعة كامبرديج.
دراسته في كامبريدج وأزمات عانى منها
في عام 1924 انتقل روبرت أوبنهايمر إلى أوروبا للدراسة في جامعة كامبريدج، وقد وصف الوقت الذي أمضاه هناك بالمروع، حيث لم يكن سعيدًا للغاية في الجامعة. كان أوبنهايمر يكره معلمه باتريك بلاكيت الحاصل على جائزة نوبل، ومن شدة كرهه لمعلمه وضع تفاحة مغموسة بمواد كيميائية مكتب معلمه، ولكن سلطات الجامعة اقتنعت بعدم توجيه تهمة جنائية ضده أو طره، ولكنه وضع تحت المراقبة وذهب إلى طبيب نفسي.
عانى أوبنهايمر أيضًا من قلة الطعام عند التركيز وقد كان مدخنًا شرهًا، كما أنه عانى من الاكتئاب الشديد في فترات طويلة ن حياته. انغمس أوبنهايمر في الدراسة وكان يرى أن الفيزياء أهم بالنسبة له من الأصدقاء. خلال تواجده في أوروبا نشر أوبنهايمر أكثر من اثني عشر بحثًا، بما في ذلك العديد من المساهمات المهمة في مجال ميكانيكا الكم الجديد.
مسيرته المهنية وأبحاثه العلمية
عاد روبرت أوبنهايمر إلى كاليفورنيا عام 1927 وحصل على زمالة المجلس القومي للبحوث بالولايات المتحدة، وقد عمل بين جامعة هارفارد ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. عمل بعدها أستاذًا مشاركًا في جامعة كاليفورنيا وتعاون مع العديد من الفيزيائيين الذين أعجبوا به بسبب براعته وخبرته.
عمل أوبنهايمر أيضًا عن كثب مع الفيزيائي إرنست أو لورنس الحائز على جائزة نوبل، وقد توصلا إلى فهم البيانات التي كانت تنتجها أجهزتهم في مختبر الإشعاع في بيركلي، والذي تطور في النهاية إلى مختبر لورانس بيركلي الوطني اليوم.
أجرى أوبنهايمر أبحاثًا مهمة في علم الفلك النظري، والفيزياء النووية والتحليل الطيفي ونظرية المجال الكمومي. قدم أيضًا مساهمات هامة في نظرية زخات الأشعة الكونية التي أدت إلى أوصاف النفق الكمي، كما عمل على حساب النشاط الإشعاعي الاصطناعي تحت القصف بالديوترونات.
روبرت أوبنهايمر والقنبلة الذرية
في عام 1939 وبعد غزو ألمانيا النازية لبولندا حذر الكثير من الفيزيائيين، وعلى رأسهم ألبرت أينشتاين وليو تسيلارد ويوجين فيجنر، الحكومة الأمريكية من أنه إذا كان النازيون هم أول من صنعوا القنبلة النووية فإنه يشكل تهديدًا إلى البشرية جمعات.
أثارت هذه التحذيرات مخاوف الفيزيائيين بشأن التهديد النووي على أجندة الحكومة الأمريكية، ولكن في النهاية قرر رئيس الولايات المتحدة التصرف في هذا الشأن. كان أوبنهايمر واحد من العديد من العلماء الذين تم تكليفهم بالتحقيق في إمكانات الأسلحة النووية.
قرر أوبنهايمر حينها قطع كل صلاته بالشيوعية، حيث كان خائفًا من أن تجد الحكومة أنه من الصعب استخدامه في هذه الأبحاث، وقد أخبر صديقًا له: "أنا أقطع كل صلاتي الشيوعية. إذا لم أفعل ذلك، فستجد الحكومة صعوبة في استخدامي. لا أريد أن أترك أي شيء يعيق فائدتي للأمة".
في عام 1941 وبعد انضمام الولايات المتحدة إلى الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية طلب من أوبنهايمر المشاركة في مشروع مانهاتن السري، الذي كان يهدف إلى تطوير سلاح نووي، وقد لعب أوبنهايمر دورًا كبيرًا في هذه المهمة. في عام 1942 استدعاه الجيش الأمريكي لرئاسة المختبر السري حيث سيتم اختبار القنبلة.
عندما تم إطلاق مشروع مانهاتن في خريف عام 1942، كان أوبنهايمر يعتبر بالفعل فيزيائيًا نظريًا استثنائيًا وشارك في استكشاف إمكانية صنع قنبلة ذرية. بعد أقل من ثلاث سنوات من اختيار الجنرال ليزلي جروفز لأوبنهايمر لقيادة المشروع، ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على اليابان.
المحاولة الأولى لمخترع القنبلة الذرية
في 16 يوليو عام 1945 اجتمع أوبنهايمر والوفد المرافق له في جنوب لوس ألاموس لمحاولة أو انفجار نووي في العالم، وقد كان من المقرر إجراء هذا الاختبار في رمال صحراء نيو مكسيكو. كان أوبنهايمر على مدار 3 سنوات من العمل في المختبر قد فقد الكثير من الوزن، ووصل وزنه إلى أقل من 52 كيلو غرامًا، وينام لمدة 4 ساعات فقط كل ليلة.
مع نجاح المحاولة الأولى عرف العلماء أن هذه القنبلة ستشكل مستقبل العالم، كما اعتقدوا أنها يمكن أن تنهي الحرب العالمية الثانية. بعد نجاح الاختبار السري قال أوبنهايمر أنه عقب الانفجار خطر في ذهنه سطر من الكتاب المقدس الهندوسي بهاجافاد جيت: "الآن أنا الموت مدمر العوالم".
رغم أنه يدرك عواقب هذه القنبلة إلا أنه كان يركز على أن تقوم بمهمتها، فقد استخدم عبارة "هؤلاء الفقراء" في إشارة إلى ما سيحدث إلى اليابانيين بسبب القنبلة. أيضًا وفقًا لسيرته الذاتية ركز أوبنهايمر على إتاحة الظروف المناسبة لإلقاء القنبلة، حيث علق في أحد الاجتماعات وقال: "لا يجب رميها في المطر أو الضباب ولا ينبغي أن تنفجر عالياً، وإلا فلن يلحق الهدف الكثير من الضرر".
إلقاء القنبلة الذرية على اليابان
في 6 أغسطس و9 أغسطس عام 1945 أسقطت الولايات المتحدة اثنتين من القنابل التي ساعد أوبنهايمر في تطويرها على هيروشيما وناجازاكي في اليابان، وقد أدت هذه القنبلة إلى قتل عشرات الآلاف ودمرت المدينتين تمامًا.
شعر أوبنهايمر بالنصر الشديد بعد إلقاء القنبلة في اليابان، وقد صفق له مجموعة من العلماء في لوس ألاموس، وقد أعلن أوبنهايمر أن أسفه الوحيد هو أن القنبلة لم تنته في الوقت المناسب لاستخدامها ضد ألمانيا.
أصيب العلماء فيما بعد بالرعب من مقتل مدنيين في الهجوم، وقلقوا من أن تكون هذه القنبلة سببًا في التشجيع على الحروب بدلًا من ردعها، وقد كتب روبرت أوبنهايمر حينها إلى وزير الحرب قائلًا: "أمن هذه الأمة لا يمكن أن يعتمد كليًا، أو حتى بشكل رئيسي، على براعتها العلمية أو التقنية. يمكن أن يعتمد فقط على جعل الحروب المستقبلية مستحيلة".
أشعر بالدماء ملطخة بيدي
رغم أن أوبنهايمر احتفل بالقنبلة النووية وانتهاء الحرب العالمية، إلا أن شعوره بالنصر تبخر بعد الأشهر التي أعقبت الدمار، فقد بدا مكتئبًا، وقال: "أشعر بالدماء ملطخة بيدي"، وذلك عندما قابل الرئيس الأمريكي هاري س ترومان في البيت الأبيض.
وبسبب هذه الجملة شعر ترومان أن أوبنهايمر عالم متذمر وسيقف أمامه في عملية التسليح ضد روسيا. بعد الحرب أمضى أوبنهايمر معظم حياته في الضغط من أجل الردع النووي، كام عارض محاولات الولايات المتحدة لتطوير قنبلة هيدروجينية أكثر قوة.
اقترح أيضًا أن يتم استخدام الأسلحة النووية بشكل تكتيكي فقط، واستخدام التكنولوجيا النووية في مجالات أخرى مثل توليد الطاقة، وبسبب هذه الآراء أصبح عدوًا سياسيًا، وتم تجريد من جميع نفوذه السياسية. واصل أوبنهايمر إلقاء المحاضرات والكتابة والعمل في مجال الفيزياء.
متى توفي روبرت أوبنهايمر؟
بعد الحرب العالمية تم تجريد أوبنهايمر من نفوذه السياسية، ورغم انشغاله بالفيزياء إلا أنه ظل منبوذًا لفترة. كان أوبنهايمر مدخنًا شرهًا وتم تشخيص إصابته بسرطان الحلق في أواخر عام 1965، وخضع لعلاج إشعاعي وكيماوي غير ناجح في العام التالي.
في عام 1967 دخل في غيبوبة، وتوفي في منزله في نيوجيرسي في 18 فبراير عام 1967 عن عمر يناهز 62 عامًا.