رن تشنغ فاي.. العقل المدبر وراء عملاق التكنولوجيا هواوي

من العيش في فقر مدقع إلى واحد من أهم رواد الأعمال في الصين والعالم، إنه رجل الأعمال الصيني رن تشنغ فاي الذي حول شركة هواوي من شركة صغيرة إلى عملاق التكنولوجيا حول العالم، وقاد الشركة نحو تحقيق النجاحات، رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي واجهتها، في السطور التالية تعرف على مسيرته المهنية وأهم إنجازاته.

من هو رن تشنغ فاي؟

هو رجل أعمال ومهندس صيني ولد في 25 أكتوبر عام 1944 في مقاطعة تشنينج في الصين، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة هواوي تكنولوجيز التي تعد أكبر شركة مصنعة لمعدات الاتصالات في العالم، وثاني أكبر شركة مصنعة للهواتف الذكية في العالم.

بدأ رن تشنغ فاي مسيرته المهنية كمهندس في الجيش الصيني، حيث اكتسب خبرة واسعة في مجال الهندسة والاتصالات، وفي الثمانينات أسس هواوي برؤية طموحة تهدف إلى توفير تقنيات اتصالات مبتكرة للمستخدمين حول العالم.

وتحت قيادته، أصبحت هواوي شركة عالمية تنافس كبرى شركات التكنولوجيا في العالم مثل سامسونغ وأبل. خلال مسيرته المهنية، واجهت شركته العديد من التحديات، ومنها العقوبات الأمريكية، ورغم ذلك، قاد رن تشنغ هواوي للتكيف مع تلك العقوبات، وعزز البحث والتطوير والاستثمار، وواصلت الشركة نجاحات رغم التحديات. اشتهر تشنغ بأسلوبه القيادي الفريد الذي يركز على تمكين الموظفين وتشجيعهم على الابتكار.

نشأته وتعليمه

ولد رن تشنغ فاي في مقاطعة تشينينج في عائلة فقيرة، وقد كان جده يعمل في بيع لحوم الخنازير، أما والده لم يتمكن من إكمال دراسته الجامعية بسبب ظروف العائلة.

هاجر والده إلى قوانغتشو خلال الاحتلال الياباني، وعمل في مصنع عسكري للحكومة القومية، حيث كان موظفًا للحسابات، وفي عام 1949، عُين والده رئيسًا للمدرسة المتوسطة في مدينة دويون، وهناك التقى بوالدته التي كانت تعمل معلمة في المدرسة نفسها. لدى رن 5 إخوة أصغر منه.

درس رن تشنغ سنواته الأولى في قرية جبلية، وكان طفلًا انطوائيا لا يحب الاختلاط بالآخرين، وبسبب شخصيته، لم يتم قبوله في رابطة الشباب الشيوعيين.

عاش رن تشنغ ظروفًا صعبة للغاية، فقد كان عليه أن يرتدي معطفًا من طبقة واحدة رقيقة خلال البرد القارص، وقد عاش المجاعة الخطيرة في مقاطعة قويتشو في الستينات، وكان حينها في المرحلة الثانوية.

تضورت عائلته بسبب المجاعة، وكان على رن تشنغ، رغم صغر سنه، أن يعيل عائلته، فكان يذهب إلى الجبال، ويقطع الفاكهة البرية، كما أنه ابتكر طرقًا مختلفة لسد جوعه، وجوع عائلته بخلط نخالة الأرز والخضروات معًا، وبسبب ذلك لم يمت أي من إخوته بسبب المجاعة.

في عام 1963، تم قبول رن تشنغ في معهد تشونغتشينغ للهندسة المعمارية، وتخصص في هندسة خدمات البناء، وقد صنع له والده قميصين باللون الأبيض وزوجًا من الملاءات، وكانت هذه الملابس هي ما ارتدها خلال سنوات الكلية الأربعة.

أزمات عايشها خلال الثورة الثقافية

عايش رن تشنغ فاي أزمات عديدة خلال الثورة الثقافية في الصين، والتي خلفت الكثير من الاضطرابات في البلاد. في عام 1966، وبينما كان يدرس في الكلية، تلقى خبرًا بأن والده طرد من المدرسة، بسبب عمله سابقًا مع الحكومة القومية.

قرر رن تشنغ العودة إلى المنزل، فاستقل القطار، وحينها التقى بجنود من الحرس الأحمر الذين استجوبوا الطلاب حول خلفياتهم، وعندما علموا بخلفية والده دفعوه خارج القطار، واضطر رن تشنغ حينها العودة إلى المنزل سيرًا على الأقدام.

واجه رن تشنغ ظروفًا صعبة كذلك في الكلية بسبب الثورة الثقافية، إلا أنه بدعم من والده واصل الدراسة. خلال الدراسة في الجامعة، علم رين بنفسه الحاسوب والتكنولوجيا الرقمية والمنطق والفلسفة، كما تعلم 3 لغات أجنبية.

كان رن تشنغ أيضًا أحد أكبر الداعمين لوالده، فخلال الثورة الثقافية، اتجه الكثير من الأشخاص إلى الانتحار للتخلص من العار والضغط الذي سببه الحرس الأحمر في الصين، وبسبب رسائل رن تشنغ لوالده، تغاضى والده عن فكرة الانتحار.

في عام 1970، ترك رن تشنغ الدراسة، وانضم إلى الجيش للتدريب، وهي السياسة التي اتبعتها الحكومة الصينية في ذلك الوقت، حيث طبت جميع طلاب الجامعات ترك الدراسة والانضمام إلى الجيش.

زوجة رن تشنغ فاي وأبنائه

تزوج رن تشنغ فاي مرتين. المرة الأولى من سيدة اسمها هي منغ جون، والدها كان نائب حاكم مقاطعة شيتشوان السابق، ورزق منها بابنتين.

ابنته الأولى هي منغ وانزهو، والتي درست الماجستير في جامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا، وتعمل في شركة هواوي منذ عام 1993، وتشغل حاليًا المديرة المالية للشركة. وابنته الثانية هي منغ بينغ. استخدمت ابنتاه لقب والدتهما لتجنب لفت الانتباه.

انفصل رن تشنغ عن زوجته الأولى، وتزوج للمرة الثانية من ياو لينج، ورزق بابنته الثالثة آنا بيل ياو، والتي تصغر أختها غير الشقيقة ب25 عامًا. ابنته آنا بيل راقصة باليه، كما أنها طالبة علوم كمبيوتر في جامعة هارفارد، وظهرت لأول مرة عام 2018.

اعتقال ابنته

في عام 2018، ألقت السلطات الكندية القبض على منغ وانزو، الابنة الكبرى لرن تشنغ فاي، وهي المسؤولة المالية في شركة هواوي. تم القبض على منغ وانز بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية، وسط اتهامات طالت الشركة بسبب علاقات هواوي مع شركات تجارية في إيران.

وفي مارس عام 2019، رفعت منغ وانز، دعوى قضائية مدنية ضد كندا تتهم فيها الحكومة الكندية بأنها احتجزت بصورة قانونية، وتم تفتيش معداتها الإلكترونية وحقائبها بشكل غير قانوني.

ظلت منغ لمدة 3 سنوات قيد الإقامة الجرية في منزلها في فانكوفر، وفي سبتمبر عام 2021، تم إطلاق سراحها بعد سنوات من التوتر الدبلوماسي، بفضل اتفاق بين وزارة العدل الأمريكية والصين.

مسيرته المهنية في الجيش

تخرج رن تشنغ فاي من الكلية في عام 1968، وفور تخرجه، تم تعيينه في الكتيبة 304 لفيلق هندسة البنية التحتية في إنشون، وشارك في بناء مصنع الطائرات لقاعدة 011. في عام 1974، تم تجنيد رن تشنغ في الجيش، وانضم إلى فيلق هندسة البنية التحتية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني.

عمل رن تشنغ فني ومهندس في الجيش، وعمل في عمليات الأتمتة في الصناعة الكيماوية، وخلال خدمته في الجيش، تدرس كتابات الزعيم الصيني ماو تسي تونج، وفي عام 1978، وعندما كان يبلغ من العمر 33 عامًا، انضم إلى الحزب الشيوعي الصيني، وذلك بعدما كان ممنوعًا من الانضمام إلى الحزب؛ بسبب الخلفية الاجتماعية لوالديه، وعمل والده لصالح الحكومة القومية.

في عام 1982، أعلنت حكومة الصين الشعبية تقليص حجم العيش وضبط نظامها العسكري والاقتصادي، لذا نقل رين إلى قاعدة بحثية علمية، وأنهى مسيرته العسكرية بعد 11 عامًا.

مسيرته المهنية بعد ترك الجيش

ترك رن تشنغ فاي الجيش في بداية الثمانينات، وانضم إلى مجموعة شينزين الجنوبية للنفط، إلا أنه لم يتحمل البيروقراطية في الشركة، وفي العام التالي، تم تعيينه نائبًا للمدير العام لشركة إلكترونيات مملوكة لمجموعة شينزين.

واجه رن تشنغ صعوبات مادية عدة، حيث تعرض للسرقة من قبل رجل أعمال، كما أن راتبه كان أقل من 100 يوان، لذا استقال من الشركة، وطلق زوجته بعد الاستقالة، وانتقل للعيش في منزل صغير جدًا مع والديه وأنباء أخيه.

قصة تأسيس شركة هواوي

في عام 1987، قرر رن تشنغ هواي، البالغ من العمر 43 عامًا، تأسيس شركة هواوي التي عملت في البداية في بيع الأدوات الصناعية، إلا أن الشركة لم تحقق نجاحًا كبيرًا.

في وقت لاحق، تمكنت الشركة من تحقيق أرباح من خلال بيع مفاتيح التحكم الكهربائية، واستمر في تجميع المنتجات وقيادة فريق للبحث والتطوير، وخلال الفترة الأولى من الشركة، كان يعيش ويأكل في المصنع مع موظفيه.

بحلول عام 1993، قرر رن تشنغ فاي دخول مجال الهواتف العامة والاتصالات، وانتقل لشركته إلى هونغ كونغ، وعمل على اكتساب المواهب والمبتكرين لشركته، وسعى لترسيخ أيدولوجية الحزب الشيوعي الصيني في إدارة شركته.

في نهاية التسعينات، بدأت شركة هواوي سلسلة من الاستحواذات على شركات كبرى، وبداية من الألفينات، بدأت هواوي التوسع نحو الأسواق العالمية، وقامت بتصدير معدات الاتصالات إلى دول مثل الهند وروسيا، وركزت على توفير حلول اتصالات منخفضة التكلفة لدول العالم النامي.

في الوقت الحالي، أصبحت الشركة تزاول أعمالها في أكثر من 170 دولة حول العالم، وتوظف حوالي 180 ألف موظف. في عام 20147، حققت الشركة إيرادات سنوية بلغت 92.5 مليار دولار أمريكي.

وفي النصف الأول من 2024، حققت هواوي إيرادات بقيمة 4175 مليار يوان صيني، مع زيادة سنوية بنسبة 34.3%، وهامش ربح بنسبة 13.2%، لتؤكد الشركة، تحت قيادة رن تشنغ فاي، أنها قادرة على مواصلة النجاح، رغم العقوبات والتحديات والضغوطات الأمريكية.

أزمة هواوي مع الولايات المتحدة

واجهت شركة هواوي، بقيادة رن تشنغ فاي، العديد من التحديات والعقبات منذ تأسيسها، إلا أن رن  تشنغ نجح من مواجهة تلك التحديات بحكمة وذكاء، بل والاستفادة منها كذلك.

كانت من أكبر الأزمات التي واجهت الشركة الأزمة الجيوسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 2019، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على شركة هواوي، واتهمتها بأنها تشكل خطرًا على الأمن القومي؛ بسبب علاقاتها المزعومة بالحكومة الصينية.

تضمنت العقوبات منع الشركة من الوصول إلى التقنيات الأمريكية، ومنها نظام التشغيل أندرويد الخاص بشركة جوجل، كما تم إدراج الشركة في القائمة السوداء، ومنعت من التعامل مع العديد من الموردين حول العالم.

واجهت الشركة بعدها ضغوطًا متزايدة في أسواق مثل أستراليا وكندا وبريطانيا، كما تم حظر استخدام معداتها في بناء شبكات الجيل الخامس. ورغم تلك التحديات، قرر رن تشنغ فاي أن يواصل البحث والتطوير في الشركة للبقاء في المنافسة رغم العقوبات، وأنفقت الشركة مليارات الدولارات على تطوير تقنياتها، وأصبحت من بين أكبر الشركات استثمارًا في البحث العلمي.

طورت الشركة كذلك نظام تشغيل خاص بها اسمه هارموني أو إس لتقليل اعتمادها على شركة جوجل، كما تحولت إلى التركيز على الأسواق الآسيوية والإفريقية، وهو ما عزز مكانتها كشركة رائدة توفر حلول اتصالات منخفضة التكلفة.

استثمرت الشركة في تقنيات المستقبل مثل الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي والجيل الخامس، وقدمت هواتف ذكية بمواصفات تقنية عالية وأسعار تنافسية.

ثروة رن تشنغ فاي مؤسس هاواوي

في عام 2022، قدرت فوربس ثروة رجل الأعمال الصيني رن تشنغ فاي بحوالي مليار دولار أمريكي. يشغل رن تشنغ منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، وأحد الرؤساء التنفيذيين الثلاثة المتناوبين.

يمتك رن تشنغ 1.42% من أسهم هواوي، والتي كانت قيمتها في عام 2010 تقدر بحوالي 450 مليون دولار. في عام 2011، دخل رين قائمة فوربس للأثرياء بثروة بلغت 1,1 مليار دولار، واحتل المرتبة 1056 حول العالم، والمرتبة 92 في الصين، في عام 2021، احتل رن تشنغ المرتبة 2378 في قائمة أثرياء العالم بثروة بلغت 1,3 مليار دولار أمريكي.

جوائز وتكريمات

خلال مسيرته المهنية، تم تصنيف رن تشنغ فاي في العديد من قوائم رواد الأعمال حول العالم. في عام 2000، صنفته مجلة فوربس في المركز الثالث بين أغنى 50 شخصا في الصين، وفي عام 2005، صنفته مجلة تايم في قائمة أكثر من 100 شخص تأثيرًا في العالم. في عام 2018، تم اختياره كواحد من بين 100 رائد أعمال خاص متميز خلال 40 عاماً.