راي داليو.. الرجل الذي غيّر قواعد الاستثمار في العالم

من مستثمر مبتدئ إلى واحد من أهم الشخصيات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، إنه المستثمر ورجل الأعمال الأمريكي راي داليو، مؤسس ومدير صندوق التحوط "بريج ووتر أسوشيتس"، الذي تم إدراجه كأكبر صناديق التحوط في العالم. امتلك داليو رؤية ثاقبة في الأسواق المالية، وقد تمكن من وضع أسس قوية لتحليل الأسواق والسياسات المالية، في السطور التالية تعرف على رحلته وقصة صعوده من مستثمر بسيط إلى واحد من أبرز المستثمرين في العالم.

من هو راي داليو؟

ريموند توماس دالي، هو مستثمر ورجل أعمال أمريكي، ومدير صندوق بريج وتر أسوشيتس للتحوط، ولد في 8 أغسطس عام 1949 في مدينة نيويورك، ويعد من أهم المستثمرين في العالم.

بدأ داليو مسيرته في عالم الاستثمار في سن مبكرة، حيث كان مهتمًا بشراء الأسهم، وزاد اهتمامه بالأسواق المالية بمرور السنوات، وهو ما دفعه لدراسة التمويل في الجامعة، وإكمال دراسته العليا في إدارة الأعمال.

في منتصف السبعينات، أسس داليو شركته الخاصة "بريج ووتر أسوشيتش"، وكانت شقته في نيويورك أول مقر لشركته، وسرعان ما أصبحت واحدة من أكبر صناديق التحوط في العالم.

اعتمد داليو في منهجيته على تحليل الأسواق بناء على العلاقات الاقتصادية الكبرى، مثل الديون والإنتاج والتضخم، وأسلوبه ذلك جعل شركته تتحكم بمليارات الدولارات، وتحقق أرباحًا ضخمة حتى في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية.

يُعرف داليو بفلسفته القائمة على مبدأ الشفافية الجذرية، حيث يشجع الموظفين على التعبير عن آرائهم، وإجراء مناقشات مفتوحة، وقد ألف كتابه "المبادئ" الذي أصبح مرجعًا في عالم الأعمال.

حقق داليو خلال مسيرته نجاحات استثمارية ضخمة، وكان له دور مهم في تحليل الأزمات المالية العالمية، ومنها الأزمة العالمية عام 2009، والآن يعد واحد من أغنى وأشهر رجال الأعمال في العالم.

نشأته وتعليمه

ولد راي داليو في مدينة نيويورك، وانتقلت العائلة إلى مانهاست عندما كان في الثامنة من عمره. والده كان عازف موسيقى جاز اسمه مارينو داليو، أما والدته آنا فكانت ربة منزل، وهو من أصول إيطالية.

عمل داليو في طفولته في وظائف مختلفة، مثل توزيع الصحف، وإزالة الثلوج، وجز العشب، وحامل عصا في ناد للجولف، وقد تعرف خلال ذلك على رجل الأعمال جورج ليب، ثم حصل على وظيفة في شركته التجارية.

وقد كان مهتمًا منذ طفولته بالاستثمار، فقد بدأ أول استثمار له في سن الثانية عشرة، واشترى سهم في شركة نورث إيست إيرلاينز مقابل 300 دولار، وضاعف استثماره 3 مرات، وبحلول دراسته في الثانوية، تمكن من بناء محفظة استثمارية تبلغ عدة آلاف من الدولارات.

عزز داليو من معرفته المالية لدراسته التمويل في جامعة لونغ آيلاند، ثم أكمل الدراسات العليا، وحصل على درجة الماجستير في كلية هارفارد للأعمال عام 1973.

زوجته وعائلته

تزوج راي داليو من سيدة اسمها باربرا، وهي من عائلة النحاتة الأمريكية جيرترود فاندربيلت ويتني، ولديه منها 4 أبناء. وفي ابنه الأكبر ديفون عام 2020 في حادث سيارة عن عمر 42 عامًا، أما ابنه الثاني بول داليو فهو مخرج أفلام.

قصة نجاح راي داليو

بدأ راي داليو شراء الأسهم منذ سن 12 عامًا، وتمكن خلال المرحلة الثانوية من تحقيق ثروة تقدر بآلاف الدولارات بفضل استثماراته المختلفة في الأسهم. واصل في الكلية شراء وبيع الأسهم، وانجذب خلال تلك الفترة بالعقود الآجلة للسلع الأساسية، والذي اكتشف أنه يمكنه تحقيق ربح أكبر من خلالها.

بعد تخرجه من الكلية، أنشأ داليو شركته للتحوط Bridgewater Associates، والتي بدأها ككيان صغير يهدف إلى تداول السلع الأساسية، إلا أن تجربته الأولى لم تؤتي ثمارها.

انتقل داليو بعدها إلى ولاية كنيتيكت، ثم عمل في قاعة بورصة نيويورك للأوراق المالية، وتاجر في العقود الآجلة للسلع الأساسية، كما عمل كمدير للسلع الأساسية في شركة دومينيك آند دومينيك المحدودة، ثم أصبح تاجرًا للعقود الآجلة ووسيطًا في شركة شيرسون هايدن ستون للأوراق المالية.

عمل داليو على تقديم المشورة للمزارعين ومربي الماشية، ولكنه طرد من وظيفته بعدما لكم مديره في الشركة وهو مخمور.

تأسيس شركة Bridgewater Associates مرة أخرى

تمكن راي داليو من اكتساب عدد كبير من العملاء خلال عمله في شركة شيرسون هايدن ستون، وذلك رغم سلوكه العدواني، وبعد طرده من الشركة أسس شركته الخاصة Bridgewater Associates، وتحول الكثير من العملاء في الشركة القديمة إلى عملاء في شركته.

كانت الشركة في البداية مقرها شقته في مدينة نيويورك، وبدأها كشركة استشارية للثروات، وقدم خدماته للعديد من العملاء من الشركات، وتخصص بشكل أساسي في تقديم المشورة في العملات وأسعار الفائدة.

جاءت انطلاقته الحقيقية حينما أصبحت شركة ماكدونالدز أحد عملاء شركته، لتبدأ الشركة في النمو سريعًا، ووقع مع عملاء أكبر منها صناديق التقاعد للبنك الدولي وغيرها.

في الثمانينات، افتتحت شركته مكتبًا في كونيتيكت، وبدأ في اكتساب شهرة أخرى بعدما حقق ربحًا كبيرًا من انهيار سوق الأوراق المالية عام 1987، وبعدها ظهر في برنامج "أوبرا وينفري" لتزداد شهرته في عموم أمريكا.

بحلول عام 2005، أصبحت شركته أكبر صندوق تحوط في العالم، وخلال تلك الفترة لم تخسر الشركة أكثر من 4%، كما تجنبت شركته انهيار سوق الأسهم في عام 2008، بل ارتفعت قيمة الصندوق.

ثروة راي داليو

في عام 2015، قدرت مجلة فوربس ثروة راي داليو بنحو 15.4 مليار دولار، وأصبح حينها ثاني أغنى مدير لصندوق التحوط بعد جورج سوروس.

في عام 2018، كشفت الصحف الأمريكية بأنه حصل على 2% كتعويض عن العام، بعدما حقق صندوقه عائدًا بنسبة 14.6%. في عام 2022، قدرت مجلة فوربس ثروته بنحو 20 مليار دولار، واحتل المرتبة 88 على قائمة المليارديرات، والمرتبة 36 في قائمة أثرياء أمريكا.

في يناير من العام نفسه، أفاد بلومبرج بأن صافي ثروته بلغ 15.7 مليار دولار، وأصبح في المرتبة 123 في تصنيف بلومبرج للأثرياء حول العالم.  في عام 2024 قدرت فوربس ثروته بحوالي 14 مليار دولار، ويحتل المرتبة 155 في قائمة أثرياء العالم.

كتاب المبادئ راي داليو

في عام 2011، ألف راي داليو كتاب "المبادئ" وهو كتاب يعكس فيه فلسفته الشخصية والمهنية التي ساعدته على بناء شركته، والكتاب مقسم إلى قسمين، وهما "المبادئ الشخصية"، والمبادئ العملية"، ويستعرض المبادئ الأساسية التي شكلته حياته.

في قسم المبادئ الشخصية، تناول داليو مجموعة من الأفكار حول كيفية تحقيق النجاح في الحياة، وأكد على مبدأ "الشفافية الجذرية والصدق التام" في العلاقات المهنية والشخصية، ويرى أن مواجهة الحقائق هي السبيل الوحيد للتعلم والتطور.

ركز كذلك على أهمية التفكير المنظم واتخاذ القرارات بناء على بيانات وتحليل منطقي بدلًا من الانقياد للعواطف والافتراضات.

أما في قسم المبادئ العلمية، فقد قدم رؤيته حول كيفية إدارة المؤسسات والشركات بكفاءة، وأهمها مبدأ "الفكر الميريتوقراطية" والتي تعني أن الأفكار يجب أن تقيم بناء على قيمتها الحقيقية بغض النظر عن مصدرها، لذا كان يجري مناقشات صادقة ومنفتحة داخل فرق العمل.

شدد كذلك  على ضرورة بناء أنظمة وتطوير هياكل تنظيمية تسهل اتخاذ القرار، لذا عرض تجربته في تطوير "بريج ووتر" لتصبح بيئة تعتمد بشكل أساسي على التحليل البياني والمنهجي.

أصبح كتاب المبادئ من أهم كتب راي داليو، ومرجعًا في عالم الأعمال، وحصل على إشادة واسعة من خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال، ووصف بأنه دليل شامل يساعد القادة على اتخاذ قرارات أكثر استنارة.