يعد الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم من أشهر الفلاسفة في العصر الحديث في أوروبا، وقد ركزت فلسفته بشكل أساسي على رفض فكرة أن العقول البشرية نسخة مصغرة من العقل الإلهي، كما عرف برفضه للأديان كدليل على وجود الله.
عرف هيوم في البداية كمؤرخ، وقد ألف كتابًا عن تاريخ بريطانيا يعد مرجعًا ووثيقة تاريخية مهمة، ثم ركز العلماء على كتاباته الفلسفية فيما بعد ووصفوه بأنه أهم المفكرين خلال عصر التنوير حيث اشتهر بفلسفته التجريبية، تعرف أكثر على فلسفته وحياته.
من هو ديفيد هيوم؟
هو فيلسوف ومفكر ومؤرخ وكاتب اسكتلندي ولد في 7 مايو عام 1711 في إدنبرة باسكتلندا ويعد من أشهر الفلاسفة والمفكرين الذين أثروا بشكل كبير في الفلسفة التجريبية والطبيعية.
أكد هيوم في فلسفته أن المعرفة تأتي من التجربة فقط وأن العقل لا يمكنه معرفة أي شيء بشكل مستقل عن التجربة الحسية، كما أنه عرف بنقده للأديان وخاصة المسيحية والكتاب المقدس.
اهتم هيوم كذلك بالأخلاق وقد قدم نظرية أخلاقة مبنية على مفهوم السعادة وقد أثرت أفكاره وفلسفته على الكثير من الفلاسفة والمفكرين الذين جاءوا من بعده، وقد ترك إرثًا مهمًا في مجالات مختلفة منها اللاهوت وفلسفة العلم والنفعية والفلسفة التحليلة والعلوم المعرفية والكثير من المجالات الأخرى.
حياة ديفيد هيوم ونشأته
ولد ديفيد هيوم في إدنبرة وقد توفي والده عندما كان يبلغ من العمر سنتين فقط وتولت والدته تربيته مع أشقائه ولم تتزوج بعد وفاة زوجها مطلقًا، وقد عاش في عائلة فقيرة إذ لم تمتلك أسرته سوى القليل من أجل العيش.
التحق هيوم بجامعة إدنبرة في سن مبكرة، وقيل إنه التحق بالجامعة في سن 12 سنة أو10 سنوات، في وقت كان السن النموذجي للالتحاق بالجامعة 14 عامًا، ودرس فيها الفيزياء التي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم "الفلسفة الطبيعية"، كما أنه تعلم الأدب الكلاسكي اللاتيني.
عمل هيوم بالتجارة لفترة ولكنه تركها وفضل السفر وتنقل بين عدة مدن أوروبية منها باريس ولندن وخلال رحلاته توضحت له أفكاره واتجاهاته الفلسفية وألف عدة كتب على شكل أبحاث علمية.
مسيرته المهنية
عمل ديفيد هيوم في التجارة لفترة ولكن يرقه هذا المجال لذا بدأ رحلاته في أووربا وخلال رحلة له إلى لندن تعرف على الفيلسوف الاسكتلندي هتشسون، الذي كان وقتها أستاذًا للفلسفة في جامعة غلاسكو، وتأثر به كثيرًا.
عمل هيوم فيما بعد سكرتيرًا لدى الجنرال سانت كلير وقد سافر معه في رحلات دبلوماسية لعدة مدن أوروبية، وخلال هذا الوقت فشل أكثر من مرة من الحصول على وظيفة أستاذ للفلسفة في جامعة غلاسكو.
تمكن هيوم فيما بعد العمل كمحافظ مكتبة كلية المحامين في جامعة أدنبرة وقد مكنت له هذه الوظيفة الاطلاق على الكتب والسجلات التي ساعدته على تأليفه كتابه الشهير عن تاريخ إنجلترا.
شغل هيوم كذلك منصب سكرتير السفارة الإنجليزية في باريس، وخلال شغله هذه المهنة تعرف على أهم الفلاسفة هناك، كما أنه عمل فيما بعد وكيلًا للوزارة ثم عاد إلى إدنبرة وبقي فيها حتى وفاته.
هل ديفيد هيوم ملحد؟
لم يصف هيوم نفسه بأنه ملحد، ولكن يصفه الكثيرون بأنه ملحد وخاصة بسبب كتاباته التيقدم العديد من الأدلة والحجج القوية ضد وجود الله في كتابه "محاورات في الدين الطبيعي" وقد تضمن الكتاب شكوكه في صحة النصوص الدينية.
يعتقد هيوم أن الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام مشتقة من الديانات الشركية القديمة، ويثني على التعددية الآلهية، مشيرًا إلى عدم اعتقاده بالتوحيد الإلهي وقبوله لكل التصورات حول الخالق بغض النظر عن مصدرها.
عارض هيوم الكثير من الفلاسفة الذين رأوا أن التنظيم المعقد للكون هو حجة قوية للتأكيد على وجود خالق، بينما رأى أنه يجب إيجاد أدلة مثبتة من خلال التجربة والملاحظة.
بالإضافة إلى ذلك يعتبر أن النظام الموجود في الكون قد يكون نتيجة تبادل الجسيمات بشكل صدفي في نظام ذاتي الاستدامة، دائمًا أو مؤقتًا، مما يعطيه مظهر التصميم، ويرى أن هذه المقاربة كانت منطلقًا لداروين بعد فترة زمنية، عندما قدم نظريات بشرية تفسر نشأة الكون.
انكر هيوم أيضصا وجود المعجزات ورأى أنه لا يوجد أي أدلة عليها، كما شكك في شهادة الأشخاص الذين بلغوا عن المعجزات ورأى أنهم يكذبون ولديهم أسبابًا للقيام بهذا
نظرية المعرفة عند ديفيد هيوم
تأثر أفكار وفلسفة ديفيد هيوم الأخلاقية بشكل كبير بناء على مواقفه الإلحادية ورأيه في الدين والمعجزات، فقد عارض معظم الفلاسفة الأخلاقيين الذين آمنوا بأن العفل هو مصدر المعرفة الأخلاقية، كما عارض الفلاسفة الذين آمنوا أن المعرفة مصدرها الوحي الإلهي أو الضمير.
ورأى هيوم أن المعرفة الأخلاقية تنبع من العواطف والإنفعالات ولا يمكن للعقل أن يكون دافعًا لأي عمل من أعمال الإرادة ولا يمكن للعقال وحده أن يعارض العاطفة.
وقد قسم هيوم الانطباعات إلى قسمين، انطباعات الإحساس، وهي التي تنشأ في النفس دون أسباب واضحة، وانطباعات التفكير التي تنجم عن الأفكار.
المنهج التجريبي عند ديفيد هيوم
اعتمد ديفيد عن التجربة الحسية كمصدر أساسي للمعرفة فقد رأى أن الأفكار تنبع من الانطباعات الحسية التي يستقبلها الإنسان من العالم الخارجي، فمثلًا يرى أن الإحساس بالحرارة يولد فكرة الحرارة.
يرى هيوم أيضًا أن الأفكار لا تنشأ بشكل عشوائي بل ترتبط ببعضها البعض من خلال علاقات مختلفة مثل السببية والتشابه، كما يرى أنه يمكن استنتاج وجود علاقة سببية بين الظواهر من خلال ملاحظة تكرار هذه الظاهرة.
وبناء على منهجه التجريبي انتقد هيوم إمكانية معرفة الحقائق المطلقة عن العالم الخارجي مثل وجود الله لأنها لا تستند على تجارب حسية مباشرة، كما أنه رأى أن مفهوم السببية ليس مفهومًا عقلانيًا بل هو مجرد اعتقاد ناتج عن عادة ربط ظاهرة بأخرى، كما أنه ربط الأخلاق بالعواطف والمشاعر ورفض فكرة وجود قوانين أخلاقية مطلقة.
أثرت فلسفة هيوم بشكل كبير على الفكر الغربي، وقد ساهمت أفكاره وفلسفته في تطوير المدرسة التجريبية، كما أثرت أفكاره على فلاسفة لاحقين منهم إيمانويل كانط.
ماذا قال ديفيد هيوم عن الحواس؟
لعبت الحواس دورًا مركزيًا في فلسفة ديفيد هيوم، فقد رأى أن الحواس هي المصدر الأساسي للمعرفة وأنها نافذة الإنسان للتعرف على العالم الخارجي مثل الأشكال والأصوات والروائح والألوان وغيرها.
رأى أيضًا أن الانطباعات الحسية هي الأساس للمعرفة وهي التي تشكل أفكارنا ومعتقداتنا، ولكنه لا يؤمن أنها معصومة من الخطأ، فيمكن للحواس أن تخدع الإنسان في بعض الأحيان. يرى أيضًا أن الأفكار تنشأ من خلال الانطباعات الحسية وتكرارها وترابطها مع بعضها البعض.
مرضه ووفاته
في الأشهر القليلة التي سبقت وفاته كتب ديفيد هيوم مقالًا مختصرًا عن سيرته الذاتية، وكان خلال هذا الوقت يعاني من أحد أنواع سرطان البطن وقد توفي في 25 أغسطس عام 1776 في إدنبرة.
أوصى هيوم بأن يتم دفنه في الركن الجنوبي الغربي من ميدان سانت أندرو وقد تسمية الشارع الذي دفن فيه على اسمه.