ديفيد لينش.. عبقري السينما السريالية في هوليوود

يعد المخرج الأمريكي ديفيد لينش واحد من عباقرة وأساطير السينما في هوليوود، فقد اشتهر بأعماله التي مزج فيها بين السريالية والواقعية، واستطاع تحويل أفكاره الغريبة إلى أعمال فنية حققت نجاحًا كبيرًا، حيث اتسمت أعماله بالغموض والأجواء المظلمة، وهو ما جعله يحظى بجمهور واسع من عشاق السينما، في السطور التالية تعرف على مسيرته الفنية وحياته.

من هو ديفيد لينش؟

ديفيد كيث لينش، هو مخرج وموسيقي وفنان تشكيلي وممثل أمريكي، ولد في 20 يناير عام 1946 في مونتانا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو واحد من أبرز صناع الأفلام السريالية في هوليوود.

على مدار 50 عامًا، قدم لينش أفلام سريالية تشبه الأحلام، وقد حصل على العديد من الجوائز والأوسمة، ومنها جائزة أوسكار الفخرية عام 2019 عن مجمل أعماله، ووُصف بأنه أهم صناع السينما في عصره.

وبجانب الإخراج، يعد لينش فنانًا متنوعًا، فهو ممثل ورسام وموسيقي، وشارك بنشاط في المشاريع الإنسانية المختلفة من خلال مؤسسته الخاصة لنشر فوائد التأمل التجاوزي.

نشأته وتعليمه

ولد المخرج ديفيد لينش في ولاية مونتانا، والده كان يعمل باحثًا في وزارة الزراعة الأمريكية، أما والدته كانت معلمة لغة إنجليزية، وعائلته من أصول فنلندية سويدية، وقد نشأ في عائلة مشيخية بروتستانية متينة.

تنقل لينش في طفولته إلى عدة مدن أمريكية؛ بسبب عمل والده في وزارة الزراعة، وكان لكثر التنقل أثر كبير على حياته، حيث كان عليه دائمًا أن يبني علاقات وصداقات جديدة كل مدرسة جديدة يلتحق به.

اهتم لينش في طفولته بالرسم والتلوين، كما كان يحضر الكشافة بانتظام مع مدرسته، لكنه لم يكن طالبًا متفوقًا أكاديميًا، وكان يرى أن المدارس "جريمة في حق الأطفال والشباب" كونها لا تشجع على الإبداع والابتكار.

في عام 1964، التحق ديفيد لينش بمدرسة متحف الفنون الجميلة في بوسطن، إلا أنه غادر المدرسة بعد عام واحد، وبعدها انتقل إلى سالزبورغ دراسة الرسم والفنون التشكيلة، إلا أنه عاد بعد أسبوعين فقط في أوروبا.

بعد العودة، انتقل إلى فيلادلفيا، والتحق بأكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة، وفي المعهد بدأت ابتكاراته في الفنون التشكيلة، ثم دخل مجال السينما.

زوجات ديفيد لينش وعلاقاته العاطفية

كان لدى المخرج ديفيد ينش العديد من العلاقات العاطفية الطويلة. تزوج لينش لأول مرة من زميلته في الدراسة بيجي ريفي عام 1967، ورزق منها بابنته الأولى جينيفر، والتي أصبحت مخرجة أفلام مثل والدها، وقد انفصل عن زوجته الأولى عام 1974.

في عام 1977، تزوج للمرة الثانية من ماري فيسك، ورزق منها بابن واحد وهو أوستن جاك لينش المولود عام 1982، وانفصل عن زوجته عام 1987.

بعد الطلاق، بدأ علاقة مع الممثلة إيزابيلا روسيليني، وعاشا معًا لعدة سنوات حتى عام 1991. في عام 1992، رزق بطفله الثالث رايلي سويني لينش من حبيبته ماري سويني، والتي كانت تعمل معه محررة ومنتجة أفلام، وقد تزوج من سويني عام 2006، إلا انفصلا في العام نفسه.

في عام 2009، تزوج لينش للمرة الرابعة من الممثلة إميلي ستوفل، ورزق منها بطفلة واحدة اسمها لولا لويجينيا لينش ولدت عام 2012، وقد انفصلا رسميًا في عام في ديسمبر 2024.

بداية مسيرته المهنية

بدأ المخرج ديفيد لينش مسيرته المهنية بالعمل في طباعة النقوش عام 1967 من أجل إعالة عائلته، وفي تلك الفترة، صنع أول فيلم قصير له ، Six Men Getting Sick، وهو فيلم رسوم متحركة قصير صنعه ديفيد لوحده، وأنفق 150 دولارًا لإتمامه.

حصل ديفيد على جائزة مالية من أكاديمية الفنون الجميلة التي كان يدرس فيها بسبب هذا الفيلم، وبعدها تلقى عروضًا للمشاركة في إنتاج أفلام قصيرة بالرسوم المتحركة، وبعدها أنتج فيلمًا قصيرًا مزج فيه بين الرسوم المتحركة والحركة الحية، وكان الفيلم بعنوان "الأبجدية"، وقد استوحى فكرة الفيلم من حلم لابنة أخت زوجته التي كانت تحلم بالحروف الأبجدية في نومها.

قرر لينش إرسال نسخة الفيلم إلى معهد الفيلم الأمريكي، وقد أعجب المعهد بالفكرة، وقرر تمويل العمل، وأنتج المعهد فيلمًا جديدًا للينش بعنوان The Grandmother، وقد برز في هذا الفيلم ملامح السريالية في أعماله.

في عام 1970، وبعد نجاح فيلمه القصير، انتقل ديفيد لينش مع عائلته إلى لوس أنجلوس، وهناك بدأ دراسة صناعة الأفلام في معهد الفيلم الأمريكي، وحينها أنتج فيلمه الجديد Gardenback.

أهم أعمال ديفيد لينش

في عام 1977، أخرج ديفيد لينش واحد من أشهر أعماله على الإطلاق، وهو العمل الذي رسخ اسمه كأبرز مخرجي الأعمال السريالية في هوليوود، وهو فيلم Eraserhead، وهو أول فيلم روائي طويل له، ويدور الفيلم في إطار سريالي غامض عن رجل اسمه نبر سبنسر يعاني من كوابيس ورؤى غريبة أثناء محاولة رعاية طفله المشوه.

أصبح هذا الفيلم من أبرز الأعمال في السينما المستقلة، وحقق شهرة واسعة بسبب أسلوبه الفريد، واعتر الفيلم أحد أفضل الأفلام السريالية على الإطلاق.

في عام 1980، أخرج ديفيد لينش فيلم The Elephant Man، وهي دراما إنسانية تروي قصة رجل مشوه في العصر الفكتوري يعاني من الاضطهاد، وقد ترشح الفيلم لـ8 جوائز أوسكار، منها أفضل مخرج وأفضل فيلم، ورسخ الفيلم مكانة لينش في هوليوود.

في عام 1986، أخرج لينش فيلم Blue Velvet، وتناول الفيلم الجانب المظلم للحياة في الضواحي الأمريكية، ويكشف عن الجرائم والأسرار الغريبة فيه، وترشح الفيلم لجائزة أوسكار أفضل مخرج، وحصل على عدة جوائز في مهرجانات دولية.

في عام 1990، أخرج فيلم Wild at Heart، ويروي الفيلم قصة عاشقان قررا الهرب من ماضيهما، ويواجهان عدة مواقف عبثية وعنيفة، وحصل الفيلم على جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي.

في عام 1997، أخرج فيلم Lost Highway، وهو فيلم سريالي يحكي قصة عازف ساكسفون متهم بجريمة قتل، ويعد الفيلم من أكثر أفلام لينش إثارة للجدل وغموضًا. في عام 2001، أخر فيلم Mulholland Drive، وهو فيلم سريالي دمج فيه بين الحلم والواقع، ووصف الفيلم بأنه تحفة فنية، وترشح لعدة جوائز منها أفضل مخرج في مهرجان كان وأوسكار.

فيلم ديفيد لينش الأخير كان في عام 2006، وهو فيلم Inland Empire، وهو فيلم ثلاثي الأبعاد مدته 3 ساعات يحكي قصة ممثلة تنغمس في واقع غير مستقر أثناء تصوير الأفلام، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا.

جوائز وتكريمات

حصل المخرج ديفيد لينش خلال مسيرته على العديد من الجوائز، ومنها جائزة السعفة الذهبية عن فيلم Wild at Heart عام 1990، وجائزة مهرجان كان أفضل مخرج عن فيلم Mulholland Drive عام 2001، وحصل على جائزتي سيزار، وجائزة أوسكار الفخرية عن مجمل أعماله 2019.

ترشح لينش لجائزة الأوسكار 4 مرات، كما حصل على جائزة بافتا أفضل تصميم إنتاج عن فيلم The Elephant Man.

مسلسل ديفيد ينش

أخرج ديفيد لينش عدة أعمال تلفزيونية، منها النسخة التلفزيونية من فيلمه Mulholland Drive، كما أنه ركز على إخراج المسلسلات الجديد  التي عرضت على موقعه الإلكتروني davidlynch.com بداية من عام 2001. ومن أعماله التلفزيونية سلسلة Rabbits.

كتب ديفيد لينش

نُشر كتاب ديفيد لينش الأول عام 2006، وهو كتاب قصير اسمه "اصطياد السمكة الكبيرة: التأمل والوعي والإبداع" وفيه تحدث عن عملياته الإبداعية وقصص من حياته المهنية، وتحدث عن ممارسته للتأمل التجاوزي.

نشرت مذكرات ديفيد لينش أيضًا Room to Dream، بالتعاون مع الصحفية كريستين ماكينا، وهو كتاب يجمع فيه بين السيرة الذاتية والمذكرات.

مرض ديفيد لينش ووفاته

عانى ديفيد لينش من انتفاخ في الرئتين بسبب التدخين، وقد تحدث عن حالته الصحية في أغسطس 2024، حيث أكد أن قدراته على الحركة تأثرت بسبب رئتيه، ويعاني من ضيق التنفس، لكنه أجرى فحوصات طبية، وأكد الأطباء أنه بخير ما عدا رئتيه.

وفي 15 يناير 2025، أعلنت عائلته عن وفاته في منزله، ولم تتحدث عن أسباب الوفاة، وقد توفي ديفيد لينش عن عمر 78 عامًا.