حوار مع الحاخام إلحنان ميلر.. "أهل الكتاب" - قناة تجمع المسلمين باليهود

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: الإثنين، 11 يناير 2021
حوار مع الحاخام إلحنان ميلر.. "أهل الكتاب" - قناة تجمع المسلمين باليهود

كيف بدأت بمشروعِ "أهل الكتاب"؟

إلحنان ميلر: انطلق مشروع الفيديو في تموز/يوليو من عام 2017حين عثرتُ أخيراً على استديو للرسومِ المتحركةِ وجدتُ أنّه يقدّمُ أفضل الإمكانيات للتعليمِ عبر القصصِ المصورةِ. شعرتُ أنّ المطلوبَ هو طريقة ناعمة للتعاملِ مع العالمِ العربي والمسلمِ. ففي النهايةِ، هناك شيء ما في الرسومِ المتحركةِ يجرّد تحفُّظ المشاهدين. للرسومِ المتحركةِ طريقة بريئة في مقاربةِ الأمورِ.

يغلبُ الطابع الفكاهي على رسوماتك المتحركةِ. أظنّ أنّ المزجَ بين الدعابةِ والدينِ لا يعجبُ الجميع؟

الفكاهةُ أساسيةٌ في المشروعِ؛ إنها تسمحُ لنا بالتعاملِ مع قضايا حسّاسة بطريقةٍ تجعلُ الأشخاص يتخلّون عن دفاعاتهم. كما أنّه من المهم جداً أن تكون الفكاهةُ مستنكرة للذات، أو بعبارةٍ أخرى، غالباً ما تجدُ نفسك تضحكُ على نفسك وعلى دينك.

ليس هدفُ المشروعِ السخريةَ من الجانبِ الآخر. فهناك خيطٌ رفيعٌ جداً بين الضحكِ مع أحدهم أو السخريةِ منه، والتي قد تسبّبُ إساءةً. وبالعمل عن كثب مع رسامي الرسومِ المتحركةِ، أحاولُ دائماً استخدام الفكاهةِ لإظهار جانبنا والتعبيرِ عن قضايا يهودية، قد تكون اليهوديةُ أكثر اعتياداً على الجمعِ بين الفكاهةِ والدينِ من الإسلامِ.

وكيف يتفاعلُ المشاهدون؟

كان هناك حالة أو اثنتان تجاوزتُ فيهما عن غيرِ قصدٍ خطوطاً حمراء لدى المشاهدين المسلمين. فعلى سبيلِ المثالِ، في الفيديو الثاني حول الصلاة يوجدُ مشهدٌ يبدأ فيه المؤذّنُ بالأذانِ فتقفزُ قطةٌ من مكانها خوفاً. تلقيتُ العديد من الشكاوى، لأن العديدين شعروا أننا نسخرُ من الأذانِ.

كما اشتكى العديدون حول تصويرِ الأنبياءِ في مقطعِ الفيديو ذاته، الذي يُظهِرُ الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب يؤدّون الصلاة. كانت هذه أخطاء عن جهلٍ، فأنا ببساطةٍ لم أكن أعرف أنه لا يجوز رسم أي نبي من أنبياء الإسلامِ. إنه مثل عملٍ في طورِ الإنجازِ، أتعلمُ من أخطائي ومن ثمّ أتابعُ.

على الجانبِ اليهودي لم يكن هناك أي معارضةٍ تُذكر. ربما أبدى البعضُ شكوكاً حول طريقةِ العرضِ الفكاهيةِ، وما عدا ذلك لم يكن لدى اليهود مشكلة مع رسومي المتحركةِ.

وعلى الجانب العربي؟

أغلب ردود الفعلِ إيجابية. في البدايةِ كان الناس سلبيين بعض الشيء ومرتابين من دوافعي، بيدَ أنّ استقبال الناسِ لمشروعي أصبح أكثر إيجابية مع نموِ المشروع وتطوره. والآن بعد مرور ثلاث سنواتٍ على بداية المشروعِ أصبح أغلب المشاهدين معتادين عليَّ. فقد تعمّدتُ أن أبدأ بمواضيعَ سهلة وبسيطة.

شعرتُ بأنّ الطعام هو من المواضيعِ الأقل إثارة للجدلِ، ولذلك بدأتُ بمقارنةٍ بين طعام الكوشَر (الطعام المحلَّل عند اليهودِ) والطعام الحلال. جميعنا نحبُ أن نتناول الطعامَ، وفعلاً كانت التعليقاتُ فضوليةً ومُحِبَّة للاستطلاع. وبمرورِ الوقتِ، ولا سيما على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، بدأتُ بمعالجةِ موضوعاتٍ أكثر إثارة للجدلِ، وفيها نزاع أكبر بين الإسلامِ واليهوديةِ.

مثل ماذا؟

على سبيلِ المثالِ، فكرة النبوة والطرقُ الخاصة بكل من المسلمين واليهود التي ينظرون بها إلى الأنبياء. كما تطرّقتُ لمسألةِ القدسِ الحساسة والشديدة الجدل سياسياً. وبذلك حاولت شرحَ ما تعنيه القدسُ لليهودِ، إضافةً إلى المكانةِ المقدسةِ التي تحتلّها في الإسلامِ. حتى أنني في السنواتِ الأخيرةِ تناولتُ آيات أو فصولاً في القرآن شعرتُ بأنها قد تكون صعبةً على اليهودِ، أو حيث قد يكون هناك مفاهيم خاطئة حول اليهوديةِ.

والجديد أو الفريد في هذا المشروعِ، أنه يتحدثُ بالعربيةِ من وجهةِ نظرٍ يهوديةٍ. يحتوي الإسلام على الكثيرِ من المعلوماتِ حول اليهوديةِ والمسيحيةِ، بيد أنّ العرب اليوم والمسلمين بشكلٍ أوسع لا يُتاحُ لهم الوصول إلى آراءِ اليهودِ عن أنفسهم إلا بمقدارٍ ضئيلٍ. وهنا تأتي المساهمة الفريدة للمشروعِ، فهو يشرحُ بالعربيةِ كيف نفهمُ أنفسنا وديننا.

وهذا غير مألوف بالنسبةِ للعربِ، ولذلك فإنهم يجدون الأمر صادماً في بعضِ الحالاتِ، وفي حالات أخرى يتفاجؤون. وقد يجدون بعض الأمور مسليةً وبعضها الآخر مشابهاً للإسلامِ. وهذا يعتمدُ على المُشاهدِ.

التشابهات كثيرة بين الإسلامِ واليهوديةِ. هل يُعَلِّق المشاهدون بتعليقات مثل: يا للعجب! لم أكن أعرف أننا نتشابه إلى هذه الدرجةِ؟

ميلر: نعم، هناك الكثير من هذه التعليقات، والتي أستمتعُ بها كثيراً. بيد أنّ هناك تعليقات أخرى حول العقيدةِ الإسلاميةِ والتي تنظرُ إلى أي تناقضٍ بوصفه تهديداً. وتركّزُ هذه التعليقات على الاختلافاتِ: يقولون مثلاً أنّ تقاليدك قد حُرِّفت.

أحاول من خلال مشروعي خلق تنافرٍ معرفي، أو ارتباك إيجابي يؤدي إلى تشجيعِ الفضولِ والمزيد من البحثِ حول المواضيع المطروحةِ وغيرها. ويتفاعلُ الناس مع هذه المعلومات الجديدة بطرقٍ مختلفةٍ. فالبعض يشعرُ بالتهديدِ بسببها ويرفض مباشرةً ما سمعه. بينما يقولُ آخرون، هذا شيء لم أسمعه من قبل، ربما عليَّ أن أبحث وأستقصي بشكلٍ أعمق. وهؤلاء هم الذين تستهدفهم فيديوهاتي.

وماذا عن المشاهدين الذين لا يستطيعون التعاملَ مع الاختلافات؟

إنّ إقناعهم صعب جداً بالنسبة لي. ولكن هناك الكثير من الناس الذين لا توجد لديهم أي معرفة باليهودية ولديهم فضول حقيقي حولها. ولا سيما الآن، في هذه المرحلة من التاريخِ، إذ لا يوجدُ عملياً يهود في الشرق الأوسطِ العربي وفي العالمِ المسلمِ. لم تسنح لهم فرصة مراقبة معنى أن تكون يهودياً في السياق العربي.

كان هناك قديماً كُنُس يهودية ومجتمعات يهودية. وكان للناسِ جيران يهود. وكان هناك الكثير من التفاعل بينهم في العديدِ من الدول، مثل العراق وسوريا واليمن والمغرب وليبيا. وبما أنّ مشاهدي موقعي غالبهم من الشبابِ -وفقاً لإحصاءات قناتي على يوتيوب فإنّ 50% من مشاهدي قناتي تحت سن الـ 35 عاماً- فهناك جيل كامل لم يسبق له الاتصال باليهودِ ومعرفةِ ماهيتهم.

كم عدد المشاهدين لديك ومن أي البلدان هم؟

لديَّ حوالي 80 ألف مشترك على قناتي على يوتيوب و55 ألف متابعٍ على فيسبوك، أي ما مجموعه حوالي 135 ألف متابع. وتحصلُ فيديوهاتي على ملايين المشاهداتِ كل شهرٍ.

ومن المثيرِ للاهتمامِ معرفة من أي البلدان يأتي المشاهدون. على قناة يوتيوب، أغلب المشاهدين هم من المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، يشكّلون 25% تقريباً من المشاهدين. وهذا رقمٌ كبيرٌ مقارنة بالمجموعة التي تليهم، وهي العراق ومصر بنسبة 10% لكل منهما. ولدي بعض النظريات حول أسباب ذلك. وإحدى هذه النظريات أنّ في السعودية لديهم إمكانية كبيرة للوصول إلى الإنترنت ووسائلِ التواصلِ الاجتماعي، بيدَ أنّ المثير للاهتمام أكثر هو أنّ المملكة العربية السعودية هي واحدة من الدولِ القليلة في الشرقِ الأوسطِ التي لم يتواجد فيها مجتمع يهودي لمدة 1400 عام - منذ زمن النبي محمد.

كما أنها بلد محافظ للغاية، ومجتمع متدين. وهذا الاهتمام بالدين مقروناً بالافتقارِ إلى المجتمعِ اليهودي قد أدى إلى تحويل اليهود في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ إلى هذا الشعب الغامض الذي يتحدّث عنه الإسلام كثيراً، بيد أنهم في المملكة لم يُعايشوه مباشرةً في تجربتهم الحياتية.

هل يهدفُ مشروعك إلى تصحيحِ المفاهيمِ الخاطئةِ حول اليهوديةِ في العالمِ العربي؟

أريد تثقيف الجمهور العربي حول اليهودية على أبسطِ المستوياتِ. بيد أنني أريدُ المساهمةَ أيضاً في صنعِ السلامِ. ففي أجندتي السياسيةِ الخاصةِ كنت قد أدخلتُ اللغة الدينية في عمليةِ بناء السلامِ. فاتفاقيةُ أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أدارها في معظمها علمانيون من كلا الجانبين. ومن بين الأسبابِ التي أدت إلى توقف هذه العملية وعرقلتها من قبل معارضيها، أنها لم تتضمن جهات فاعلة دينية ولغة دينية.

ولماذا تعتقدُ أنّ اللغةَ الدينيةَ مفيدة هنا؟

ينبغي على الأقل أن نكون مستعدين لتجربةِ اللغة الدينية في بناءِ السلام. لقد شهدتُ شخصياً بعض الحوار بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين. وقد كان هناك شعور بالتقاربِ مع الفلسطينيين، وهو شعور كان غائباً في أوساط زملائي الإسرائيليين العلمانيين. كان بيني وبين شركائي في الجانبِ الفلسطيني ما يشبه اللغةَ المشتركةَ: فأنا أتحدثُ اللغةَ العربيةَ، وهو أمر غير مألوف أبداً بالنسبةِ ليهودي، كما أنّ لدي تقديراً للعناصرِ الدينيةِ التي يتشاركها المسلمون والعرب. يمكننا تشجيع السلام ودعمه من خلال التجربةِ الدينية المشتركة. بالطبع، لا يمكن لهذا أن يُغْنِي عن العملية السياسيةِ، ولكن يمكن له أن يكمل ويسهَّل إقامة علاقات سلمية أفضل.

إذاً هل هي السياسة أم الدين من يسبب الانقسام؟

أعتقد أن كليهما يسبب ذلك. الصراعُ معقّدٌ للغاية ومن الصعب تحديد إن كانت المحددات سياسية فقط أم دينية فحسب. بالطبعِ، يتعلقُ الأمر في النهايةِ بالأرضِ والأقاليمِ والحدودِ والقضايا السياسية. بيد أنّ التقاليد والتراكمات التي نحملها هي سبب صعوبةِ حل هذه القضايا. كما يتعلقُ ذلك بما تقوله أدياننا عن الطرفِ الآخر ونواياه واعتقاداته وارتباطه بالأرضِ. لا يمكن تجاهل ذلك على أمل أن يختفي بكل بساطة ولا يزعج عملية السلامِ. ينبغي أن يدخل ذلك في لغةِ بناء السلام.

كلما عرفنا بعضنا البعض بشكل أفضل أصبح الطرف الآخر بنظرنا إنساناً أكثر. أكبر عقبةٍ في صنع السلامِ نزع صفة الإنسانيةِ عن الآخر. والدينُ يمكن أن يكون أداةً قويةً تساعدُ في رؤيةِ الآخر على أنه إنسان.

يوجد أيضاً الكثير من خطاب الكراهية في الأديان. هل تناولت هذا الموضوع أيضاً؟

أجريت عدة حواراتٍ مع امرأة مسلمة، اشتركتُ معها في مناقشة بعض القضايا الدينية بعمقٍ. تناولنا بعض الآيات الإشكاليةِ في نصوصنا المقدسةِ، تلك التي تشيطن الآخر أو تسيء تمثيله، أمور نتصارع معها. لا يمكنني أن أتجاهل أنه في تاريخ نزاعنا شكّلت الجهات الفاعلة الدينية والأحزاب الدينية العقبةَ الأكبر على جانبي النزاع.

لكني أعتقد أننا لم نجرب بما يكفي استخدام الدين لتعزيز قيمه الجوهرية الأخرى: السلام والتسامح والتعايش... ندرك جميعنا تمام الإدراك مواطن النزاع والاختلاف. وهدفي هو التركيز على ما نتشاركه ونتشابه به.

حاورته: كلاوديا ميندِه

ترجمة يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة