كان للكاتب الأيرلندي جوناثان سويفت دور مهم في تطور شكل الكتابة الساخرة، حيث يعد من أبرز وأهم الكتاب الساخرين في الأدب الإنجليزي، وسخّر قلمه من أجل فضح الظلم والمعاملة غير العادلة للأيرلنديين على يد الإنجليز، وكانت قصة "رحلات جاليفر" أشهر مؤلفاته التي برز فيها أسلوبه الساخر، تعرف أكثر على حياته ومؤلفاته في هذا المقال.
نبذة عن الكاتب جوناثان سويفت
هو كاتب ساخر ومؤلف وناشر سياسي أيرلندي ولد في 30 نوفمبر عام 1667 في دبلن بأيرلندا ويعد من أشهر من أشهر الكتاب والمؤلفين وأبرز رواد الكتابة الساخرة باللغة الإنجليزية.
عرف سويفت بكتاباته الساخرة بشكل لاذع والتي استخدمها لانتقاد الفساد والمجتمع والنفاق، وقد دافع بكل شجاعة عن الأيرلنديين وانتقد المعاملة السيئة للأيرلنديين من قبل الإنجليز وكرس حياته لفضح الظلم الإنجليزي.
اشتهر سويفت بالعديد من المؤلفات الناجحة والتي لا تزال تُقرأ حتى وقتنا هذا، ومن هذه المؤلفات وأكثرها شهرة رواية "رحلات جوليفر" التي تعد من أهم وأنجح الروايات الساخرة باللغة الإنجليزية.
نشأته وتعليمه
ولد جوناثان سويفت في مدينة دبلن في أيرلندا، وقد توفي والده قبل ولادته بعدة أشهر بسبب مرض الزهري، والذي قيل إنه أصيب به بسبب ملاءات متسخة عندما خارج المدينة.
بعد وفاة والدته عادت والدته إلى إنجلترا وتركته في رعاية عمه جودوين سويفت، وقد تولت إرضاعه مرضعة والتي أخذته إلى مسقط رأسها في وايتهفين في إنجلترا وفيها تعلم قراءة الكتاب المقدس ومكث في هذه المدينة لمدة 3 سنوات، حيث عاد للعيش مع والدته.
نشأ سويفت في عائلة مرتبطة بالأدب والثقافة، فكان الكثير من أقاربه شعراء وكتاب وأدباء منهم الشاعر المسرحي ويليام دافينانت، والكاتب فرانسيس جودوين، الذي تأثر به سويفت كثيرًا خلال كتابة روايته الشهيرة "رحلات جاليفر".
تلقى سويفت تعليمًا جيدًا، فقد درس في كلية كيلكيني مع أحد أبناء عمومته، وكان وقتها يبلغ من العمر 6 سنوات، وتخرج في المدرسة عام 1682 حيث كان يبلغ من العمر 15 عامًا.
التحق سويفت بعدها بكلية ترينيتي في دبلن حيث درس الكهنوت في العصور الوسطى واستمرت دراسته لمدة 4 سنوات، وقد حصل على درجة البكالوريوس عام 1686 ولكنه لم يكن طالبًا متميزًا بل كان طالبًا فوق المتوسط.
كان سويفت يرغب إكمال دراسته والحصول على درجة الماجستير ولكنه اضطر لمغادرة أيرلندا بسبب الاضطرابات السياسية فيها وسافر إلى إنجلترا، وهناك بدأ مسيرته المهنية بالعمل كسكرتير ومساعد شخصي للسير ويليام تيميل، وهو دبلوماسي إنجليزي شهير.
ظل سويفت يعمل لمدة 3 سنوات في هذه الوظيفة ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة أكسفورد، وبعدها تم تعيينه في أبرشية كونور. وفي عام 1700 حصل على درجة الدكتوراه في اللاهوت من كلية ترينتيتي في دبلن وقد عمل في الكنيسة معظم حياته.
آراؤه وتوجهاته السياسية
كان جوناثان سويفت نشطًا بشكل متزايد في المجال السياسية، فقد كان من الكتاب الذين أيدوا الثورة المجيدة عام 1688 لخلع جيمس الثاني، كما أنه انتمى إلى حزب اليمينيين، وقد وصف بأنه يميني في السياسة ومحافظ في الدين.
كان لسويفت دور سياسي بارز أيضًا، فقد عمل لسنوات في حكومة المحافظين، وكان وسيطًا بين الوزراء في الحكومة. اهتم سويفت كذلك بالقضايا الأيرلندية، وقد كان ينشر العديد من المنشورات ويكتب الكثير من الأعمال التي تدعم القضية الأيرلندية، وهو ما أكسبه مكانة وطنية كبيرة في بلده.
مؤلفات جوناثان سويفت
عرف جوناثان سويفت بأنه كاتب غزير الإنتاج، حيث تتكون أعماله النثرية من 14 مجلدًا ويبلغ طولها أكثر من 900 صفحة، كما أنه كان شاعرًا وكتب أشعار تملأ 3 مجلدات كبيرة.
أول عمل نثري نشر لسويفت كان بعنوان "حكاية حوض" والتي تحكي عن قصة 3 أبناء ترك والدهم وصية لكل منهم وأمرهم بعدم إجراء أي تعديلات على الوصية، ولكنهم يحاولون الالتفاف على تحذير والدهما من أجل تنفيذ الوصية بالشكل الذي يرضيهم، كما يتناول قصة الصراع بين الإخوة من أجل السلطة والهيمنة.
من مؤلفاته أيضًا قصة ساخرة بعنوان "حكاية الحصان" وهي قصة ساخرة تروى من وجهة نظر حصان. كتب أيضًا قصة "معركة الكتب" وهي هجاء ساخر للحرب بين الكتب القديمة والكتب الحديثة، كما كتب كتاب "وصية جوناثان سويفت" وهو هجاء سياسي لاذع للمجتمع الإنجليزية.
رواية رحلات غوليفر
كانت رواية جوناثان سويفت "رحلات غوليفر" من أشهر الروايات الساخرة في تاريخ الأدب الإنجليزي، وتتكون الراية من 4 أجزاء كل جزء يروي رحلة جوليفر في بلاد خيالية غريبة يسكنها مخلوقات ضخمة أو ضئيلة الحجم.
الجزء الأول من القصة يسافر الطبيب الجراح ليمويل غوليفر على متن سفينة تجارية وتتعرض السفينة إلى عاصفة قوية وينتهي به الأمر على شاطئ جزيرة اسمها "ليليبوت" وسرعان ما يكتشف أن سكان هذه الجزيرة أقزام لا يتعدى طولهم 6 بوصات.
بعد مغامرات في الجزيرة ينجح غوليفر من الهرب ويسافر مرة أخرى على متن سفينة، وهذه المرة ينتهي به الأمر على شاطئ جزيرة غريبة اسمها "برودبنجناغ" ويكتشف أن سكانها عمالقة يبلغ طولهم 60 قدمًا، ويصبح جوليفر قزمًا في بلدهم.
في الجزء الثالث يسافر جولير وينتهي به الأمر على جزيرة اسمها "لابوتا" وهي جزيرة طائرة سكانها مهوسون بالفلسفة والرياضية، والجزء الرابع يسافر على متن سفينة ويصل إلى جزيرة اسمها "بلاد الحصان" وسكانها من الأحصنة ولكنهم يتصرفون مثل البشر.
تعد قصة جوناثان سويفت تلك من كلاسيكيات الأدب الإنجليزية، ويقدم فيها هجاء وانتقاد سار للمجتمع البشري، كما ناقش فيها قضايا مهمة منها العدل والحرب والسلام، وتميزت بأسلوبها الساخر وخيالها الخصب والشخصيات الغريبة فيها.
مرضه ووفاته
عانى جوناثان سويفت في آخر حياته من أمراض عدة، فقد أصيب بسكتة دماغية عام 1742، كما أنه أصبح معاقًا عقليًا وقطع علاقته بالكثير من أصدقائه بدون أسباب وأصيب بالجنون والخرف.
ظهرت أعراض الجنون على سويفت بين عام 1783 وعام 1741، وبسبب ذلك تم تعيين أوصياء عليه لمراقبته ومنعه من أذية نفسه، وفي عام 1742 عانى من التهاب شديد في عينه اليسرى أدى إلى تضخم عينه وأصبحت بحجم البيضة، وقد كان يحاول اقتلاع عينه من شدة الألم.
بسبب هذه المحنة مكث سويفت سنة كاملة دون أن ينطق كلمة واحدة وقد توفي 19 أكتوبر عام 1745 عن عمر 78 عامًا بعد صراع مع المرض، وتم دفنه في كاتدرائيته بجانب عشيقته إستير جونسون، والتي يعتقد أنهما تزوجا سرًا، ولكنه لا يوجد إثبات على ذلك.
ترك سويفت 12 ألف جنيه إسترليني من ثروته لتأسيس مستشفى للمرضى العقليين، والتي تعرف حاليًا باسم مستشفى القديس باتريك.