جول ريميه.. المحامي مؤسس كأس العالم

جول ريميه، المحامي الفرنسي الذي تحول إلى أحد أهم الشخصيات الرياضية في العالم، كان يتمتع بشغف كبير بكرة القدم. على الرغم من أن حياته المهنية كانت قانونية، إلا أن حبه لهذه اللعبة دفعه إلى تكريس جهوده لتنظيم أول بطولة عالمية لكرة القدم، تعرف على مسيرته وحياته في هذا المقال.

من هو جول ريميه؟

جول إرنست سيرافين فالنتين ريميه هو واحد من أبرز الشخصيات البارزة في تاريخ كرة القدم العالمية، وكان له دور كبير في تأسيس وتنظيم كأس العالم لكرة القدم، ولد في 14 أكتوبر عام 1873.

عشق ريميه رياضة كرة القدم، وعمل جاهدًا لتطوير هذه الرياضة، فقد تولى منصب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم من عام 1932 حتى عام 1954، وكان أطول رئيس يشغل هذا المنصب، وعمل خلال ولايته على توسيع نطاق الفيفا، وزيادة عدد الدول الأعضاء.

يعود الفضل لريميه لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، وبفضل جهوده تم تنظيم أول بطولة لكأس العالم  عام 1930 في الأوروغواي، وكان يسعى إلى خلق بطولة تجمع بين أفضل الفرق الوطنية من جميع أنحاء العالم للتنافس.

تم تكريم ريميه بفضل جهوده في رياضة كرة القدم، وسميت الكأس التي تمنح للفريق الفائز بكأس "جول ريميه" حتى عام 1970، وبعد ذلك أصب الكأس يُعرف باسم "كأس الفيفا".

ساعدت جهود ريميه في تأسيس كأس العالم على تعزيز مكانة كرة القدم كرياضة عالمية وزيادة شعبيتها وانتشارها في جميع أنحاء العالم، ولأنه كان محاميًا استخدم مهاراته القانونية والإدارية في خدمة كرة القدم وتطويرها.

نشأته وتعليمه

ولد جول ريميه في بلدة ثيولي في مقاطعة هوت ساون شرف فرنسا، وقد كان الابن الأكبر. والده كان فلاح ذهب إلى باريس للبحث عن عمل بعد الثورة خلال الأزمة الزراعة في أعقاب الكساد الكبير، وخلال هذه الفترة، تلقى ريميه تعليمًا مسيحيًا ووطنيًا.

في عام 1884 حصل على شهادة الابتدائية في قريته، ثم انتقل إلى باريس للعيش مع والده، حيث كان والده لديه محل بقالة بسيط في باريس، وكان ريميه يبلغ من العمر حينها 11 عامًا.

قضى ريميه فترة مراهقته في مدرسة لاروشفوكو الثانوية، وخلال هذا الوقت اكتشف رياضة كرة القدم في الشارع، وهي الرياضة التي جذبته، وكوّن قناعة بفوائد الرياضة في التربية البدنية والأخلاقية للشباب، باعتبارها مصدراً للرفاهية والصداقة بين الناس.

حصل ريميه بعدها على البكالوريا، ثم حصل على إجازة في المحاماة، وأصبح محاميًا، وعمل في مكتب باريس الائتماني، وهي شركة للتقاضي والتحصيل اهتم بالعديد من التخصصات الرياضية، بما في ذلك ألعاب القوى والمبارزة، ثم أصبح عضوًا في الدائرة الكاثوليكية، كما انضم إلى حركة الديمقراطية المسيحية الواقعة بين مرمى الكاثوليكية التقليدية والجمهوريين المناهضين للإكليروس.

تأسيس نادي ريد ستار

في عام 1897 أسس جول ريميه نادي ريد ستار، وهو نادي متعدد الرياضات، بالتعاون مع شقيقه موديست وعدد من الأصدقاء، وقد طبّق في هذا النادي قيمة الإنسانية، حيث كان الناقد مفتوحًا للأسر الفقيرة.

كان النادي مقره في باريس، وقد غيّر مقره الرسمي إلى عدد أماكن في باريس والضواحي المجاورة، وفي داخل النادي وبجانب الرياضة، كان شغوفًا بالشعر والأدب والموسيقى، لذا افتتح قسمًا أدبيًا في النادي كذلك.

تأسيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم

في عام 1904 انضم جول ريميه إلى إدارة الاتحاد الأمريكي لكرة القدم الذي تأسس في باريس، وكانت أول بطولة في فرنسا، وكان رئيسًا للاتحاد، إلا أن تطلعاته لتنظيم بطولة عالمية انتظرت لسنوات بسبب الحرب العالمية الأولى، حيث كان حينها ضابطًا في الجيش الفرنسي.

خلال الحرب نجا من الحرب العظمى برتبة ملازم مشاة وصليب حرب، وبعدها استأنف أنشطته كمدير رياضي، وفي عام 1919 أعيد انتخابه رئيسًا للاتحاد، وفي أعوام 1921 إلى عام 1982 كان سعيدًا برؤية النادي الذي أسسه، ريد ستار، يفوز بكأس كرة القدم الفرنسية، وهي المنافسية الفرنسية الرئيسية في ذلك الوقت.

دافع ريميه عن ظهور الاحتراف في كرة القدم الفرنسية، واعتبر أن السبيل الوحيد لذل هو فتح ممارسة كرة القدم للطبقات الفقيرة المكونة من العمال والموظفين.

في عام 1942 انسحب من رئاسة الاتحاد الفرنسي لكرة القدم احتجاجًا على الإجراءات التي فرضتها الهيئة العامة للتربية والرياضية، والتي فرضت تقييد الاحتراف، وتعديل مدة المباريات، إلا أنه عاد لمنصبه بعد عامين، وغادر الاتحاد بشكل رسمي في عام 1949.

المحامي الفرنسي مؤسس بطولة كأس العالم لكرة القدم

كان جول ريميه شخصية محورية في تأسيس كأس العالم لكرة القدم، ويُعتبر أحد أعظم الشخصيات في تاريخ الرياضة. قصته مع تأسيس كأس العالم تبدأ برؤية وطموح لجعل كرة القدم حدثًا عالميًا.

في عام 1921، تم انتخاب ريميه رئيسًا للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وخلال فترة رئاسته عمل بجد لتعزيز وتنظيم اللعبة على المستوى الدولي، وكانت رؤيته تهدف إلى إقامة بطولة عالمية تجمع الفرق الوطنية من مختلف البلدان للتنافس في إطار ودي ورياضي.

بعد نجاح الألعاب الأولمبية في تعزيز الروح الرياضية بين الدول، شعر ريميه أن الوقت قد حان لإقامة بطولة دولية مخصصة لكرة القدم. في عام 1928، قدم اقتراحه إلى الفيفا لإقامة بطولة كأس العالم، وتمت الموافقة على الفكرة.

اختار ريميه الأوروغواي لاستضافة أول بطولة لكأس العالم في عام 1930، وكان السبب وراء هذا الاختيار هو الاحتفال بالذكرى المئوية لاستقلال الأوروغواي، بالإضافة إلى النجاحات الرياضية التي حققتها البلاد في الألعاب الأولمبية.

واجه ريميه تحديات كبيرة في إقناع الدول الأوروبية بالمشاركة؛ بسبب تكاليف السفر وصعوبة التنقل في ذلك الوقت. ومع ذلك، تمكن من ضمان مشاركة 13 فريقًا، منهم 4 فرق أوروبية.

أقيمت البطولة في يوليو عام 1930 بمشاركة 13 فريقًا، وكانت الأجواء حماسية، وتم تنظيم المباريات في ثلاثة ملاعب في العاصمة مونتيفيديو، وفاز منتخب الأوروغواي البطولة بعد تغلبه على الأرجنتين في المباراة النهائية نتيجة أربعة أهداف لهدفين، وليصبح أول بطل لكأس العالم.

حققت البطولة نجاحًا كبيرًا وأظهرت للعالم إمكانيات كرة القدم في جلب الناس معًا من مختلف الثقافات والبلدان، واستمرت البطولة كل أربع سنوات، وأصبحت واحدة من أهم الأحداث الرياضية العالمية.

كأس جول ريميه

أطلق على الكأس الأصلية في كأس العالم التي منحت للفريق الفائز بكأس العالم بكأس جول ريميه، وذلك في الفترة من عام 1930 إلى عام 1970، تكريمًا له.

صمم الكأس النحات الفرنسي أبيل لافلور. كانت مصنوعة من الفضة المطلية بالذهب، وتصور تمثالًا لمجسّم النصر، الذي يمثل الإلهة اليونانية نايكي. كان التمثال مثبتًا على قاعدة من الرخام، وتم استبدالها فيما بعد بقاعدة من اللازورد، وبلغ ارتفاع الكأس حوالي 35 سنتيمترًا ووزنها حوالي 3.8 كيلوجرامات.

مُنحت الكأس لأول مرة في كأس العالم 1930 الذي أُقيم في الأوروغواي، حيث فاز بها منتخب الأوروغواي. استمرت الكأس في الانتقال إلى الفريق الفائز في كل بطولة من بطولات كأس العالم التالية.

خلال الحرب العالمية الثانية، كانت الكأس محفوظة بسرية وأمان. تم إخفاؤها بواسطة أوتورينو باراسي، نائب رئيس الفيفا آنذاك، في صندوق أحذية تحت سريره لحمايتها من النازيين.

بعد فوز البرازيل بكأس العالم للمرة الثالثة في عام 1970، حصلت البرازيل على الحق في الاحتفاظ بالكأس بشكل دائم، وفقًا لقوانين الفيفا في ذلك الوقت.

في عام 1983 سرق الكأس من مقر الاتحاد البرازيلي لكرة القدم في ريو دي جانيرو، ولم يتم العثور عليه حتى الآن، ويعتقد أن الكأس تم صهره وبيعه في السوق السوداء.

بعد أن احتفظت البرازيل بالكأس الأصلية، صممت الفيفا كأسًا جديدًا يُعرف حاليًا بكأس الفيفا، وأصبحت تمنح للفرق الفائزة منذ عام 1974 وحتى الآن.

وفاة جول ريميه

في عام 1955 ترشح جول ريميه لجائزة نوبل للسلام؛ بسبب جهوده من أجل وحدة الشعوب، إلا أن اللجنة النرويجية رفضت الترشيح، ولم يتم منح الجائزة له. توفي ريميه في العام التالي في 15 أكتوبر عام 1956 في سورينس عن عمر 82 عامًا.

في آخر حياته كتب ريميه عملًا تمثيليًا اسمه "التاريخ الرائع لكأس العالم"، وقد نشر في عام 2008. حصل ريميه على العديد من الجوائز طوال حياته، منها قائد جوقة الشرف، ووسام النصر بين الحلفاء، وضابط وسام تاج البلوط، وفارس وسام ليوبولد.

تم بناء نصب تذكاري لجول ريميه خلف كنيسة قرية ثيولي في فرنسا عام 1998، وفي عام 2008 حصل على وسام الاستحقاق، وقد استلمه حفيده إيف ريميه.

قصص كأس العالم جول ريميه

خلال 40 عامًا لبطولة كأس العالم، شهد كأس جول ريميه العديد من المواقف الطريفة والمضحكة، ففي عام 1939، وبعد تتويج منتخب إيطاليا بكأس العالم، تم حفظ الكأس داخل قبو، وتم تشديد الحراسة عليه داخل أحد مصارف روما.

ظلت الكأس لمدة 6 سنوات داخل صندوق أحذية تحت سرير نائب ريميه في الفيفا، أورينو باراسي، واستمر هذا الأمر حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، لتنتقل إلى مسؤولي الفيفا بعدما عادت البطولة من جديد بعد الحرب.

بعد نحو 30 عامًا من البطولة، وتحديدًا قبل مونديال عام 1966، اختفى الكأس في ظروف غامضة، وتم العثور عليه بواسطة كلب، ليختفي الكأس مرة أخرى بلا رجعة عام 1983، وتم تكليف شركة أمريكية بصنع نسخ مطابقة منها، وعرضت في واجهة زجاجية في ملعب ماراكانا البرازيلي.

فازت 5 منتخبات بكأس جول ريميه، وهي منتخبات الأوروغواي، وحصلت عليها مرتين في أعوام 1930، و1950. منتخب إيطاليا حصل عليه مرتين في أعوام 1934، و1938. منتخب إنجلترا حصل عليه مرة واحدة عام 1966، ومنتخب ألمانيا حصل عليه مرة واحدة عام 1984، وحصل عليه منتخب البرازيل 3 مرات في أعوام 1970، و1962، و1958.