واحد من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، وشغل منصب أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، إنه جورج واشنطن الذي يعد شخصية محورية في تاريخ الولايات المتحدة، وبرز كقائد عسكري خلال حرب الاستقلال الأمريكية، تعرف أكثر على مسيرته وإنجازاته في هذا المقال.
من هو جورج واشنطن؟
جورج واشنطن هو أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من عام 1789 إلى عام 1797، كان واشنطن شخصية محورية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لعب دورًا هامًا في تأسيسها كدولة مستقلة، وبرز كقائد عسكري بارع خلال حرب الاستقلال الأمريكية، وقاد جيش المستعمرين ضد القوات البريطانية، مما أدى إلى نصر حاسم ونيل الاستقلال عام 1783.
لم تقتصر إنجازات واشنطن على المجال العسكري فقط، بل امتدت إلى المجال السياسي أيضًا. ففي عام 1787، ترأس مؤتمر فيلادلفيا الذي صاغ دستور الولايات المتحدة الأمريكية، ونال ثقة الشعب ليصبح أول رئيس للبلاد عام 1789.
خلال رئاسته، عمل واشنطن على تأسيس نظام حكم قوي ومستقر، ووضع الأسس لنمو وازدهار الولايات المتحدة. تميزت فترة رئاسته بالحكمة والنزاهة، مما جعله رمزًا للوحدة الوطنية والقيادة الرشيدة.
أصبحت صورة واشنطن رمزًا للثقافة الأمريكية، وقد تم تخليد اسمه وصورته في العديد من المعالم الأثرية، والعطلات في الولايات المتحدة الأمريكية، والمواقع الجغرافية أيضًا، فعاصمة الولايات المتحدة الأمريكية هي ولاية واشنطن.
حصل واشنطن على أعلى رتبة في جيش الولايات المتحدة بعد وفاته، حيث تم ترقيته إلى رتبة جنرال الجيوش في عام 1976، ويعتبر واحد من أعظم الرؤساء في تاريخ أمريكا.
متى ولد جورج واشنطن؟
ولد في 22 فبراير عام 1732 في مستعمرة فيرجينيا في أمريكا البريطانية.
نشأته وحياته المبكرة
ولد جورج واشنطن في فيرجينيا، وهو الابن الأكبر بين ستة أطفال، لوالده أوغستين، ووالدته ماري بول واشنطن. كان والده يعمل قاضيًا للصلح، وكان شخصية عامة وبارزة، وكان يملك مزرعة كبيرة بها العديد من العبيد.
بعد وفاة والده ورث واشنطن المزرعة والعبيد، وقد التحق بمدرسة لوير تشيرش، وتعلم فيها الرياضيات، وعلم المثلثات، ومسح الأراضي، وأصبح بفضل دراسته رسامًا وصانع خرائط، كما كان يكتب بدقة عالية، وقد امتلك مهارة كبيرة في فن الخط.
في عام 1748 حصل واشنطن على رخصة مساح من كلية ويليام وماري، وعمل لفترة في مسح الأراضي لدى ممتلكات السياسي البريطاني في فيرجينيا فيرفاكس، وخلال فترة عمله أجرى مسحًا للأراضي غرب الجبال، ثم استقال من وظيفته في عام 1750.
ديانة جورج واشنطن
كان جورج واشنطن ينتمي إلى الكنيسة الأنجليكانية، والتي عُرفت فيما بعد باسم الكنيسة الأسقفية في الولايات المتحدة بعد الثورة الأمريكية، وقد كان يشارك في بعض الأنشطة الدينية، إلا أن معتقداته الشخصية كانت موضوعًا للكثير من النقاش من المؤرخين.
كونه جزءًا من المجتمع الأنجليكاني، حضر واشنطن القداس بانتظام، ولكن لم يُعرف عنه أنه كان متدينًا بعمق، وقد دعم التسامح الديني وحرية الدين، كما كتب في رسائل متعددة عن أهمية الحرية الدينية وحق كل فرد في العبادة وفقًا لمعتقداته الخاصة.
بعض المؤرخين يعتقدون أن واشنطن كان يميل نحو الربوبية، وهي معتقد يعتبر أن الله خلق الكون، لكنه لا يتدخل في شؤونه اليومية. هذا ينبع من قلة الإشارات إلى المسيح في كتاباته وأقواله العامة.
وعلى الرغم من حضوره للقداس، لم يكن يأخذ القربان المقدس بانتظام، وهو جانب دفع البعض للاعتقاد بأنه كان يحترم الدين كمؤسسة اجتماعية أكثر من كونه تعبيرًا عن إيمان شخصي عميق.
زوجة جورج واشنطن
في عام 1759، تزوج جورج واشنطن من مارثا داندريدج كوستيس، وهي أرملة مالك المزرعة الثري دانيا بارك كوستيس، وكانت تبلغ من العمر 27 عامًا، بينما هو يبلغ من العمر 26 عامًا، وكان لديها أطفال من زوجها المتوفى.
كانت زوجته سيدة لطيفة ولديها خبرة في إدارة المزارع، وقد انتقل مع زوجته إلى ماونت فيرنون، واستقر هناك، وعمل كمزارع للتبغ والقمح، كما برز كشخصية سياسية، وعسكرية كذلك.
لم ينجب واشنطن من زوجته أي أطفال، ويُعتقد أن إصابته بالجدري عام 1751، هي ما جعلته عقيمًا، إلا أن بعض المؤرخين يعتقدون أن مارثا أصيبت خلال ولادتها الأخيرة، وهو ما جعل احتمالية حملها في المستقبل ضعيفة.
كان واشنطن حزينًا من عدم قدرته على إنجاب الأطفال، ولكنه ساعد زوجته في تربية أطفالها مارثا جون، ومارثا بارك، وإليانور بارك، وجورج واشنطن بارك، كما كان لديه أطفال بالتبني.
وقد كان زواجه من سيدة ثرية سببًا في حصوله على حصة من عقارات زوجها المتوفى، حيث كان تملك قطعة أرض مساحتها 18 ألف فدان، وقد أدار باقي حصص الأرض المملوكة لزوجته، كما ضم العقار أيضًا 84 عبدًا، لذا أصبح واحدًا من أغنى الرجال في فيرجينيا.
حياته العسكرية
انضم جورج واشنطن إلى جيش التحرير في عام 1752، وشارك في صفوف الجيش البريطاني خلال الحرب البريطانية الفرنسية، والتي عُرفت تاريخيًا باسم "حرب السنوات السبع"، وكانت الحرب لفرض السيطرة على أجزاء من أمريكا الشمالية.
حقق واشنطن شعبية كبيرة بسبب شجاعته العسكرية، فقد تم تعيينه كمبعوث للإنجليزي بإبلاغ الفرنسيين بمغادرة وادي نهر أوهايو، وقد أدى هذا النزاع إلى حرب الحاكم جينكنز، وخلال حرب السنوات السبع، في الفترة ما بين عام 1756 إلى عام 1763، اكتسب واشنطن خبرة عسكرية مهمة، وقاد العديد من الحملات العسكرية ضد الفرنسيين، وحلفائهم من الهنود.
وفي عام 1775 تم تعيينه قائدًا للجيش القاري من قبل الكونغرس القاري الثاني، وذلك بعد اندلاع الحرب الثورية الأمريكية.
وخلال توليه هذا المنصب، قاد واشنطن العديد من الحملات العسكرية المهمة، وعرف بقدرته على الحفاظ على قدرات الجيش وقوته خلال الظروف الصعبة، وقاد انتصارات عدة، ولعل أهمها معركة "ترينتون" في عام 1772، وهي المعركة التي انتصر فيها بعد عبوره الشهير لنهر ديلاوير.
خلال الحرب الثورية، تحالف واشنطن مع الفرنسيين لتحقيق النصر، وقد نجح بالتعاون مع القوات الفرنسية بالانتصار في معركة "يوركتاون" في عام 1781، حيث نجح في محاصرة الجيش البريطاني، وأجبره على الاستسلام.
وبعد الانتهاء من الحرب وقّع واشنطن معاهدة باريس، في عام 1783، واستقال من منصبه كقائد عام للجيش القاري، وعاد إلى ماونت فيرنون، وبعد الحرب لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الجيش الأمريكي الجديد كمؤسسة دائمة، وذلك خلال فترة رئاسته للمؤتمر الدستوري في عام 1787.
وخلال فترة رئاسته أسس واشنطن مبادئ وقواعد عسكرية، أصبحت فيما بعد جزءًا من التقاليد العسكرية الأمريكية التي لا تزال تتُبع حتى وقتنا هذا.
توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية
في عام 1789 بدأت الانتخابات الرئاسية لاختيار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، واعتقد جورج واشنطن في البداية أنه لن يحصل على أصوات من الولايات المختلفة، إلا أنه فاز بأغلبية الأصوات الانتخابية لكل ولاية، بينما حصل جون آدامز على ثاني أعلى عدد من الأصوات، وتم انتخابه نائبًا للرئيس.
تولى واشنطن منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية في 30 أبريل عام 1789، وأدى اليمين الدستورية في قاعة فيدرال في مدينة نيويورك، وحصل على راتب 25 ألف دولار سنويًا لتغطية نفقات تكاليف الرئاسة.
بعد ولايته الأولى خطط واشنطن للاستقالة، إلا أن الصراع السياسي جعله يبقى في منصبه، وقد عُرف عنه بأنه كان موهوبًا، وقاضيًا ماهرًا، وقد كان يتحدث دائمًا مع المسؤولين للحصول على الاستشارة منهم، كما كان متسامحًا مع المعارضة.
كان لدى واشنطن مخاوف من أن النظام الديمقراطي قد يؤدي إلى عنف سياسي، لذا أجرى انتقالًا سلسًا للسلطة، وقد ظل حاكمًا مستقلًا طوال فترة رئاسته، ولم ينضم إلى أي حزب سياسي، وهو الرئيس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية الذي كان مستقلًا.
عارض واشنطن انقسام الأحزاب السياسية، وكان يفضل تشكيل حكومة مركزية قوية، وقد واجه مشكلات كبرى خلال فترة رئاسته، ولعل أهمها افتقار الاتحاد إلى الصلاحيات اللازمة للتعامل مع أعباء العمل، والديون الضخمة، وانخفاض قيمة العملة، ولم يكن يملك سلطة لفرض الضرائب.
أهم إنجازات جورج واشنطن كرئيس للولايات المتحدة
بصفته أول رئيس للولايات المتحدة، حقق جورج واشنطن العديد من الإنجازات المهمة، والتي ساهمت في وضع أسس الحكومة الأمريكية الجدية، وتشكيل مسار الدولة الجديدة، وأهم هذه الإنجازات إقامة حكومة فيدرالية جديدة استنادًا إلى الدستور الأمريكي.
أنشأ واشنطن أيضًا أول مجلس وزراء، وأسس وزارات أساسية، بما فيها وزارة الخارجية، ووزارة الخزانة، ووزارة الحرب، كما عيّن شخصيات بارزة في مناصب حكومية مهمة، منهم ألكسندر هاملتون كوزير للخزانة، وتوماس جيفرسون كوزير للخارجية.
أقر واشنطن قانون القضاء عام 1789، الذي أنشأ النظام القضائي الفيدرالي بما في ذلك المحكمة العليا الأمريكية ومحاكم الأدنى.
تولى واشنطن الدولة في وقت عانت فيه من أزمات اقتصادية كثيرة، لذا وضع خطة سياسية مالية لتحقيق إصلاح مالي شامل، وشملت هذه القرارات تأسيس البنك الوطني، وسداد ديون الحرب الثورية، وفرض الضرائب لتعزيز الاقتصاد الوطني.
أما فيما يتعلق بسياسته الخارجية، فقد كان واشنطن حياديًا، فقد اتخذ سياسة الحياد خلال الحروب النابليونية في أوروبا عام 1793، وأكد على ضرورة عدم تدخل الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية.
تفاوض واشنطن مع بريطانيا على معادة جاي، والتي هدفت إلى تجنب الحرب مع بريطانيا، وحل القضايا العالقة بين الدولتين منذ الحرب الثورية، وخصوصًا أن بريطانيا واصلت سيطرتها على بعض الأراضي الأمريكية.
عزز واشنطن كذلك من الوحدة الوطنية، فأرسل قوات فيدرالية لقمع تمرد الويسكي في بنسلفانيا، مما أكد على قوة الحكومة الفيدرالية وقدرتها على فرض القوانين.
أسس أيضًا العديد من التقاليد الرئاسية، مثل إقامة خطاب حالة الاتحاد السنوي، ورفض الترشح لولاية ثالثة، مما رسخ مبدأ التداول السلمي للسلطة.
كان واشنطن معارضًا لتأسيس الأحزاب السياسية، لأنه رأى أنه سيشكل خطرًا على الديمقراطية، وألقى في خطاب الوداع الشهير كلمته الشهيرة التي حذر فيها من الحزبية السياسية والتحالفات الدائمة مع الدول الأجنبية، داعيًا إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية والتركيز على المصالح الأمريكية.
جورج واشنطن والعبودية
كان جورج واشنطن، كغيره من الأثرياء ونخبة المجتمع في أمريكا، مالكًا للعبيد، بل كان امتلاكه للكثير من العبيد والأراضي جعله من أثرياء فيرجينيا، وقد تعامل مع موضوع العبودية بطريقة معقدة، عكست تناقضات زمانه.
ورث واشنطن العديد من العبيد، وزاد عددهم حتى وقت وفاته، وكان حتى وفاته يملك نحو 300 عبد في مزرعته في ماونت فيرنون، وقد كانت هناك سجلات تشير إلى أن واشنطن كان صارمًا في معملته للعبيد، ومع ذلك بمرور الوقت حاول تحسين ظروفهم من خلال توفير الطعام، والملابس والسكن.
خلال ولايته رفض واشنطن تجنيس المهاجرين السود، كما منع السود من الخدمة في ميليشيات الولاية، كما أنه وقع على قانون العبيد الهاربين، الذي يسمح المالكين بعبور حدود الولاية لإعادة العبيد الهاربين.
إلا أنه في الوقت نفسه وقع على قانون ينص على تحرير جميع العبيد الذين تم جلبهم بعد عام 1787 باستثناء العبيد الهاربين. وقع أيضًا على قانون تجارة الرقيق.
إلا أنه خلال الحرب الثورية بدأت آراء واشنطن بشأن العبودية تتغير، وخلال ثمانينات من القرن الثامن عشر، أعرب عن دعمه للتحرر التدرجي للعبيد، كما طلب في وصيته تحرير كل عبيده بعد وفاة زوجته مارثا، وكانت هذه الخطوة غير شائعة في ذلك الوقت بين ملاك العبيد.
حياته بعد الرئاسة
تقاعد جورج واشنطن من الرئاسة عام 1797، وعاد إلى مزرعته في ماونت فيرنون، وكرس وقته للزراعة وإدارة مصالحه التجارية، ورغم أنه كان ثريًا جدًا، إلا أن ثروته كانت في شكل أرض وعبيد، ولم يكن يملك النقد.
ولزيادة الدخل أقام معمل تقطير لإنتاج الويسكي، كما اشترى قطع أرض لتحفيز التنمية حول المدينة الفيدرالية الجديدة، والتي سميت على اسمه فيما بعد.
سبب وفاة جورج واشنطن
في 12 من شهر ديسمبر عام 1799 عانى جورج واشنطن من أعراض مختلفة، منها التهاب في الحلق، وصعوبة في التنفس، ولكنه توفي سريعًا بعمر 67 عامًا. بعد وفاته تم تغطية كرس الرئيس بالأسود في اليوم التالي، وأقيمت جنازته بعد 4 أيام من وفاته، ودفن جثمانه في مزرعته في ماونت فيرنون.
بعد وفاته كانت ممتلكات واشنطن تقدر بحوالي 780 ألف دولار، وكان ميلك أكثر من 65 ألف فدان من الأراضي في 37 موقعًا مختلفًا وما يقرب من 300 عبد.