جورج سوروس.. الملياردير الذي تحدى الأسواق وأسقط العملات

يعد رجل الأعمال والملياردير المجري الأمريكي جورج سوروس من أكثر المستثمرين نفوذًا وتأثيرًا في العلام، فرغم شهرته في الأوساط المالية، إلا أنه اشتهر أيضًا بنشاطاته الخيرية والاجتماعية، فضلًا عن تأثيره في العالم السياسي أيضًا، وهو ما جعله منه شخصية مثيرة للإعجاب والجدل في آن واحد، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.

من هو جورج سوروس؟

جيورجي شوارتز هو رجل أعمال مجري أمريكي، ولد في 12 أغسطس عام 1930 في بودابست في مملكة المجر، وهو واحد من أكثر الشخصيات تأثيرًا في عالم المال والمجال السياسي أيضًا.

ولد سوروس في المجر لعائلة يهودية غير متدينة، وقد نجا من الاحتلال النازي للمجر، وتمكنت عائلتها من الهرب، وانتقل إلى المملكة المتحدة، وهناك أكمل دراسته الجامعية، وتأثر بفكر الفيلسوف كارل بوبر، والذي كان جزءًا من تطور رؤيته حول الأسواق المالية.

انتقل بعدها إلى نيويورك، وبدأ مسيرته المهنية في القطاع المالي، وخلال السبعينات والثمانينات نجح في تأسيس صندوقه الاستثماري المعروف باسم  Soros Fund Management.

اشتهر سوروس في التسعينات بعدما نجح في عمل مضاربة على الجنيه الإسترليني؛ مما أدى إلى انخفاض قيمته، وقد أطلق عليه لقب "الرجل الذي أسقط بنك إنجلترا".

لم يقتصر تأثير سوروس على الأسواق المالية، بل اشتهر بأعماله الخيرية، لا أن ذلك لم يبعده عن إثارة الجدل، فقد واجه انتقادات بتدخله في الشؤون السياسية لبعض الدول.

نشأته وحياته

ولد جورج سوروس في بودابست في المجر، وهو من عائلة يهويدة غير متدينة وثرية، وقد وصف عائلته مازحًا بأنه "نشأ في منزل يهودي معادٍ للسامية". عائلة والدته كانت تدير متجرًا للحرير، أما والده كان محاميًا ومؤلفًا مشهورًا في المجر.

كان والده، واسمه تيفادار، أسيرًا في الحرب، وبعد الحرب العالمية الأولى هرب من روسيا، وانضم إلى عائلته في بودابست. في عام 1936، غيّرت عائلته اسمه من "شوارتز" وهو اسم يهودي ألماني إلى "سوروس" كتمويه، وذلك خلال احتلال ألمانية النازية للمجر.

نجاة عائلته خلال الحرب العالمية

في عمر 13 عامًا، وتحديدًا في عام 1944، احتلت ألمانيا النازية المجر، وحينها تعرض اليهود إلى ألمانيا إلى الاضطهاد، ومنع الأطفال اليهود من الذهاب إلى المدرسة.

تمكنت عائلته من النجاة من خلال شراء وثائق تثبت بأنهم مسيحيون. تنقلت العائلة من منزل إلى منزل محاولة للهرب، وقد نجت أسرته من حصار بودابست عام 1945. عندما بلغ سن 17 عامًا، تمكن من السفر إلى باريس، ومنها إلى إنجلترا.

الدراسة في إنجلترا

التحق جورج سوروس بكلية لندن للاقتصاد، وهناك تعرف على الفيلسوف كارل بوبر، وقد عمل خلال دراسته حمالًا للسكك الحديدية ونادلًا. حصل سوروس على درجة البكالوريوس في الفلسفة عام 1951، ثم حصل على ماجستير العلوم في الفلسفة عام 1954 من كلية لندن للاقتصاد.

بعد التخرج، أراد إكمال دراسته والعمل كأستاذ في الجامعة، إلا أن درجاته لم تكن عالية، لذا قرر العمل في شركة استثمارية في لندن، وبدأ مسيرته المهنية في المجال المالي في البنك التجاري في لندن.

زوجات جورج سوروس وأبناؤه

تزوج رجل الأعمال جورج سوروس 3 مرات، وطلق مرتين. زوجته الأولى اسمها أناليس ويتشاك، وهي مهاجرة من أصل ألماني، وتزوجها عام 1960، وقد تيتمت خلال الحرب العالمية الثانوية، ورغم أنها لم تكن يهودية، إلا أن عائلته أحبتها.

انفصل عن زوجته الأولى عام 1983، وأنجب منها 3 أبناء، وهم روبرت دانييل سوروس من مواليد 1963، وهو مؤسس جامعة أوروبا الوسطى في بودابست. ابنته الثانية أندريا سوروس كولومبل من مواليد عام 1965، وهي مؤسسة ورئيسة مؤسسة تريس، وشريكة مؤسسة وعضوة في مجلس إدارة صندوق أكومن الاستثماري العالمي.

ابن جورج سوروس الثالث من زوجته الأولى هو جناثان تيفادار سوروس، من مواليد عام 1970، وهو مدير صندوق تحوط ومانح سياسي، ومشارك في تأسيس منظمة Friends of Democracy.

في عام 1983، تزوج للمرة الثانية من سوزان ويبر، وهي مؤرخة أمريكية، وانفصل عنها عام 2005، ولديه منها طفلان، وهما ألكسندر سوروس، ولد عام 1985، وهو مستثمر أمريكي، واشتهر بترعاته الخيرية للقضايا الاجتماعية والسياسية. ابنه الثاني جريجوري جيمس سوروس من مواليد عام 1988. في عام 2008، التقى سوروس بزوجته الثالثة تاميكو بولتون، وتزوجا عام 2013.

قصة نجاح جورج سوروس

بدأ جورج سوروس مسيرته المهنية في القطاع المالي عام 1945، حيث عمل في البنك التجاري في لندن، وفي عام 1956، انتقل إلى نيويورك، وعمل كمتداول لدى شركة "إف إم ماير" وتخصص في الأسهم الأوروبية.

عمل سوروس كمحلل للأوراق المالية الأوروبية حتى عام 1962، وخلال تلك الفترة طور نظرية "الانعكاسية"، وهي نظرية تفترض أن قيم السوق تكون مدفوعة بأفكار المشاركين القابلة للخطأ، وليس فقط بالأساسية الاقتصادية للموقف.

في عام 1963 حتى عام 1973، عمل كنائب رئيس في شركة أرنولد آند إس، وقد ركز في تلك الفترة على مراجعة أطروحته الفلسفية. في عام 1969، أسس سوروس صندوق التحوط الخاص به Soros Fund Management، والذي أصبح فيما بعد Quantum Fund.

من خلال هذا الصندوق، قاد سوروس العديد من الاستثمارات الناجحة في أسواق الأسهم والسلع والعملات، واكتسب ثروته، وقد بنى الصندوق برأس مال يبلغ 4 ملايين دولار من المستثمرين.

في عام 1981، نما الصندوق إلى 400 مليون دولار، وفي عام 2013، حقق الصندوق 5.5 مليار دولار، مما يجعله أنجح صندوق تحوط في التاريخ، فمنذ إنشائه حقق حوالي 40 مليار دولار.

في عام 2023، سلّم جورج سوروس إدارة إمبراطوريته المالية والخيرية إلى ابنه أليكس، وهو ثاني أصغر أولاده الخمسة، وحاصل على شهادة جامعية في التاريخ.

جورج سوروس والأربعاء الأسود

كان لرجل الأعمال جورج سوروس دور كبير وأساسي في خفض قيمة الجنيه الإسترليني في التسعينات، وقد كان ذلك من أشهر لحظاته في عالم المال تعود القصة إلى عام 1992، فيما يعرف باسم "الأربعاء الأسود".

في تلك الفترة، كان سوروس يراقب الأسواق المالية في بريطانيا، ولاحظ أن الجنيه الإسترليني كان مقيّما بأكثر من قيمته الفعلية، وذلك في إطار آلية سعر الصرف الأوروبية.

قام سوروس بمضاربة ضخمة ضد الجنيه الإسترليني، وتوقع حينها أن الحكومة البريطانية ستضطر إلى تخفيض قيمته، والفعل حدث ذلك، وحقق سوروس بعدها ربحًا هائلًا قدره مليار دولار في يوم واحد.

بعد هذا الحدث، حصل سوروس على لقب "الرجل الذي أسقط بنك إنجلترا"، وأكد مكانته كواحد من أعظم المستثمرين في التاريخ.

من الاستثمار إلى العمل الخيري

اشتهر جورج سوروس بأعماله الخيري، فقد تبرع بجزء كبير من ثروته إلى العمل الخيري، وأسس Open Society Foundations عام 1979، والتي ركزت على دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا الشرقية وأفريقيا. استثمر سوروس مليارات الدولارات في مبادرات خيرية، مثل التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية.

ما هي استراتيجية جورج سوروس المالية؟

اعتمدت استراتيجية جورج سوروس المالية بشكل أساسي على عدة عوامل، أولها النظرة الانعكاسية، وهي نظرية أساسية في فلسفته الاستثمارية، والتي تعتمد على فكرة أن الأسواق المالية لا تعكس دائمًا الحقائق الاقتصادية، ولكنها تتأثر بالعواطف المتغيرة للمستثمرين، وهذا يعني أن مزاج السوق يمكن أن يؤدي إلى تضخيم الفقاعات المالية أو زيادة الاضطرابات.

اعتمد كذلك على المضاربة ضد العملات، ولعل أشهر المضاربات في مسيرته المضاربة ضد الجنيه الإسترليني عام 1992. اعتمد سوروس كذلك على التحليل الاقتصادي الكلي من أجل التنبؤ بالتغيرات الاقتصادية الكبرى واستغلالها لصالحه.

خلال مسيرته، استفاد سوروس أيضًا من الأزمات الاقتصادية والسياسية، حيث يعتمد على فهم العوامل التي تؤدي إلى الأزمات المالية، ويستثمر بطريقة يستفيد منها من هذه الانهيارات أو التقلبات.

عمل سوروس كذلك على تنويع محفظته الاستثمارية بما في ذلك العقارات والسلع والعملات والسندات، كما اعتمد على فهم سياسات الحكومات.

كم تبلغ ثروة جورج سوروس؟

تبلغ ثروة جورج سورس 7.2 مليار دولار في عام 2024 وفقًا لفوربس، وهو يحتل المرتبة 426 في قائمة فوربس لأثرياء العالم.

كتب جورج سوروس

خلال مسيرته، ألف جورج سوروس العديد من الكتب التي تناول فيها موضوعات متنوعة، منها الفلسفة والاستثمار والاقتصاد. ومن أشهر كتبه كتاب The Alchemy of Finance الذي صدر عام 1987، وتناول فيه فلسفته الاستثمارية.

من كتبه الناجحة أيضًا كتاب Open Society: Reforming Global Capitalism، وتحدث فيه عن فكرته في كيفية إصلاح النظام الرأسمالي العالمي. أصدر كذلك عدة كتب منها The Age of Fallibility: Consequences of the War on Terror، والتي ناقش فيها التبعات السياسية والاجتماعي للحرب على الإرهاب.

من مؤلفاته أيضًا In Defense of Open Society، وكتاب The Soros Lectures: At the Central European University، والذي يضم مجموعة من المحاضرات التي ألقاها في جامعات أوروبية.