كان الروائي والأديب الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا من الروائيين الذين اعتبرهم الكثير من النقاد بأنه من آباء الرواية الفلسطينية الحديثة، فقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب واستخدم فيها أنماطًا سردية متنوعة وجديدة، في السطور التالية تعرف على مسيرته الأدبية وحياته.
حياة جبرا إبراهيم جبرا ونشأته
هو مؤلف وأديب ورسام وناقد وفنان تشكيلي فلسطيني ولد عام 1919 في بيت لحم في عهد الانتداب البريطاني، وهو من السريان الأرثوذكس الأصليين، وكانت والدته اسمها مريم، واسمه "جبرا" هو اسم آرامي يعني القوة والشدة.
تزوجت والدته مريم أولًا من رجل اسمه داود وقد قتل هو وشقيقها التوأم يوسف في مذبحة أضنة عام 1909. تزوجت بعدها للمرة الثانية من والده إبراهيم، وبعد زواجها تم تجنيده في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى.
أنجبت والدته مريم ابنها الأول يوسف إبراهيم جبرا عام 1915، وقد نجت الأسرة من مذابح سيفو أو مذابح السريان التي شنتها قوات نظامية تابعة للدولة العثمانية آنذاك، وهربت الأسرة من أضنة وهاجرت إلى بيت لحم في أوائل عشرينيات القرن الماضي.
التحق جبرا بالمدرسة الوطنية، وانتقلت عائلته إلى القدس عام 1932، وهناك التحق بمدرسة الرشيدية، ثم درس في الكلية العربية الحكومية، وتخرج فيها عام 1937، وفي عام 1939 حصل على منحة دراسة لدراسة اللغة الإنجليزية في الكلية الجامعية للجنوب الغربي في إكستر غرب إنجلترا.
لم يتمكن جبرا من العودة إلى فلسطين بسبب مخاطر العودة إليها خلال الحرب العالمية الثانية، لهذا السبب ظل في إنجلترا وواصل دراسته في جامعة كامبريدج، حيث تعلم اللغة الإنجليزية، وحصل على درجة البكالوريوس من كلية فيتزويليام عام 1943 وكان معلمه هو ويليام ساذرلاند تاتشر.
في العام نفسه قرر جبرا العودة إلى القدس، وهناك بدأ تدريس اللغة الإنجليزية في كلية الرشيدية، وكان هذا العمل أحد شروط منحة المجلس الثقافي البريطاني آنذاك، وبجانب عمله في التدريس كتب عددًا من المقالات في الصحف المحلية التي تصدر باللغة العربية في القدس.
انتقاله إلى بغداد
في عام 1984 هربت أسرة جبرا إبراهيم جبرا من جديد وهذه المرة إلى بغداد، وذلك بعد وقت قصير من تفجير فندق سميراميس الذي استهدف حي القطمون غرب القدس، وهو الحي الذين كانوا يعيشون فيه.
سافر جبرا كذلك إلى عمان وبيروت ودمشق بحثًا عن عمل هناك، ولكنه لم يجد عملاً، ولكن في دمشق توجه إلى السفارة العراقية وحصل على عمل بأنه يصبح مدرسًا في كلية تدريب المعلمين في جامعة بغداد لمدة عام، وذلك بأمر من الملحق الثقافي عبد العزيز الدوري، الذي أصبح فيما بعد مؤرخًا عراقيًا بارزًا.
في عام 1948 حصل جبرا إبراهيم كبرا على درجة الماجستير من كلية فيتزويليام كامبريدج، ولم يتطلب الماجستير وقتها أي دورات دراسية أو إقامة في إنجلترا، حيث يمكن لنظام الجامعة أن يحصل الطالب على درجة الماجستير بعد خمس سنوات من دفع الرسوم.
في عام 1952 حصل جبرا على زمالة من مؤسسة روكفلر لدراسة الأدب الإنجليزي والنقد الأدبي في جامعة هارفارد، وخلال دراسته في هارفرد تعلم على يد الشاعر والكاتب الأمريكي أرشيبالد ماكليش.
زوجة جبرا إبراهيم جبرا
في عام 1952 تزوج جبرا إبراهيم جبرا من حبيبته لميعة برقي العسكري، التي كانت تحاضر مثله في دار المعلمين العالمي، والتي تعد أول أخصائية عراقية متخصصة في الأدب الإنجليزي، وقد تعرفت على جبرا عام 1951 وبدأت الصداقة بينهما ثم تحولت هذه الصداقة إلى علاقة حب في وقت قصير.
لكي يتمكن الزواج من السيدة لميعة قرر تغير ديانته إلى الإسلام، وقد أسلم جبرا على يد القاضي عبد الحميد الأتروشي قبل أيام من زواجه، كما حصل على الجنسية العراقية بعد زواجها من لميعة، ولديه منها ولدان وهما سدير وياسر.
لميعة هي ابنة عائلة مكونة من وزراء وضباط كبار، وقد حصلت على شهادة الماجستير من جامعة وسكونسن في ولاية ماديسون الأمريكية، ثم تعينت مدرسة في دار المعلمين العالية، وتوفيت في بغداد ودفنت بجانب زوجها في مقبرة محمد السكران.
مسيرته المهنية
بعد عودته من إنجلترا عمل جبرا إبراهيم جبرا معلمًا في مدرسة الرشيدية، وعندما هربت الأسرة إلى العراق عمل في كلية تدريب المعلمين لمدة عام، ثم سافر إلى هارفرد وهناك بدأ في ترجمة روايته الأولى "صراخ في ليل طويل" من الإنجليزية إلى العربية، كما بدأ في كتابة روايته الثانية "صيادون في شارع ضيق" عام 1960.
عاد مجددًا إلى بغداد، وهناك عمل في العلاقات العامة في شركة نفط العراق، ثم عمل بعدها في وزارة الثقافة والإعلام العراقية، وعمل مدرسًا في كليات مختلفة، كما أصبح أستاذًا للغة الإنجليزية في جامعة بغداد.
انخرط جبرا في الحياة الفنية وهو في بغداد، وهو أحد مؤسسي جماعة "البعد الواحد" وقد كان مهتمًا بالمجتمع العربي والحداثة، لذا فقد كان عضوًا في مجموعة بغداد للفنون الحديثة التي حاولت الجمع بين التراث العراقي وأساليب الفن التجريدي الحديث.
مؤلفات جبرا إبراهيم جبرا
قدم جبرا إبراهيم جبرا العديد من الأعمال الفنية والأدبية كشاعر وروائي ورسام ومترجم وناقد أدبي كذلك، فقد كان متعدد المواهب، وقد ترجم في البداية أعمال أدبية من الإنجليزية إلى العربية، ولعل أهل ترجماته ترجمة شكسبير، وكما ترجم العديد من الأعمال في الأدب الغربي.
كتب العديد من الروايات، وقد ترجمت العديد من رواياته إلى أكثر من 12 لغة منها الإنجليزية والفرنسية، وقد تميزت رواياته بالبحث عن الحداثة واستخدام أنماط سردية جديدة وقد عالج في رواياته الشخصية الفلسطينية في الغربة والشتات.
ومن أهم روايات جبرا إبراهيم جبرا رواية "السفينة"، و"البحث عن وليد مسعود"، و"عالم بلا خرائط"، الذي كتبها مع الروائي والأديب السعودي عبد الرحمن منيف، كما كتب روايات "البئر الأولى" وهي عبارة عن سيرة ذاتية، و"شارع الأميرات"، و"صراخ في ليل طويل"، و"الغرف الأخرى"، و"أيام العقاب"، و"الملك الشمس" وغيرها.
وفي الشعر كتب عدد من القصائد، منها "تموز في المدينة"، و"لوعة الشمس"، و"المدار المغلق"، كما كانت له دراسات عديدة في الأدب الفن المعاصر منها "الرحلة الثامنة"، و"ترويض النمرة"، و"الحرية الطوفان"، و"الفن المعاصر في العراق"، و"جذور الفن العراقي" وغيرها.
وفاته
توفي جبرا إبراهيم جبرا عام 1994 في بغداد، وبعد وفاته عاشت إحدى قريباته وهي رقية إبراهيم في منزله في بغداد، ولكن لسوء الحظ تدمر منزله إثر سيارة مفخخة انفجرت أمام السفارة المصرية المجاورة لمنزله في عام 2010.
وبسبب هذا التفجير تم تدمير جزء كبير من الشارع كما قتل العشرات من المدنيين، وخلال التفجير فقدت وحرقت الكثير من رسائل جبرا وأمتعته الشخصية ولوحاته.