بدأ رجل الأعمال اللبناني توفيق كريدية رحلته إلى الثروة والنجاح من الصفر، فبدأ تجارته من متجر صغير في أحد أكثر الأحياء شعبية في العاصمة بيروت، وأصبح الآن بعد مرور أكثرمن 20 عامًا صاحب واحدة من أهم وأنجح شركات تجارة التجزئة الرائدة في الإمارات والمنطقة العربية، تعرف أكثر على قصته الملهمة ورحلة نجاحه في هذا المقال.
من هو توفيق كريدية؟
هو رجل أعمال لبناني ولد في عام 1971 في العاصمة اللبنانية بيروت، ويعد من أهم رجال الأعمال في مجال تجارة التجزئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهو مؤسس والرئيس التنفيذي مجموعة "براندز فور لس" التي تعد إحدى الشركات الرائدة في مجال تجارة التجزئة.
بدأ كريدية رحلته في تجارته الرائدة منذ التسعينات برفقة صديقه وشريكه ياسر بيدون، حيث بدأ تجارته بمحصل صغير في عام 1996 في مدينة بيروت، ثم توسع العمل وقرر الشركاء الانتقال إلى الإمارات لتأسيس محل فيها، ومن ثم تم تأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة، لتتولد مجموعة "بي إف إل" التي تملك حاليًا 78 محليًا في 36 مدينة في أوروبا والشرق الأوسط.
كانت بداية كريدية بداية متواضعة، فقد تمكن من رأس مال بسيط من أن يؤسس تجارة رائدة له ويصبح من الأسماء البارزة في عالم المال والأعمال.
رحلة كفاح منذ الصغر
ولد رجل الأعمال توفيق كريدية في عائلة من الطبقة المتوسطة في لبنان، وقد نشأ وسط أوضاع متأزمة في بلده لبنان، بعمر 4 سنوات بدأت الحرب، ولم تكن هذه الأزمة الوحيدة التي عاشها كريدية في صغره، فقد عاش الحرمان بعد أن قرر والده ترك العائلة والمغادرة دون أسباب واضحة.
كان كريدية هو الابن الثالث بين 4 أخوة، وكان لديه شقيقتين أكبر منه، وبحكم كونه الابن، فقد حُكم عليه أن يتحمل مسؤولية عائلته منذ الصغر، لذا بدأ العمل منذ سن 11 عامًا تقريبًا، ولكنه اهتم بدراسته في الوقت نفسه، ولم يهمل دراسته من أجل العمل والمسؤولية التي وقعت على عاتقه في سن صغير، وكانت أول وظيفة عمل بها كريدية هو العمل في توصيل الطلبات.
أنهى كريدية دراسته حتى المرحلة الثانوية، ثم حصل على منحة لدراسة إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت، فقد كانت الجامعة تتحمل 70% من تكاليف الجامعة، بينما تحمل هو بقية المصاريف التي دفعها بعمله أثناء الدراسة.
حصل كريدية على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال في عام 1992، وكان أول هدف له بعد التخرج هو الخروج من لبنان والعمل في الخارج، وبالفعل تلقى عرضًا للعمل في السعودية مقابل 2500 ريال سعودي، أي 700 دولار تقريبًا.
من العمل كموظف إلى تأسيس شركة براندز فور ليس
دائمًا ينصح توفيق كريدية الشباب المقبلين على العمل الاهتمام بدراستهم، ثم العمل لمدة 5 إلى 6 سنوات في شركة؛ لاكتساب الخبرات اللازمة، وبعدها التفكير في بدأ مشاريعهم أو تجارتهم الخاصة، وهذا هو ما فعله كريدية بعد التخرج.
سافر كريدية إلى السعودية، وعمل لفترة في إحدى الشركات في العاصمة الرياض لمدة عام تقريبًا، وخلال هذه الفترة كان يرسل مرتبه كاملًا إلى عائلته في لبنان لإعانتهم، وكان يعمل في محل لبيع سندوتشات الفلافل من أجل الإنفاق على نفسه في السعودية.
بعد عام تقريبًا قرر السفر إلى الإمارات عام 1993، وكانت الإمارات هي الانطلاقة الحقيقية له هناك، حيث ترقى في الشركة التي عمل بها، وفي عام 1996 ترقى إلى أحد المناصب الإدارية في لبنان، وكان وقتها شريكه وصديقه ياسر بيضون يعيش في لبنان في هذه الفترة.
فكر الصديقان في بدء تجارتهما، وبالفعل بدأ المشروع بمحل صغير في منطقة اسمها "قصقص" في العاصمة بيروت، وهي منطقة شعبية، وكان اسم المحل وقتها Cost+، وكان رأس مال المحل 10 آلاف دولار كعمل جانبي بجانب وظيفتهم الأساسية في الشركة.
في عام 2000 قرر كريدية الانتقال إلى الإمارات، بينما بقي ياسر في بيروت، وفي الإمارات استقال كريدية من وظيفته وحصل على قرض بمبلغ 40 ألف دولار من بنك HSBC وتفرغ لتجارته بشكل كامل، وفتح محل وسمّاه "براندز فور ليس" الذي أصبح فيما بعد شركة ذات مسؤولية محدودة، وتضم مجموعته حاليًا 78 محلًا في 36 مدينة في الشرق الأوسط وعدة مدن أوروبية، بما فيها الإمارات والبحرين، والكويت، ومالطا، وإسبانيا، والمملكة العربية السعودية، ولبنان.
اختصت مجموعته في بيع أزياء الموضة ومستلزمات الأثاث المنزلي من ماركات عالمية ولكن بأسعار مخفضة بنسبة 80% عن سعرها الأصلي.
من أين جاءت فكرة المشروع؟
تعد فكرة بيع أزياء الموضة بأسعار مخفضة بنسبة 80% هي فكرة رائدة في الشرق الأوسط، وقد استلهم توفيق كريدية هذه الفكرة من مجموعة المتاجر في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شعر كريدية أن لبنان بحاجة إلى مثل هذه المشروعات، وخاصة أنها كانت في مرحلة بدأت فيها لبنان تتعافى من ويلات الحرب.
أدرك كريدية أن الشعب اللبناني على علم بالماركات والعلامات التجارية العالمية، وكان الكثير منهم يضطر إلى شراء هذه المنتجات من الخارج، فقرر استغلال هذا الأمر ببيع أكثر من علامة تجارية في محلاته وبسعر مميز، وكانت هذه الرؤية سببًا في نجاح مشروعه.
التعاون وتوسيع التجارة
وبعد الافتتاح الأولي لمحله قرر توفيق كريدية التوسع في مجموع بي إف إل في الإمارات، والتي أصبحت مقرًا لخطط التوسع المستقبلية، وفي عام 2004 تم تأسيس كيان لهم في المنطقة الحرة في جبل علي، وتعرف أيضا باسم "جافزا" وهي منطقة حرة تابعة لموانئ دبي العالمية.
في عام 2013 تواجدت مجموعة بي إف إل كتجارة إلكترونية في جافزا، وكانت هذه نقطة فارقة في نمو أعمال المجموعة، حيث تمكنت المجموعة من تقديم خدماتها إلى فروعها الـ87 في أوروبا والشرق الأوسط، فيما أصبحت إمارة دبي هي مركز التوزيع الأساسي للمجموعة، حيث يوجد في الإمارات 55 فرعًا من فروع المجموعة، ولهذا تعد الإمارات هي السوق الأكبر للمجموعة.
الاستفادة من التطور التكنولوجي
مر على توفيق كريدية مواقف صعبة وعقبات في تجارته، إلا أنه بخبرته الطويلة في عالم التجارة تمكن من الاستفادة من هذه الأزمات لصالحه، خلال أزمة كورونا وفي وسط أزمات اقتصادية عالمية، استثمرت مجموعة بي إف إل، التي أسسها كريدية وبيضون، 12 مليون دولار من أجل توسعة أنشطة التجارة الإلكترونية للمجموعة.
كانت أزمة كورونا سببًا في توقف العديد من التجارات بسبب قوانين التباعد الاجتماعي التي فرضت لفترة طويلة خلال الأزمة؛ ولهذا السبب شعر كريدية أن استغلال التطور التكنولوجي سيكون مناسبًا جدًا؛ من أجل مواصلة عمليات البيع حتى مع عدم وجود العنصر البشري بنسبة كبيرة.
وكان جزء من برنامج المجموعة الاستثماري هو امتلاك عقار إضافي في جافزا على مساحة 27 ألف متر مربع لزيادة إمكانياتها اللوجستية، وتتوقع المجموعة نمو بنسبة 50% خلال 5 سنوات من هذا الاستثمار.
استفادت المجموعة من التطور التكنولوجي الحاصل في قطاع الخدمات اللوجستية من خلال استغلال الروبوت، حيث قامت بنشر 400 روبوت في فترة 18 شهرًا، عام 2022 واستغلالها لتسريع العمليات في مختلف أنواع المشاريع الخاصة بالشركة، وأصبحت أكثر من 65% من عمليات البيع والتصنيف في جافزا تقام من خلال الروبوتس.
دخوله عالم السوشيال ميديا
كان دخول عالم السوشيال ميديا، وخاصة تيك توك، بمثابة تحدي لرجل الأعمال اللبناني توفيق كريدية، وخاصة أنه من جيل X، وهو جيل بعيد نوع ما عن عالم السوشيال ميديا ومنصات التواصل الاجتماعي.
كان كريدية من أوائل رجال الأعمال في الشرق الأوسط الذين استغلوا السوشيال ميديا من أجل التسويق لشركته والمنتجات التي يبيعها في الشركة، حيث أنشأ حسابًا على تيك توك ونشر فيديو واحد، وبعد يوم واحد فقط وصل عدد مشاهدات الفيديو 400 ألف مشاهدة.
في هذه اللحظة أدرك كريدية أن السوشيال ميديا لها دور مهم في تطوير تجارته، فقرر الاستمرار في هذه الفكرة، ولكن الفرق أنه سيكون صاحب الشركة والمؤثر في الوقت نفسه، وبالفعل أصبحت صفحته على تيك توك بها أكثر من مليون متابع، فضلًا عن ملايين المشاهدات والإعجابات.
تمكن كريدية من الوصول إلى فئة كبيرة وضخمة وجديدة لم يكن يستطع دخولها لولا عالم السوشيال ميديا، وهم جيل Z، واستطاع جذبهم أكثر من خلال المسابقات والتحديات المختلفة.
لم يستغل كريدية السوشيال ميديا فقط من أجل التسويق لتجارته وشركته، بل أيضًا من أجل تقديم نصائح فعالة للشباب من أجل بدء تجارتهم الخاصة، وكيف يمكنهم مواجهة العقبات التي ستواجههم خلال إدارة مشاريعهم.
لدى كريدية صفحات على إنستغرام وتيك توك باللغتين العربية والإنجليزية، ويختلف محتوى الصفحات العربية عن الإنجليزية حسب استقبال المشاهد والجمهور.
كريدية وبيضون صداقة وشراكة لعقود
بدأ توفيق كريدية تجارته بالشراكة مع صديق عمره رجل الأعمال ياسر بيضون، وقد بدأت علاقتهما من عمر 10 سنوات ولا تزال مستمرة حتى الآن، ولكن الفرق أنهما شركاء في واحدة من أهم وأنجح شركات البيع بالتجزئة في الإمارات والشرق الأوسط.
وعن قدرة الاثنان على استمرار علاقتهما الطيبة بين الصداقة والشراكة، رغم أن الشراكة قد تسبب خلافات حتى بين الإخوة، أوضح كريدية إن علاقتهما بدأت قبل العمل، وكانت تجارتهما بسبب هذه العلاقة.
لم يكن اسم مجموعتهم "بي إف إل" اختصار لكلمة "براندز فور ليس" فقط، بل أيضًا اختصار لكلمة "بيست فريندز فور لايف" جروب، أي "أصدقاء إلى الأبد" ويعتبر ثنائية المعنى في اسم مجموعتهما انعكاس على علاقتهما الجيدة في الحياة الشخصية والمهنية أيضًا.
"أنت محظوظ لأنك تذهب إلى العمل وتقابل صديقك المقرب كل يوم" كانت هذه الجملة تُقال إلى كريدية يوميًا، وهو يشعر أنه بالفعل محظوظ لأنه يمتلك صديقًا مثل بيضون، ويعتبر صداقتهما أفضل شيء في حياته.