اشتهرت الفنانة البرازيلية تارسيلا دو أمارال بأعماله الفنية التي ركزت على القضايا الإنسانية والنضالية، فكانت صوت من لا صوت لهم ونقلت بريشتها معاناة الطبقة العاملة فأصبحت من أهم المناضلات في أمريكا اللاتينية وكانت لأعمالها الفنية ولوحاتها تأثير على الفن، تعرف أكثر عليها من خلال هذا المقال.
من هي تارسيلا دو أمارال؟
تارسيلا دي أجوار دو أمارال هي رسامة ومترجمة ومناضلة اشتراكية برازيلية ولدت في 1 سبتمبر عام 1886 في بلدة كاييفاري في ولاية ساو باولو في البرازي.
لتعتبر واحدة من الشخصيات الرائدة في الفن الحداثي في أمريكا اللاتينية، وتشتهر أعمالها بألوانها النابضة بالحياة وصورها الجريئة واحتفالها بالهوية البرازيلية.
تعد أمارال رائدة فن الحداثة في أوائل القرن العشرين فقد أدخلت أنماطًا فنية حديثة في أعمالها ولوحاتها مثل التكعيبية والسريالية، كما مزجت في الموضوعات وبرزت الفولكلور البرازيلي ففي أعمالها الفنية.
اشتهرت لوحات أمارال بتصوير مشاهد الحياة اليومية في البرازيل والمناظر الطبيعية الخصبة، وقد اهتمت بالهوية الوطنية والشخصيات في بلدها فصورت النساء قويات ومستقلات وساهمت في تكوين هوية بسرية برازيلية مميزة.
كانت أمارال مدافعة عن حقوق المرأة كما أنها كانت صوت المهمشين والضعفاء من الطبقة العاملة في ظل النظام الرأس مالي.
قدمت تارسيلا خلال مسيرتها الفنية أكثر من 200 لوحة والكثير من الجداريات والتماثيل والرسوم التوضيحية وقد أسست مدرسة للفن الحديث في أمريكا اللاتيني وطورت أسلوبًا فنيًا فريدًا خاصًا ببلدها البرازيل.
نشأتها وتعليمها
نشأت تارسيلا دو أمارال في بلدة صغيرة اسمها كابيفاري تقع في ولاية ساو باولو البرازيلية، وقد نشأت في عائلة ثرية من المزارعين، فقد كانت عائلته تملك الأراضي ويزرعون القهوة، وقد ولدت قبل عامين من نهاية العبودية في البرازيل.
ولدت تراسيلا في فترة لم يكن تعليم المرأة مهمًا، إذ لم يتم تشجيع النساء في البرازيل بإكمال تعليمهن أو الحصول على التعليم الحالي، إلا أن تارسيلا كانت محظوظة بعائلتها التي شجعتها على إكمال تعليمه والحصول على التعليم العالي.
في فترة مراهقتها انتقلت تارسيلا إلى إسبانيا مع والديها، وهناك تعلمت في مدرسة في مدينة برشلونة، وقد أعجبت بفن الرسم هناك، ولدى عودتها إلى بلدها تدربت على الرسم مع الرسام بيدرو ألكساندرينو بروخيس ودرست معه الرسم والنحت والعزف على البيانو بداية من عام 1916.
في عام 1920 غادرت تارسيلا إلى باريس للدراسة وهناك التحقت بأكاديمية جوليان، وهي مدرسة فنية خاصة بالرسم والنحت، وقد درست مع فنانين بارزين في باريس من عام 1920 إلى عام 1923.
زوج تارسيلا دو أمارال
في عام 1926 تزوجت تارسيلا من الشاعر والفنان البرازيلي أوزوالد دي أنداردي، وقد كان شاعرًا وكاتبًا ومسرحيًا وروائيًا وثوريًا وكان أحد قادة الحركة الحداثية في الفنون في البرازيل.
ولد أنداردي في عائلة ثرية أرستقراطية وقد سافر إلى أوروبا في شبابه وأصبح على دراية بالاتجاهات الأدبية والفني في أوروبا ودرس القانون هناك ثم عاد لترسيخ الحركة الحداثية في بلاده.
خلال زواجهم تعاونت تارسيلا مع زوجها من أجل نشر الحركة الحداثية، ولكن لسوء الحظ انتهى هذا التعاون الفني بينهما بانفصالهما عام 1930.
مسيرتها الفنية
كانت برازيل في تلك الفترة تفتقر للمتاحف الفنية أو المعارض الفني حتى بعد الحرب العالمية الثانية، وكان الفن في البرازيل محافظًا من الناحية الجمالية فلم يتعرض للاتجاهات الفنية العالمية التي ظهرت في هذه الفترة مثل السريالية وغيرها.
عندما سافرت تارسيلا دو أمارال إلى باريس لدراسة الفن التقت بأشهر نجوم الرسم هناك، كما تأثرت بالحركات الأوروبية في الفن والرسم والنحت وعندما عادت إلى ساو باولو انضمت إلى مجموعة فنية اسمها Grupo dos Cinco.
ركزت هذه المجموعة على تطوير الفن في البرازيل وتغيير المؤسسة الفنية المحافظة وتشجيع نمط الفن الحديث الذي انتشر حول العالم، وقد انضم لهذه المجموعة عدد من نجوم الرسم والشعر والتمثيل في ساو باولو، وطلب من تارسيلا الانضمام إلى هذه المجموعة.
وافقت تارسيلا وسعت للترويج للثقافة البرازيلية من خلال لوحاتها وأعمالها الفنية، واستخدمات أساليب لم تكن أوروبية في لوحاتها، كما أنها أدرجت أشياء كانت أصلية في البرازيل ميزتها عن غيرها من الرسامين.
التأثر بالمدرسة التكعيبية
عادت تارسيلا دو أمارال إلى باريس عام 1929 لفترة وجيزة، وهناك تعرفت على المدرسة التكعيبية خلال دراستها مع أندريه لوت وفرناند ليجر، وقد طور الفنانون في أوروبا اهتمامًا كيرًا بالثقافات الأفريقية البدائية من أجل الإلهام.
تأثرت تارسيلا بالمدرسة التكعيبية ورسمت واحدة من أشهر أعمالها "النيجرا" وموضوع هذه اللوحة هو رسم سيدة كبيرة سوداء ذات ثدي واحد وكير، وقد ملأت خلفية اللوحة بأشكال هندسية.
التأثر بالقومية البرازيلية
اهتمت تارسيلا بإبراز الهوية البرازيلية في لوحاتها، وقد كانت متأثرة بشكل كبيرة بأسلوبها الفني المتطور، وقد زادت حبها لقوميتها خاصة في باريس.
نشرت رسالة أرسلتها تارسيلا إلى عائلتها عام 1923 تتحدث فيه عن شعورها بهويتها، وتقول في رسالتها: "أشعر بأني برازيلية أكثر من أي وقت مضى، أريد أن أكون رسامة لبلدي، كم أنا ممتنة لأنني أمضيت طفولتي في المزرعة، فقد أصبحت هذه الذكريات ثمينة لي".
استلهمت تارسيلا الكثير من حياتها في المزرعة، لذا نجد الكثير من لوحاتها مناظر طبيعية وأشجار وطبيعة خلابة بفضل البيئة التي نشأت وعاشت فيها.
في عام 1923 قضت تارسيلا معظم وقتها في باريس مع الشاعر أوزوالد دي أندرادي، الذي أصبح زوجها فيما بعد، ثم عاد الزوجان إلى البرازيل وسافرا في جميع أنحاء البرازيل للعثور على الإلهام لفنهما من الطقوس الشعبية والدين الشعبي.
خلال رحلاتها في البرازيل رسمت تارسيلا العديد من لوحاتها الناجحة، كما أنها وضحت الكثير من قصائد زوجها وكتاباته خلال رحلاتهم. دعت تارسيلا وزوجها إلى إنشاء أعمال برازيلية فريدة من أجل تصدير الثقافة البرازيلية إلى أوروبا لهدف تأسيس فن حديث خاص بالبرازيل.
خلال هذا الوقت تطور أسلوب تارسيلا الفني وأصبحت ألوانها أكثر حيوية، كما رسمت العديد من اللوحات للمدن الكبرى ومظاهر المدن والقرى مثل مدينة ساو باولو ومضخات الغاز وعدد من المشاهد الحضرية في مدينتها.
نظمت تارسيلا العديد من المعارض الفنية طوال حياتها، وقد قدمت معرضها الفردي الأول عام 1926 في البرازيل، كما أقامت معرضًا فنيًا في باريس عرضت العديد فيه العديد من لوحاتها، تم الإشادة بلوحات تارسيلا ووصفت بأنها "أصلية"، و"غريبة".
دمج السريالية بالفن القومي
خلال وجودها في باريس تأثرت تارسيلا دو أمرال بالفن السريالي وعندما عادت إلى البرازيل بدأت نوعًا فنيًا جديدًا مزجت فيه بين السريالية وأعمالها القومية وابتعدت عن المناظر الطبيعية والحضرية.
كانت أول لوحة لها خلال هذه الفترة لوحة اسمها "أبابورور" وعبارة عن شخصية كبيرة ذات أقدام ضخمة تجلس على الأرض بجوار نبات صبار وشريحة ليمون في الخليفة، وكلمة "ابابورو" كلمة هندي تعني "الرجل يأكل"، وقد قدمت هذه اللوحة إلى زوجها في عيد ميلاده.
عملها النضالي
في عام 1931 سافرت تارسيلا دو أمارال إلى الاتحاد السوفييت وأقامت معارض فنية في متحف الفن الغربي في موسكو، وسافرت في عدد من المدن وزارت عدد من المتاحف هناك.
تأثرت تارسيلا بالفقر ومحنة الشعب الروسي وقد عكست هذا التأثر في عدد من لوحاتها، ولدى عودتها إلى البرازيل عام 1932 انخرطت في ثورة ساو بولو الدستورية ضد الديكتاتورية في البرازيل.
تأثرت تارسيلا بالحركة الشيوعية في الاتحاد السوفييت، وقد سجنت في البرازيل لمدة شهر وبعد خروجها واصلت رسم العديد من اللوحات عن موضوعات اجتماعية.
بدأت تارسيلا أيضًا في كتابة عمود أسبوعي للفنون في صحيفة دياريو دي ساو باولو واستمرت في الكتابة عام 1952.
وفاة تارسيلا دو أمارال
توفيت تارسيلا في 17 يناير عام 1973 عن عمر 86 عامًا في ساو باولو في البرازيل، وقبل وفاتها استمرت في رسم المئات من اللوحات التي رسمت فيها الشعب البرازيلي والمناظر الطبيعية ونظمت العديد من المعارض في بلدها وخارج بلدها أيضًا.
تعد تارسيلا شخصية برازيلية بارزة عملت على إحياء تراث بلدها وجعلت من القومية والهوية البرازيلية شعارًا لها في حياتها.
تركت تارسلا خلفها أكثر من 230 لوحة فنية والمئات من الرسومات والمطبوعات والجداريات وخمسة منحوتات، وقد أثرت بشكل كبير على الفن في أمريكا اللاتينية وطورت أسلوبًا فريدًا للفن في البرازيل.
في عام 2018 تم افتتاح معرض للفن الحديث وعرضت فيها العديد من أعمالها، وفي عام 2022 تم استرداد عدد من لوحاتها التي سرقت في البرازيل.