بعثة دينية مغربية في مهمة رمضانية.. أسرار وتأثير على مسلمي ألمانيا!

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 19 ساعة
بعثة دينية مغربية في مهمة رمضانية.. أسرار وتأثير على مسلمي ألمانيا!


يتوافد مقرئون وأئمة ووعاظ على أوروبا خلال شهر رمضان بشكل مكثف من مختلف الدول العربية والإسلامية، وتصل بعثات دينية مستحضرة حاجة مسلمي الغرب للعناية الروحية إبان أكثر أشهر السنة أهمية في الثقافة الإسلامية، مما جعل بعض الدول تخصص مبادرات رمضانية لجالياتها، ومنها المبادرة المغربية.

لعل ما يميز هذه المبادرة المغربية، حسب عبد الصمد اليزيدي رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أنها "الأعرق تاريخيا"، إذ أن وفودها تتوالى منذ سنة 1992 في مهمة "تأطير" الجالية المغربية، وخلق أجواء روحية وثقافية تهدف لمواكبة مواطنيها خارج حدود الوطن.

لا تنحصر الاستفادة من خدمات هذه البعثة في ألمانيا على الجالية المغربية، رغم أن تواجد المقرئين والوعاظ والمرشدات والأئمة يقتصر إلى حدود اليوم في المساجد التابعة للجالية المغربية، التي شيدتها وتسيرها جمعيات الجالية، بل إن كل من يتردد على هذه المساجد يجد نفسه بطبيعة الحال أمام طقوس رمضانية خاصة.

وتتولى تنسيق هذه البعثة مؤسستين مغربيتين رسميتين معية السلطات الألمانية، وهي مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية.

بعثة دينية بأهداف تثقيفية توعوية

بالنسبة لمحمد بنوه، رئيس المجلس المركزي للمغاربة في ألمانيا، فالبعثة العلمية "تسد نقصا في المساجد خلال صلاة التراويح، لكنها تضفي على الأجواء الرمضانية لدى الجالية وعموم مسلمي ألمانيا رونقا خاصا، بفضل ما يوفره الوفد من خطب وندوات ودروس وعظ وإرشاد ديني وسطي معتدل يدعو للتعايش".

أما اليزيدي، فيرى أن المملكة المغربية تركز على خدمة المواطنين وربطهم بالوطن ولكنها في الآن ذاته تقدم خدمات للمسلمين عموما في هذا الشهر المميز".

وقد عبر المتحدث في حواره مع DW عربية عن رغبته في أن تتوسع التجربة أكثر وتنفتح على باقي المساجد على الأرض الألمانية، معتبرا أن "تعريف غير المغاربة بنمط التدين المغربي المنفتح، أمر في صالح الإسلام في ألمانيا".

كما اعتبر المتحدث، الذي يرأس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أن "مثل هذه المبادرات تترك صدى إيجابيا لدى عموم المواطنين المسلمين، وتكرس نوعا من التعاون بين ألمانيا وباقي البلدان".

هل تسهم المبادرة في اتساع أفق التعاون الديني بين المغرب وألمانيا؟

يترقب كثيرون تشكيل حكومة ألمانية جديدة، متسائلين إن كانت ستستمر على نهج سابقتها، التي أسست لحوار ديني بين المغرب وألمانيا. وهو حوار يراه اليزيدي قد توطد منذ الإعلان عن اتفاقية النوايا المشتركة التي وقعتها الحكومة السابقة مع نظيرتها المغربية".

وعبر المتحدث عن أمله في "استمرار التنسيق بين الجانبين لأجل استفادة الجانب الألماني، مما راكمته التجربة المغربية بنمط تدينها المنفتح في تكوين الأئمة على وجه الخصوص". وهي تجربة سبق أن انطلق فيها معية دول أخرى في إفريقيا وفرنسا أيضا.

إن عامل الجذب الذي يجعل ألمانيا تختار شراكة مع المغرب هو "طبيعة التدين المنفتح على التعايش وعلى الوسط الأوروبي والغربي عموما"، وهو حسب محمد بنوه، "نتاج عمل قام به المغرب على مدى سنوات في مجال إصلاح الحقل الديني".

أجواء رمضانية في خدمة التعايش

تسترعي الأنشطة المنظمة من قبل المساجد التابعة للجالية للمغربية، اهتمام المسؤولين الألمان الذين يتوافدون عليها خلال شهر رمضان لأجل الإسهام في تكريس تعايش الثقافات والديانات. مثل زيارة قام بها رئيس بلدية لودنشايد رفقة سياسيين ألمان لمسجد عبد الكريم الخطابي بالمدينة، ورئيس بلدية مدينة راونهايم بولاية هيسن، الذي زار مسجد الصداقة المغربي.

وبالنسبة لعضو البعثة الدينية المغربية، إبراهيم إمونن، المكلف بدروس الوعظ ولإرشاد وتأطير المحاضرات والندوات بمنطقة دوسيلدورف، والذي يشارك في هذه البعثة منذ عشرين عاما، فيعتبر أنه بالإضافة لاستفادة المسلمين الألمان والمغاربة على وجه الخصوص من هذه البعثة، فهو أيضا كوَّن رصيدا مهما من المعارف وخبرة بشؤون أفراد الجالية المغربية والمسلمة في الغرب".

ويرى الأستاذ الجامعي المغربي أن المهمة الأساسية لهذه المبادرة، هو توفير الأمن الروحي للجالية ومسلمي ألمانيا عموما، والحفاظ على الهوية الدينية المتسمة بالوسطية والانفتاح، وتكريس الاحترام المتبادل بين مختلف الأديان السماوية، والثقافات والحضارات.

ويرى المتحدث أن استمرار المبادرة لسنوات طويلة، وتوسع دائرة اشتغالها، وتنوع أعضائها، يبرز نجاح خطة الإسهام في الارتقاء بالخطاب الديني بعد استيعاب واقع الحياة المعاصرة في السياق الأوروبي.

المحتوى الديني والسياق الألماني

توجهنا بسؤالنا للإمام إبراهيم حول محتوى الخطب التي تلقى أمام مرتادي المساجد، فأجاب قائلا: "نخصص في غالب الأحيان حصصا للأسئلة الدينية التي تجيب على أسئلة العصر لدى مسلمي ألمانيا، ونركز كثيرا على برنامج التوعية الدينية وتلبية هذه الاحتياجات بقدر ما يسمح به الوقت المخصص للبعثة".

الخطاب الذي يتقدم به أعضاء البعثة المغربية يوصف بالمعتدل حسب اليزيدي، الذي يرى أن الاتفاقيات المستقبلية بين البلدين قد تكون "بوابة للتأسيس لخطاب مناسب لمتطلبات العصر وموجه لمسلمي ألمانيا مصدره المملكة المغربية".

لكنه يرى، أن عموم البعثات الدينية القادمة من خارج ألمانيا تكون في مواجهة معضلتين: "أولا اللغة إذ أن الكثيرين من أبناء الجالية أو مسلمي ألمانيا، لا يتقنون العربية، ثم معضلة المضمون. فإذا لم تكن الموعظة تجيب على الأسئلة الملحة بالنسبة للشباب، فإنهم يتجهون لوسائل التواصل الاجتماعي حيث يكثر الخطاب المتطرف"، حسب المتحدث.

"معضلة المغالطات" هذه والتي تساهم في استفحال التطرف بين الشباب، تحاول البعثة التصدي لها حسب بنوه، بتخصيص جزء من برنامج الوفود المشاركة لندوات تجمع الشباب في ألمانيا بعلماء مكونين في معاهد معترف بها، وينتمون لـ"نمط تدين ذو نهج توجيهي سليم". أما اللغة فيتم التغلب عليها بحضور شباب مترجمين في كل الدروس والأنشطة.

حضور نسائي يضفي لمسة استثنائية على البعثة

منذ بضع سنوات، صارت المرشدات الدينيات جزءا من البعثات المغربية نحو ألمانيا، ورغم قلة عددهن مقارنة بالرجال، إلا أن اليزيدي يرى أن "حضورهن أمر مهم جدا، ودورهن أكثر إفادة أحيانا"، مشيرا إلى أنه "استثناء مغربي".

واعتبر المتحدث أن "حضور المرأة في المجال الديني في المغرب ليس غريبا، فالعالمات المغربيات ألقين دروسا دينية في حضرة ملك البلاد".

وأضاف "علينا كمسلمين في ألمانيا أن نعمل على فتح الفضاءات الدينية أمام المرأة".

كيف يتفاعل المسلمون في ألمانيا مع البعثة؟

مما يجعل الدكتور إبراهيم ينخرط في المبادرة منذ عشرين عاما دون توقف، هو "الارتسامات الطيبة التي يتلقاها أعضاء البعثة من مسلمي ألمانيا من مختلف الجنسيات، وتوافد الآلاف من المغاربة من مختلف الأجيال على المساجد خلال رمضان".

لهذا السبب دافع المتحدث عن "تكثيف الجهود لتطوير الخطاب الديني وتطوير أساليبه أكثر، واستثمار وسائل الرقمنة المتاحة لتقريب محتوى التوعية الدينية من فئة الشباب، مع التركيز على الترجمة أو تعلم اللغة كوسيلة ناجعة لتبليغ مفاهيم الدين بشكل صحيح وسليم، وتحصين الشباب من استغلالهم من طرف المتطرفين".

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة