عندما يكرس الطبيب حياته لإنقاذ مرضاه، ويضع حياة المرضى هدفًا نصب عينه، فيُتم دوره على أكمل وجه، ويُسخر جهوده وعلمه في تطور العالم، فتُصبح يداه سببًا في علاج آلاف المرضى، إنه الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى وجراحة المسالك البولية، الذي يُعد من أفضل من أمهر جراحي العالم في مجال الكلى والمسالك البولية.
ولد في القاهرة عام 1939، في القاهرة، واضطرت أسرته بعدها للانتقال إلى المنصورة، وهناك عاش طفولته.
بدأ دراسته للطب في جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1960، ومنها على درجة الدبلوم تخصص الجراحة عام 1963، ولم يلبث عام حتى حصل على دبلوم المسالك البولية، ثم درجة الماجستير فيها من جامعة القاهرة عام 1967.
ما زاد شغف الدكتور في دراسة أمراض الكلى أن هذا التخصص معقد، وخاصة تفشي الأمراض التي تصيب الجهاز البولي في مصر، مثل البلهارسيا، فضلًا عن تزايد نسبة مرض الفشل الكلوي، وهو ما جعله يركز على دراسة هذا التخصص.
أكمل الطبيب دراسته في جامعة القاهرة، وسافر إلى إنجلترا لمدة عامين للحصول على درجة الزمالة، ومن هناك سافر إلى الولايات المتحدة؛ ومن ثم إلى كندا، وعند عودته عُين مدرسًا في كلية الطب بجامعة المنصورة عام 1975.
بدأت شهرة الطبيب الحقيقية، وبدأ يسطع اسمه في عام 1976 حيث أجرى أول جراحة نقل كلية في مصر بأقل الإمكانيات، وبمساعدة فريق مختص بأمراض الكلى في جامعة المنصورة كان مشرفًا عليها وقتها.
ويعتبر الدكتور محمد غني ثاني أمهر جراحي الكلى والمسالك البولية في العالم، كما أنه أحد أهم رواد زراعة الكلى في مصر والشرق الأوسط، وألف ما يقرب من 47 مؤلفًا باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى ما يقرب من 130 ورقة بحثية نُشرت في كبرى المجلات العلمية.
عُين "غنيم" مستشارًا طبيَا للرئيس الراحل أنور السادات، وحينها سيطرت عليه فكرة إنشاء مركز متخصص لجراحات الكلى والمسالك البولية، وسهل عليه كونه مستشارًا للرئيس آنذاك إتمام الإجراءات الحكومية وتذليل العقبات الروتينية التي تقف أمامه.
أنشأ هذا المركز بالتمويل الذاتي والتبرعات، بعدما فشل في الحصول على دعم وتمويل دولي أو عربي باستثناء هولندا التي ساهمت في بناء هذا المركز، حتى تم بناؤه وأصبح واقعًا، وذلك في عام 1983.
ساهم المركز بشكل كبير في علاج مئات، بل آلاف من الحالات حتى الآن، ويُعتبر المركز -الذي يعد أكبر المراكز في الشرق الأوسط- قلعة طبية تقدم العلاج بالمجان، تُجري عمليات زراعة الكلى.
فضلًا عن عمليات تحويل مجرى البول، واستبدال المثانة، واستئصال جذري المثانة، وجراحات أخرى، بجانب أقسام لغسيل الكلى، وعلاج الفشل الكلوي.
وساهم المركز بتقديم أكثر من 600 بحث علمي نُشر في الدوريات الطبية خلال عقدين، وأصبح من المراكز المعتمدة لمنظمة الصحة العالمية، كما أنه أخذ الاعتماد للتدريب من الجمعية العالمية.
وتكريمًا لجهود الدكتور "غنيم" الكبيرة وافق مجلس جامعة المنصورة بالإجماع على أن يصبح اسم المركز من "مركز جراحة الكلى والمسالك البولية" إلى "مركز غني لعلاج أمراض الكلى والمسالك البولية"، وذلك لاستمراره في العطاء لأكثر من أربعين عامًا في خدمة الطب والمرضى.
ويعزو الأطباء سر نجاح هذا المركز إلى الإدارة الحيوية والصارمة التي كانت تحت إشراف الدكتور غنيم، حيث كان يشترك التفرع التام للمركز، وعدم انشغال الأطباء بالعيادات الخاصة، ومستندًا إلى القانون الذي ينص على التفرغ الإجباري للعمل في المركز لمدة 3 سنوات.
ولأن "غنيم" يعلم أن التقدير المادي لا يقل أهمية عن التقدير المعنوي أقر حوافز للعاملين في المركز بنسبة 100% وذلك بديلًا لتفرغهم التام للمركز، وطبق ذلك على نفسه حيث لم يقم أي عايدة خاصة له حتى الآن؛ لأن الطب في نظرة رسالة وعمل إنساني وليست تجارة.
على الرغم من إحالته إلى التقاعد، ولكن هذا لم يثنه لحظة عن الاهتمام بالمركز العلمي، ولم يتراجع عن دوره العظيم في العطاء.
حصل البروفيسور محمد غني على العديد من الجوائز المحلية والعالمية وجوائز شرفية تقديرًا لجهوده في الطب، ومن ضمن هذه الجوائز، جائزة الدكتور فخري للبحث المتميز في العلوم الجراحية، وذلك في عام 1978.
وحصل على دكتوراه فخرية من جامعة جوتنبرج في السويد عام 1988، وأيضًا حصل على ميدالية سان بول من الجمعية البريطانية للمسالك البولية، وذلك في عام 1992، وبعدها حصل على الجائزة الوطنية للعلوم الطبية في مصر في عام 1997.
وفي عام 2000 حصل على جائزة الجمعية الطبية العربية الأمريكية، وبعدها بعامين قدمت له الجمعية الأمريكية للجراحات البولية التناسلية ميدالية هاري سبنس.
وفي عام 2003 حصل على جائزة الرواد العربي من مؤسسة الفكر العربي، وفي العام نفسه حصل على دكتوراه فخرية من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.
لم تتوقف الجوائز الشرفية والتقديرية إلى هذا الحد، ففي عام 2006 قدمت له الجمعية الدولية للمسالك البولية ميدالية فليكس جيون، وفي عام 2007 حصل على دكتوراه فخرية من جامعة الجزيرة السودانية، وفي العام نفسه حصل على الزمالة الشرفية من الكلية الدولية للجراحين.
اختير البروفيسور للفوز بجائزة حمدان للشخصيات الطبية المتميزة في الوطن العربي في دورتها لعام 2013 – 2014، وذلك تقديرًا منه لما قام من أعمال كبيرة لتطوير الرعاية الصحية في الدول العربية.
أبرز المحطات في حياة "غنيم" هي إنشاؤه لمركز طب المسالك البولية والكلى في مدينة المنصورة في مصر بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، ويقدم هذا المركز العلاج مجانًا للغالبية العظمى من المرضى، كما يقدم التدريب لمئات الأطباء والممرضات من جميع أنحاء العالم.
من المحطات المهمة له هو أنه أول طبيب يٌجري عملية زرع كلى في مصر، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن أجرى المركز أكثر من ألفي عملية جراحية.
تعد الدورات التدريبية التي بدأت البروفيسور محمد غنيم في عام 2010 واحدة من المحطات المهمة، قدم دورات تدريبية دولية في تقنيات الجراحة البولية الترميمية، كما ذهب إلى قطاع غزة عام 2009 للمساعدة في تقديم الخدمات الطبية لمصابي الحرب هناك.
أكثر من 40 عامًا هي الفترة التي لم يتكاسل فيها "غنيم" في العطاء وبذل الجهود الكبيرة في سبيل الطب، الذي يراها رسالة إنسانية، ولم يسع لجني الأرباح المادية من مشروعه، وإنما تمسك بهدفه الأساسي وهو تقديم العلاج للمرضى بالمجان.