هو واحد من أشهر الشعراء الكلاسيكيين العظماء، وصاحب التجربة الشعرية المميزة حيث وصف بأن شعره على طراز أشعار أبي تمام وأبي نواس، إنه الشاعر السوري بدوي الجبل أحد أعلام الشعر العربي في القرن العشرين، وأبرز السياسيين في الساحة السياسية في سوريا، تعرف أكثر على مسيرته وحياته وأهم أشعاره.
اسمه الحقيقي محمد سليمان الأحمد، ولقبه بدوي الجبل، هو شاعر وسياسي سوري ولد في عام 1903 في قرية ديفة في محافظة اللاذقية في سوريا، ويعد من أبرز الشعراء السوريين والعرب، ومن السياسيين البارزين في سوريا.
اشتهر الشاعر بدوي بشعره الكلاسيكي التقليدي، لذا يعده الكثير منا لشعراء بأنه واحد من أشهر وأعظم الشعراء الكلاسيكيين، ورغم شعره التقليدي إلا أنه تناول في قصائده كل ما هو حديث، وحمل الكثير من الأفكار العميقة التي تناولت أحداثًا وأفكارًا عربية معاصرة.
اشتهر الشاعر بدوي بعلاقته القوية والوطيدة مع العديد من الشعراء والأدباء في عصره، منهم طه حسين، كما ارتبط بصداقات مع العديد من سياسيين عرب، منهم رئيس وزراء لبنان رياض الصلح.
عاش بدوي في فترة غلبت علهيا الثورات على الاستعمار، وقد تأثر بالأجواء السياسية لبلاده بعد الاستقلال، وتبوأ عدة مناصب وزارية، إلا أنه كان ينتقد السلطة دائمًا، ولهذا السبب قضى فترة طويلة من حياته في المنفى، وظل متنقلًا بين العديد من الدول العربية والأوروبية.
حصل الشاعر محمد سليمان الأحمد على لقب " بدوي الجبل" بفضل الصحفي الفلسطيني يوسف العيسى، صاحب جريدة "ألف باء" الدمشقية، عام 1921، والذي قرر أن يمنحه هذا اللقب، وقد ظل لقب "بدوي الجبل" ملازمًا له طوال حياته.
قرر الصحفي يوسف العيسى أن يضع توقيع "بدوي الجبل" على إحدى قصائد محمد سليمان الأحمد، وقد احتج الأحمد بسبب هذا الأمر، حيث أراد أن يضع اسمه الحقيقي تحت القصيدة، إلا أن عيسى أقنعه بأن الناس يقرأون للشعراء المعروفين، وهو ليس مشهورًا بعد، لذا وضع اسم مستعار سيجعل القراء يقرأون الشعر، ويتسائلون عن هوية كاتبه.
رأى الصحفي يوسف العيسى أيضًا أن أشعار الأحمد بها سمة الشعر البدوي، وقد ذكر الكاتب عزيز نصار في كتابه "بدوي الجبل: ذاكرة الأمة والوطن" أن العيسى قال للأحمد: "أنت في ديباجتك بداوة، وأنت ابن الجبل".
كانت القصيدة التي كتبها محمد سليمان الأحمد قصيدة "تلك الصلاة بالعربية" والتي أهدها إلى روح الشهيد، وبعدها ظل ينظم الأشعار باسم "بدوي الجبل"، وتناولت الصحف العربية قصائده متسائلين عن هوية الكاتب.
بعد شهرة قصائده قرر العيسى أن يجمع نخبة من الأدباء إلى احتفال لتقديم محمد سليمان الأحمد إليهم، وقد اشتهر بهذا اللقب، حتى إن البعض اعتقد أن اسمه الحقيقي بدوي.
وعن هذا اللقب يقول الأحمد إنه ذهب إلى القاهرة لحضور المؤتمر البرلماني العربي عام 1939 من أجل فلسطين، وقد تلقى بطاقتين للمؤتمر، الأولى بها اسم "سعادة بدوي بك الجبل"، والثانية "سعادة النائب محمد سليمان الأحمد".
ولد الشاعر بدوي الجبل في قرية ديقة في جبال اللاذقية في سوريا، وقد نشأ في أسرة علم، فوالده هو الشيخ سليمان الأحمد، والذي كان عضوًا في مجمع اللغة العربية في دمشق.
تتلمذ الجبل على يد كبار الشيوخ، وقد درس مختلف أنواع العلوم والمعرفة، ثم التحق بمدرسة إعدادية في اللاذقية، ثم انتقل إلى دمشق حيث درس في مدرسة عنبر، وكان ذلك خلال دخول القوات الفرنسية إلى مدينة اللاذقية.
بدأ الجبل نظم الشعر في دمشق خلال دراسته، إلا أن فترة دراسته في المدرسة لم تدم طويلًا، حيث انضم إلى الحركات الثورية في دمشق، أولها أن انضم إلى وفد حكومي يؤيد الشيخ صالح العلي حول الثورة، وتألف الوفد من وزير الداخلية ووزير الدفاع.
وبسبب مشاركته مع الثوار اعتقل بدوي الجبل في جزيرة أرواد مع مجموعة من الثوريين عام 1922 على يد الفرنسيين، كما سجن في حماة مرة أخرى في عام 1925 خلال الثورة السورية الكبرى.
في عام 1939 لاحقت الثوات الفرنسية الثوار، ما كان منه إلا أن فر من دمشق متجهًا إلى العراق، وهناك عمل مدرسًا، واستمر في نظم الشعر، كما أنه واصل عمله النضالي، فقد شارك في ثورة رشيد الكيلاني. عاد مجددًا إلى سوريا فاعتقل مرة أخرى في عام 1942، كما مُنع من نشر ديوانه الأولى.
وخلال هذه الفترة تقلد بدوي الجبل العديد من المناصب السياسية، فقد كان نائبًا في مجلس النواب السوري عام 1937، وأعيد انتخابه أكثر من مرة.
تولى أيضًا عددًا من المناصب الوزارية، فقد شغل منصب وزير الصحة عام 1954، كما تولى منصب وزير الدعاية والأنباء، إلا أنه غادر سوريا مجددًا عام 1956 وعاش حياته متنقلًا بين الدول العربية والأوروبية.
حيث تنقل بين لبنان وتركيا وتونس ومصر والعراق، كما سافر إلى لنمسا، وإيطاليا، وسويسرا، ثم عاد إلى سوريا، وفيها تعرض إلى حادث اعتداء من مجهول أثرت عليه حتى آخر يوم في حياته.
عُرف عن الشاعر بدوي الجبل بأنه يعتده بشعره وقصائده كثيرًا، فقد قال عن أشعاره: "إني أكرم شعري في متارفه... كما تكرم عند المؤمن السّور"، حتى إنه رفض وسام استحقاق من دولة العراق لأنه لم يكن من الدرجة الأولى.
وكانت أم كلثوم، التي لم يرفض لها أي شاعر أي قصيدة، هي ضحيته التالية، فقد أعجبت بإحدى قصائده، وهي قصيدة "شقراء"، وأرادت أن تغنيها، فطلبت منه أن يجري تغييرًا واحدًا في القصيدة، وأن يبدل كلمة "شقراء" بكلمة "سمراء"؛ لأنها تناسب الذوق العربي والشرقي.
فما كان من بدوي الجبل إلا أن رفض طلب كوكب الشرق، وسبب رفضه أنه كتب القصيدة من أجل فتاة سويسرية شقراء أحبها كثيرًا، وقد قيل إن أم كلثوم حاولت إقناعه مجددًا، إلا أنه رفض، لذا خرجت من صالونه في دمشق غاضبة، وقصيدة شقراء لبدوي الجبل يقول فيها:
شقراءُ تحلم شمسُ الضحى بخّدي وبُردي
رفّت خصيلات شعري بأشقر النور جعدِ
يا شاكيًا وزر وعدي أحلى من الوصل وعدي
أنا الربيعُ المندّى قارورة العطر نهدي
تمزيت قصائد الشاعر بدوي الجبل بأعماله الفريدة، فرغم أنه اعتمد على الشكل التقليدي للقصيدة، إلا أنه كان مبتكرًا في مضمون قصائده ومعانيها، وقد كان الجبل من بين الشعراء الذين تمكنوا من توسيع مدارك الرؤية الشعرية للعالم والذات، وابتدع معانٍ وأفكار وصور شعرية جديدة.
نجح بدوي الجبل في أشعاره في تحديث الشعر العربي بطريقة تجعل القصيدة تقليدية في شكلها، حديثة في معانيها ومضمونها.
انخرط الجبل في مسيرته الشعرية في مناقشات عدة مع شعراء مجلة "شعر" خلال خسمينات القرن الماضي، ومعظم مناقشاته كانت مع رواد حركة الشعر العربي الحديث، مثل بدر شاكر السياب، ويوسف الخال، وأدونيس، وشوقي أبي شقراء وغيرهم.
نشر طوال مسيرته الأدبية العديد القصائد والأشعار المتنوعة، وقد صدر ديوان بدوي الجبل الذي يضم الأعمال الكاملة له في عام 1979.
خلال مسيرته تأثر بالأشعار الصوفية، كما تأثر بشعر المتنبي، حتى إنه وصف بأنه "متنبي القرن العشرين" بسبب شدة تأثره بشعر المتنبي. ومن قصائده "إني لأشمت بالجبار"، و"أهوى الشاك"، و"لبنان والغوطتنا"، و"خالقة".
من قصائده أيضًا "من أجل الطفولة"، وقد أدرجت القصيدة في المناهج الدراسية، و"عاد الغريب"، و"حنين الغريب"، و"الحب المتسامي"، و"الكعبة الزهراء"، و"اللقب القدسي"، و"جلونا الفاتحين".
من قضائده كذلك "أتسألين عن الخمسين"، و"إلى الحبيبة الصغيرة"، و"شقراء"، و"كافور"، و"فرعون"، و"جلاء الفرنسيين"، و"وفاء القبور"، ومن مؤلفات الشاعر محمد سليمان أحمد الشهيرة قصيدة "خالقة"، والتي غنتها فيروز، ويقول فيها:
من نعمياتك لي ألف منوّعة
و كلّ واحدة دنيا من النور
رفعتني بجناحي قدرة و هوى
لعالم من رؤى عينيك مسحور
تعبّ من حسنه عيني فإن سكرت
أغفت على سندسيّ من أساطير
أخادع النّوم إشفاقا على حلم
حان على الشفة اللمياء مخمور
وزار طيفك أجفاني فعطّرها
يا للطيوف الغريرات المعاطير
طيوبها في زيارات الرؤى نزلت
من مقلتيّ على أصفى القوارير
ومن مؤلفات الشاعر بدوي الجبل أيضًا قصيدة "إني لأشمت بالجبار"، وقد كتب هذه القصيدة في العراق، وتحدث فيها عن نكسة 1967، ويقول فيها:
يا سَامِرَ الحَيَّ هَلْ تَعنيكَ شَكوانا
رَقَّ الحَديدُ وما رَقُّوا لبَلوانا
خَلِّ العِتابَ دُموعاً لا غَناءَ بها
وعاتِبِ القَومَ أشلاءً ونيرانا
آمنتُ بالحِقدِ يُذْكِي مِنْ عَزائمِنا
وأبْعَدَ اللهُ إشفاقاً وتَحْنانا
ويلَ الشُعوبِ التي لَمْ تَسْقِ من دَمِها
ثاراتِها الحُمْرَ أحقاداً وأضغانا
تَرَنَّحَ السَوطُ في يُمنى مُعَذِّبها
رَيَّانَ من دَمِها المَسفوحِ سَكرانا
تناول بدوي العديد من الموضوعات الشعرية، ومن شعر بدوي الجبل عن الوطن التي يصف فيها حبه وانتمائه للشام، وشعوره بالخربة والحنين إلى أماكنها، وأهلها، فنجده يقول:
أنا والربيع مشردان
وللشذا معنا ذهابُ
دنيا بقلبي لا تحد ولا
تُــردُّ ولا تـجـاب
والنور يسأل والخمائل
والجمالُ: متى الإياب؟
وهو الذي يقول أيضًا:
تطوحني الأسفار شرقًا ومغربًا
ولكن قلبي بالشآم مقيم
وأسمع نجواها على غير رؤية
كأني على طور الجلال (كليمُ)
وما نال من إيماني السمح أنني
أصلي لها في غربتي وأصوم
كان بدوي الجبل صديقًا مقربًا للدكتور طه حسين، وقد دافع عنه دفاعًا شديدًا من الاتهامات التي طالته، حيث اتهم بأنه تنكر للعرب والعروبة، إلا أن بدوي كان من أوائل من دافع عن طه حسنه، ووصفه بأنه فخر للعرب.
قال بدوي عن طه فإنه عروبي من نوع خاص، حيث أراد من العرب أن ينتقلوا من عصر الخراقة وتمجيد الماضي إلى التفكير العلمي والمستقبلي.
كان بدوي أيضًا على علاقة جيدة بعدد من السياسيين، ومنهم رئيس وزراء لبنان الأسبق رياض الصلح، والذي رثاه في الذكرى الأولى لمقتله في قصيدة بعنوان "أين الرعيل من أهل بدر"، ويقول فيها:
غاب عند الثرى أحبّاء قلبي فالثرى وحده الحبيب الخليل
وسقوني على الفراق دموعي كيف يروى من الجحيم الغليل
هتف الهاتفون: أين رياض فانتخى في الثرى حسام صقيل
وبكت أمة وأجهش تاريخ وناح القرآن والإنجيل
عُرف عن الشاعر بدوي الجبل بأنه معتد بشعره كثيرًا، فقد رفض الحصول على وسام الرافدين من الدرجة الثالثة بعدما ألف قصيدة ألقاها خلال الاحتفال بتتويج الملك فيصل الثاني في العراق عام 1953، وذلك لأنها لم تكن جائزة من الدرجة الأولى.
وقد وجه بدوي الجبل رسالة خطية إلى رئيس الوزراء العراقي في ذلك الوقت جميل المدفعي، والذي عاتبه على منحه وسام من الدرجة الثالثة، ووصف الأمر بأنه امتهان لكرامة الفكر وازدراء للشعراء والأدباء.
فما كان من رئيس الوزراء حيناه إلا أن قدم اعتذارًا باسم الحكومة العراقية، ومنح لبدوي وسام الرافدين من الدرجة الأولى.
تغنى الكثير من المغنيين بقصائد بدوي الجبل، ومنهم الفنانة فيروز التي غنت له أبياتًا من قصيدة "خالقة" من ألحان عاصي الرحباني، ورغم جمال الأغنية، إلا أنها لم تحقق شعرة كبيرة.
غنت المطربة فاتن حناوي قصيدته "يا من سقانا كؤوس الهجر مترعة" من ألحان رياض البندك. أيضًا غنت المطربة سعاد محمد قصيدته "جلونا الفاتحين"، فيما غنى سيد مكاوي مقدعًا من قصيدته التي بدأ فيها "سقى الله عند اللاذقية شاطئًا".
في عام 1968 تعرض الشاعر بدوي الجبل إلى محاولة اغتيال، وذلك بعدما نشر قصيدة بعنوان "إني لأشمت بالجبار" والتي انتقد فيها هزيمة 1967، وفي قصيدته تعرض لبعض المسؤولين السوريين والعرب، الذين كانوا رموز الهزيمة في النكسة.
وردًا على هذه القصيدة تم الاعتداء عليه بالضرب من بعض الملثمين، حيث ضربوه ضربًا مبرحًا بحديدة على رأسه، واختطفوه لعدة أيام، وقيل إن حافظ الأسد، الذي كان وزيرًا للدافع السوري آنذاك، قد تدخل لإطلاق سراعه من الخاطفين.
عُثر على بدوي الجبل في أحد المستشفيات في سوريا بعدما كان مرميًا في الشارع، وقد أثرت هذه الحادثة على صحته طوال حياته، وقد كتب قصيدة يروي فيها تجربته، ويقول فيها:
نحن موتى وشرّ ما ابتدع الطغيان موتى على الدروب تسير
توفي الشاعر بدوي الجبل في 19 أغسطس عام 1981 في سوريا عن عمر 78 عامًا، بعدما ابتعد عن الساحة السياسية لسنوات بعد محاولة الاغتيال، إلا أن عطائه الأدبي لم يتوقف، وقد توفي في بلده سوريا.