بدر شاكر السياب.. رائد الشعر الحر

  • تاريخ النشر: منذ يوم
بدر شاكر السياب.. رائد الشعر الحر

في الثامن عشر من ديسمبر\ كانون الأول من كل عام، نحتفل باليوم العالمي للغة العربية، وبهذه المناسبة نسلط الضوء على واحد من أهم شعرائها الذين ساهموا في إثراء تراثنا الثقافي ونتذكر الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب، الذي لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوتًا للأجيال، يعبر عن آمالهم وآلامهم، واستطاع بعمق شعره وإحساسه المرهف أن يترك بصمة خالدة في الشعر العربي الحر.

في قرية جيكور، إحدى قرى محافظة البصرة جنوبي العراق، وفي شتاء عام 1926، ولد الشاعر العراقي بدر شاكر السياب لأب يعمل في رعاية النخيل، وقد نشأ في فترة حرجة من تاريخ العراق، حيث كانت تحت سطوة الاحتلال الإنجليزي، وقد ألقت تلك الظروف السياسية بظلالها على حياة بدر في مختلف مراحل حياته.

عاش السياب يتيمًا، فتوفيت والدته وهو لا يزال في عمر السادسة، ففقد حنان الأم مبكرًا، وكان لزواج والده بعد وفاة أمه سببًا في زيادة مرارة اليتم في حياته، حيث انقطع والده عن تربيته ورعايته، وتولت جدته تربيته بعد ذلك.

عاش السياب طوال حياته باحثًا عن الحب، ورغم أنه عشق الكثير من النساء، إلا أنه لم يجد من تبادله ذلك الحب، بداية من حب سنوات المراهقة، الراعية هالة التي كانت ترعى الأغنام في قريته، إلى لبيبة التي كانت تدرس معه في دار المعلمين، وتكبره بسبع سنوات، ثم الشاعرة لميعة عباس، والممرضة ليلى وغيرهن.

من مدرسة القرية إلى جامعة أكسفورد

بدأ الشاعر بدر شاكر السياب مساره العلمي بالدراسة في مدرسة باب سليمان الابتدائية، ثم درس في مدرسة المحمودية في أبي الخصيب، ثم سافر إلى البصرة، والتحق بالثانوية هناك، وأكملها في عام 1943.

كان السياب طالبًا ذكيًا ومتفوقًا بين أقرانه، وفي عام 1944، انتقل إلى كلية التربية في بغداد، ودرس في قسم اللغة العربية، إلا أنه غيّر تخصصه بعد سنة إلى اللغة الإنجليزية، وحصل على الإجازة عام 1946.

تعمق السياب في دراسة اللغة الإنجليزية، وانشغل بأدبها وشعرها، وبالأخص أعمال شكسبير، وقد أثرت دراسته للغة الإنجليزية على ميوله لكتابة الشعر العربي الحر فيما بعد. في عام 1962، سافر السياب إلى لندن للعلاج، واستغل تلك الفترة بالدراسة في جامعة أكسفورد، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الآداب.

أحد أهم الشعراء القوميين

تميزت حياة الشاعر بدر شاكر السياب القصيرة بالنضال، فقد عايش مراحل الاستقلال في بلاده، وتأثر بأفكار التحرر والثورة والمقاومة، وخلال دراسته الجامعية، انتسب إلى الحزب الشيوعي، وهو الحزب الذي انتمى إليه الكثير من المثقفين والطبقات المظلومة التي كانت تشعر بالتهميش في ذلك الوقت.

استغل السياب بلاغته في الشعر من أجل النضال لأفكاره، وبزغ نجمه كشاعر في أروقة الجامعات، إلا أنه تعرض للاعتقال بسبب مواقفه السياسية، ومنع من التدريس لمدة 10 سنوات، وخلال الخمسينات، زادت الحكومة من حملة الاعتقالات، فاضطر الهروب إلى الكويت بجواز سفر إيراني.

ورغم أن السياب كان من أهم الشعراء المنتمين إلى الشيوعية، إلا أن نكبة فلسطين، وما تبعها من أحداث أثرت عليه عظيم الأثر، فقرر التخلي عن فكره الشيوعي، وانضم إلى القوميين العرب، وأصبح من أهم الشعراء الذين حملوا هم الأمة العربية.

السياب وريادة الشعر الحر

جسد الشاعر بدر شاكر السياب روح الثورة على القوالب التقليدية في الشعر العربي، وهو ما جعله واحدًا من أبرز رواد الشعر العربي المعاصر، فقد عمل بعزم على تخطي حالة التبعية لأنماط الشعر القديم، وكرس جهوده لوضع أسس جديدة للشعر تُمكّن الشعراء من التعبير عن قضايا العصر وأحلام الإنسان الحديث بأسلوب حداثي ينطق بالحياة والتغيير.

ولم تكن هذه النقلة مجرد صدفة، بل كانت مدفوعة بجرأة السياب الفطرية، إلى جانب التأثير العميق للحركات الاجتماعية والسياسية الثورية التي اجتاحت الوطن العربي في ذلك الوقت، بالإضافة إلى انفتاحه على الأدب الغربي والأساليب التعبيرية فيه.

وفي شعره، كسر السياب قيود العروض التقليدية، وحوّل الشعر من نظامه الكلاسيكي إلى نظام الحرية والانطلاق، واستخدم أوزان جديدة مستوحاة من تجربته، وأعاد استخدام القوافي والتفعيلات بما ينسجم مع حالته النفسية، وقد حمل قصائده تيارات فكرية عميقة، وتحليلات إنسانية زاخرة بالتجربة.

ما يميز شعر السياب غزارته الفكرية والمعاني المتدفقة منها، والتي تمتزج بصخب الحياة، وتتغلغل في أعماق النفس البشرية، فأشعاره تعصف بالعاطفة مع واقعية لغوية جريئة، بينما تضفي الرمزية الغنية عمقًا أبعد إلى نصوصه.

بدأ بدر شاكر السياب بكتابة الشعر الكلاسيكي، ثم تأثر بالرومانسية، ثم أضفى إلى شعره المزيد من الواقعية، ولعل أشهر أشعاره التي تعد نموذجًا للقصيدة العربية الحديثة قصيدة "أنشودة المطر":

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر

عيناك حين تبسمان تورق الكروم

وترقص الأضواء... كالأقمار في نهر.

يرجّه المجداف وهنًا ساعة السحر

كأنهما تنبض في غوريهما، النجوم...

إسهامات أدبية أخرى

لم تقتصر إنجازات وإسهامات السياب الأدبية على كتابة الشعر الحر فحسب، بل امتدت إلى الترجمة والأعمال النثرية كذلك، فقد كان السياب يجيد اللغة الإنجليزية، وساهم بشكل فعال في ترجمة العديد من الأعمال العالمية لأدباء العالم إلى العربية.

ترجم بدر شاكر السياب بعض من أعمال الإسباني فدريكو جارسيا لوركا، والتركي ناظم حكمت، والأمريكي إزرا باوند، والبريطاني تي إس إليوت وغيرهم، وقد صدرت مجموعة ترجماته أول مرة عام 1955 تحت كتاب بعنوان "قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث".

ترجم السياب كذلك عدد من الكتب النثرية، منها كتاب "ثلاثة قرون من الأدب"، ومسرحية "الشاعر والمخترع والكولونيل" للكاتب المسرحي بيتر أوستينوف.

السنوات الأخيرة في حياة بدر شاكر السياب

عانى السياب طوال حياته من الفقر والمرض، إلا أن السنوات الأخيرة من حياته كانت صعبة وتعيسة، فقد عانى من مرض عضال، دفعه إلى العلاج بين لندن وباريس والكويت، لكن دون جدوى، ووصلت حالته سوءًا، إذ لم يكن قادرًا على الحصول على المزيد من الإجازات.

سافر السياب بمساعدة صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي إلى العراق، وهناك ظل في المستشفى حتى وفاته في الرابع عشر من ديسمبر\ كانون الأول عام 1964 عن عمر 37 عامًا، ونقل جثمانه إلى البصرة، ودفن في مقبرة الحسن البصري.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة