الشركات الناشئة في العراق بعد عامٍ على فوضى الإرهاب‎

  • ومضةbronzeبواسطة: ومضة تاريخ النشر: الخميس، 20 أغسطس 2015 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
الشركات الناشئة في العراق بعد عامٍ على فوضى الإرهاب‎

"الشركة الناشئة هي مؤسَّسةٌ إنسانية تهدف إلى تقديم منتَجٍ أو خدمة جديدة، في ظلّ ظروفٍ يحيط بها الشكّ والغموض،" هكذا وصف إريك ريس ما يعنيه مصطلح ‘شركة ناشئة‘ startup بالنسبة له.

ولكن هل هناك ما هو أكثر غموضاً من حساب احتمالات نجاح شركةٍ ناشئةٍ تعمل في مدينةٍ لا تبعد أكثر من 50 كيلومتراً عن الفوضى التي أحدثتها فوضى الإرهاب مؤخّراً؟

هذا بالضبط ما يعنيه أن تكون رائد أعمالٍ في بغداد: أن تعمل في ظروفٍ من الريبة والغموض. إذاً، بعد 18 شهراً على إصدار كتابي الأخير عن الشركات الناشئة في العراق، ما الذي يحدث الآن؟

في أواخر عام 2013 ومطلع عام 2014، ظهرَت الكثير من الشركات الناشئة في العراق، ولكنّ حاجاتها لم تُلَبَّ بعد؛ مثل الإرشاد، والاستثمار التأسيسي، ومساحات العمل المشتركة التي يمكن أن تكون كمراكز تجمع أصحاب العقول المبدِعة والشباب المهرة والتقنيين، لكي يلتقوا ويعملوا على تطوير أفكارهم.

ولكن بالرغم من كلّ هذه التحدّيات، استمرّ روّاد الأعمال العراقيون بالقيام بما يبرعون فيه: البقاء على قيد الحياة والمُضيّ قُدُماً. ولكن بعد الإعلان عن "دولة الخلافة" في حزيران من عام 2014، تعرّض القطاع إلى خضّةٍ كبيرةٍ أوجدَت مجموعةً جديدةً من التحدّيات.

الشركات الناشئة في العراق بعد عامٍ على فوضى الإرهاب‎

خروج روّاد الأعمال من العراق

في ذلك الوقت عمَّت الفوضى، وبالتالي غادر الكثير من روّاد الأعمال العراق.

على سبيل المثال، علي علاو يدير شركةً ناشئةً تُسمّى "عَين" Ain وتُنتِج مواد مصنوعةً يدويّاً ومزيّنةً برسومٍ ورموز مستوحاةٍ من التاريخ العراقي. حازَت علامته التجارية على شعبيةٍ وسمعةٍ جيّدة، وكان بصدد اتّخاذ خطواتٍ واثقةٍ لاستكشاف فرص التوسّع.

ولكن للأسف، أثّرَت الاضطرابات سلبياً على علاو وعائلته، ما اضطرّه إلى إيقاف عمله والفرار من العراق. ومؤخّراً، سعى علاو إلى إعادة إحياء شركته الناشئة حيث راح يعمل من البلد المجاور الذي يقطن فيه، والذي رفض الكشف عنه. وبعد محاولته استعادة زبائنه القدامى وجذب زبائن جدد، بدأ أيضاً بجذب انتباه سكّان البلد الذي لجأ إليه.

الشركات الناشئة في العراق بعد عامٍ على فوضى الإرهاب‎

تحدّياتٌ لوجستية

هذه الاضطرابات أيضاً أوجدَت مشاكل لوجستية تضاف إلى التحدّيات التي ينبغي على روّاد الأعمال العراقيين التغلّب عليها.

من إحدى المغامرات الأكثر شيوعاً بين الشبّان العراقيين (بالإضافة إلى الهجرة)، هي إطلاق أعمالٍ تحلّ كوسيطٍ بين المواقع العالمية الكبرى مثل "أمازون" Amazon و"إي باي" eBay والعملاء المحلّيّين.

وبسبب عدم كفاءة النظام البريدي، والنقص في طرق الدفع على الإنترنت، تلجأ الشركات الناشئة إلى مختلف الطرق المبتَكَرة للعمل كطرفٍ ثالثٍ في عملية الشراء. يمكنك أن تبدأ بصفحةٍ على موقع "فايسبوك" Facebook، والباقي يكمن في التغلّب على منافسيك من حيث تسعير خدماتك، وتاريخ التسليم المتوقَّع، والتسويق.

من بين روّاد هذا ‘التوجّه‘ نذكر تبارك الزويدي، المرأة الشابّة في منتصف العشرينات، التي قرّرَت البدء برؤيتها الخاصّة؛ فهي بالشراكة مع شقيقتها، أطلقَت متجَراً إلكترونيّاً للثياب من خلال صفحةٍ على "فايسبوك"، بحيث تعتمدان على مالهما الخاصّ لتمويل هذه الخطوة الشجاعة. وبالتالي، شكّل نجاحهما إلهاماً دفع بالكثيرين للقيام بمثل هذه الخطوة.

ولكنّ تردّدات ما بعد حزيران 2014 أثّرَت عليهما وعلى الأعمال المشابهة الأخرى، لأنّ شركات البريد تعذّر عليها التنقّل ما بين كردستان (المركز الرئيسي لشركات الشحن الكبرى من "دي أتش أل" DHL و"يو بي أس" UPS) وبقية الأراضي العراقية من خلال النقل البرّي. وكان الحلّ الوحيد هو اللجوء إلى طائرةٍ للشحن، وهي لعبةٌ مختلفة تماماً وبتكاليف مختلفة أيضاً.

ونتيجةَ لذلك، قامَت هذه الشركات الناشئة ببعض التعديلات السريعة لإعادة التوازن إلى أعمالها، مثل خدمة العملاء الموجودين فقط؛ وتجربة خدمات شحنٍ محلّيةٍ وأجنبيةٍ أقلّ شهرةً في السوق؛ ودمج شحناتهم مع شحنات معارفهم والأعمال المشابهة  - حتّى لو كانوا منافسين - بهدف زيادة وزن الشحنة الإجمالية وتخفيض السعر على الكيلوغرام الواحد؛ وبعض التقنيات الأخرى التي يعتبرونا من أسرار المهنة ولم يفصحوا عنها.

الاستمرار يعني النضال

على الرغم من أنّ الغموض يكتنف البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في الوقت الراهن، إلّا أنّ ريادة الأعمال في العراق تحافظ على معدّل نموٍّ معقول وعلى زيادةٍ مطّردةٍ في عدد الشركات الناشئة في مختلف القطاعات.

وعلى سبيل المثال، قامَت مجموعةٌ من الشباب الذين تناهز أعمارهم الـ17 عاماً، وتُسمّى "ماهاو" MAHAW، بإطلاق نسخةٍ تجريبيةٍ من تطبيقها "شَطبُخ" Sha6bu5، وهي كلمة باللهجة العراقية تعني ‘ماذا أطبُخ اليوم؟‘ هذا التطبيق الذي يُعتبَر من بين تطبيقات الرفاهية، لديه إمكانات ممتازة لتوليد الأرباح بعد إطلاق الخدمة الكاملة لتوصيل المكوّنات.

لقد تمّ إنشاء هذا التطبيق وتطويره وإطلاقه خلال النصف الأوّل من هذا العام، على الرغم من الاضطرابات. وبالتالي، لقد أثبت هؤلاء الشبّان وسواهم من روّاد الأعمال أمراً واحداً: لدى ريادة الأعمال في العراق إمكاناتٌ غير محدودةٍ في مواجهة الشدائد.

الوضع الأمني في العراق، وأزماته المالية وبنيته التحتية المدمّرة، وعدم إلمام المستثمِرين بالشركات الناشئة، وغيرها من العقبات الكبيرة؛ كلّها حجج صالحة للمشكّكين والرافضين حول مستقبل ريادة الأعمال في العراق. ولكنّ روّاد الأعمال يمتلكون رأياً مخالفاً، فهم يستمرّون بالقيام بما يبرعون به: البقاء على قيد الحياة في هذه السوق المتوحّشة، والسعي لإثبات أنفسهم.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة