الأديبة والمثقفة المصرية ملك حفني ناصف التي دعت إلى الإصلاح الاجتماعي والمساواة بين الرجل والمرأة، هي أول ناشطة مصرية في مجال حقوق المرأة ولها العديد من الأشعار والمؤلفات التي خدمت بها قضيتها ورسالتها، تعرف على مسيرتها في السطور التالية.
ولدت ملك حفني في حي الجمالية في القاهرة في 25 ديسمبر عام 1886، وولدت في يوم مولد زفاف الأميرة ملك إلى الأمير حسين كامل الذي أصبح سلطانًا فيما بعد؛ ولهذا السبب قرر والدها تسميتها الأميرة.
ملك هي البنت الكبرى لسبعة أبناء حفني ناصف بك، وهو رجل قانون وشاعر وكان يعمل أستاذَا للغة العربية كما هو أحد مؤسسي الجامعة المصرية.
بدأت تعليمها في المدارس الأجنبية وبعدها التحقت بالمدرسة السنية ومنها حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1900، وبعدها انتقلت إلى قسم المعلمات بالمدرسة نفسها.
وأظهرت منذ نعومة أظافرها تفوقًا كبيرًا في الدراسة وكانت أولى الناجحات في قسم المعلمات في عام 1903 وبعد تدريب عملي استمر لعامين تسلمت الدبلوم عام 1905.
وبعدها عملت مدرسة في القسم الذي تخرجت فيه من مدرستها حتى زواجها عام 1907 بأحد أعيان الفيوم شيخ العرب عبد الستار الباسل.
عُرفت ملك بثقافتها الواسعة وكتاباتها في العديد من المطبوعات، وكانت تجيد آنذاك اللغتين الإنجليزية والفرنسية فضلًا عن لغتها الأم اللغة العربية، كما كانت تعرف شيئًا من لغات أخرى وهو ما ساعدها في عملها.
نادت إلى دعوة عاملة لتحرير المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة، وأظهرت قوتها وثباتها على رأيها حينما حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1900، وكانت حينها أول فتاة مصرية تحصل على هذه الشهادة في أقطار مصر كلها.
بدأت في كتابة الشعر والقصائد ونظمت قصيدة في رثاء السيدة "عائشة التيمورية" حينما توفيت عام 1902 ونُشرت هذه القصيدة في الجرائد لتصبح أول قصيدة تُنشر لها وبدأ اسمها يتردد في المحافل الأدبية.
تزوجت ملك حفني ناصف عام 1907 من أحد أعيان الفيوم وهو شيخ العرب عبد الستار الباسل رئيس قبيلة الرماح الليبية في مدينة الفيوم، وعاشت في قصره في الفيوم في إحدى ضواحي مركز إطسا.
عاشت ملك حياة زوجية تعيسة وقاست العديد من الصعاب التي أثرتها عليها سلبيًا، فبعد سنوات من الزواج لم تتمكن من الإنجاب، وعانت ما عانته المرأة العاقر في البادية من تحقير واستخفاف وسخرية، وهو ما جرح كبريائها.
وكان هذا الحادث ما سبب لها صدمة كبيرة، وما زاد من معاناتها أن أعاد زوجها إلى عصمة زوجته الأولى التي كان قد طلقها قبل زواجه منها وأنجب منها بنتًا، وعاشت 7 سنوات في هذه المعاناة.
وخلال سنوات الزواج عبرت عما بداخلها من حزن وألم في الكتابة، فكانت الكتابة والشعر متنفسها الوحيد في هذه الحياة القاسية، وكرست قلمها على قضايا تعكس تجربتها الخاصة، كالطلاق، وحرية المرأة في المجتمع، والمرأة العاقر وغيرها.
وما سبب لها صدمة وحزنًا فوق حزنها هو أنها علمت أن سبب عدم إنجابها ليست لأنها عقيم، ولكن لأن زوجها أصيب بعد زواجه الأول وإنجابه ابنته بمرض اضطره إلى إجراء عملية جراحية سبب له العقم، وذلك بعد أن خضعت لتشخيص طبيب مشهور في أمراض النساء.
لماذا سميت ملك حفني ناصف باحثة البادية؟
عاشت ملك حفني ناصف في بيئة بدوية غريبة عن بيئتها في حي الجمالية في القاهرة، وتأثرت بهذه البيئة كثيرًا وظهر تأثرها من خلال شعرها ومؤلفاتها؛ ولهذا السبب لُقبت بـ"باحثة البادية" اشتقاقًا من بادية الفيوم التي عاشت فيها مع زوجها.
عرفت بيئة جديدة عليها وهي الحياة المتدنية التي تعيشها المرأة في البادية؛ ولهذا السبب بدأت نشاطها الذي يدعوا إلى الإصلاح وتحرير المرأة بشكل لا يتعارض مع الدين والعادات والتقاليد، واستمر لقب ملك حفني ناصف معها حتى وفاتها.
كيف ماتت ملك حفني ناصف؟
في 11 محرم عام 1337 الموافق 17 أكتوبر عام 1918 توفت ملك عن عمر 32 عامًا في منزل والدها بالقاهرة بعد إصابتها بمرض الحمى الإسبانية.
دفنت في مقابر أسرتها في الإمام الشافعي وشيعتها العديد من سيدات عصرها على رأسهن هدى شعراوي وكانت أول امرأة يتم إقامة حفل تأبين لها في جامعة القاهرة.
رثاها العديد من الكتاب والأدباء ومنهم حافظ إبراهيم، وخليل مطران بقصيدتين، كما رثتها الأديبة اللبنانية مي زيادة، وأطلق اسمها على شوارع مصر تقديرا لدورها في مجال حقوق المرأة.
أسست باحثة البادية ملك حفني ناصف اتحاد النساء التهذيبي وهو اتحاد ضم العديد من النساء من مختلف الجنسيات العربية وبعض الأجنبيات أيضًا، وهدفه هو توجيه المرأة وإصلاحها والاهتمام بشؤونها.
كذلك أسست جمعية للتمريض لإغاثة المنكوبين المصريين والعرب والتي عُرفت فيما بعد بالهلال الأحمر وذلك بعد اعتداء إيطاليا على طرابلس، وكانت الجمعية مسؤولة عن إرسال معونات للمنكوبين من ملابس وأدوية وأغطية.
مدرسه ملك حفني ناصف
أنشأت ملك أيضًا مدرسة لتعليم الفتيات التمريض في منزلها وكانت تُنفق على هذه المدرسة من مالها الخاص، كما أنشأت مشغلًا للفتيات وملجأ للمحتاجات وأوقفت خمسة وثلاثين فدانًا من ملكيتها الخاصة لإنجاز هذا المشروع، ولكن حال موتها دون ذلك.
كانت من أوائل الداعيات إلى حقوق المرأة وبدأت تكتب آراءها في صحفية "المؤيد" وفي مقالاتها تحدثت عن أهمية تعليم المرأة باعتبارها الوسيلة لتحرير عقلها وتقويم أخلاقها.
وجمعت مقالاتها التي كتبتها في الجرائدة في كتاب بعنوان "النسائيات" ونشر عام 1910 وكان يضم الجزء الأول منه 24 مقالًا وقصيدة واحدة، ولكن الجزء الثاني منه لم يُنشر حتى الآن وظل محفوظًا كمخطوطات.
أيضًا لها كتاب آخر اسمه "حقوق النساء" ولكنها لم تُنجزه بسبب وفاتها، ولكن أعمالها حول تربية البنات وحل مشكلات الأسرة كانت واضحة.
اتجهت باحثة البادية إلى الخطابة وإلقاء المحاضرات في دار الجريدة وفي الجامعة المصرية، وفي الجمعيات النسائية أيضًا، وكانت خطاباتها ذات تأثير كبير على النساء.
وأثنى عليها العديد من الأدباء والكتاب وقتها ومنهم الأديب أحمد زكي باشا الذي وصفها بأنها أعادت العصر الذهبي في ميدان الكتبة والخطابة.
وفي عام 1911 مثلت المرأة المصرية في المؤتمر المصري الأول للبحث في وسائل الإصلاح، وطالبت في المؤتمر ضرورة إصلاح حال المرأة المصرية، ولخصتها خطبتها مجمل أفكارها.
حيث دعت إلى تعليم البنات الدين الإسلامي الصحيح، والسماح لهن بالتعليم الابتدائي والثانوي، وتعليمهن التدبير المنزلي وتربية الأطفال، والسماح لهن بتعلم الطب والتعليم حتى يقمن بكفاية النساء في مصر، ودعت إلى الالتزام بالحجاب.
ملك حفني ناصف والحجاب
كانت ملك حفني من أهم الداعيات إلى التزام النساء بالحجاب ودافعت عنه دفاعًا كبيرًا خصوصًا بسبب نشوب معركة قلمية حامية بين دعاة خلع الحجاب وأنصاره، وكانت هذه الدعاوى من آثار كتاب تحرير المرأة وكتاب المرأة الجديدة لقاسم أمين.
وبسبب معرفة ملك حفني ناصف بأحكام الشريعة والدين كانت من المدافعين عن الحجاب وكرست قلمها لتفنيد آراء المعارضين للحجاب الذين اتهموه بأنه سبب تأخر الأمة.
ولها في ذلك كلمة مأثورة وهي:
"إن الأمم الأوروبية قد تساوت في السفور، ولم يكن تقدمها في مستوى واحد، فمنها الأمم القوية، ومنها الأمم الضعيفة، فلماذا لم يسوّ السفور بينها جميعا في مضمار التقدم، إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء."
كما كتبت قصيدة عن الحجاب اسمها "رأيي في الحجاب"
أيسوؤكم منا قيام نذيرة تحمي حماكم من بلاء محدق
أيسركم أن تستمر بناتكم رهن الإسار ورهن جهل مطبق
نسائيات ملك حفني ناصف
يعد كتاب "النسائيات" هو من أهم مؤلفات ملك حفني ناصف ويحتوي الكتاب على مجموعة من المقالات التي كتبتها ملك عن النسوية، بجانب سلسلة من التجارب التي مرت بها.
ينقسم الكتاب إلى جزئين، الجزء الأول تتحدث فيها عن رأيها في الزواج ومعاملة الرجال للنساء، كما تقارن فيه المرأة المصرية بالمرأة الغربية، والجزء الثاني به عدة مقالات وخطابات متبادلة بينها وبين مي زيادة.