إدوارد سنودن هو أحد أبرز الأسماء المثيرة للجدل في العصر الحديث، وأصبح اسمًا مرادفًا لكشف الحقائق والمراقبة الرقمية، فقد عرف عالميًا عام 2013 عندما سرب وثائق سرية للغاية تكشف عن برامج مراقبة جماعية تديرها الحكومة الأمريكية بالتعاون مع عدة حكومات وشركات تقنية، وقد أثار ما فعله موجة من النقاشات حول أخلاقيات الأمن القومية والخصوصية والحرية، تعرف أكثر على مسيرته وحياته.
من هو إدوارد سنودن؟
إدوارد جوزيف سنودن، هو رجل استخبارات أمريكي سابق عمل في وكالة الأمن القومي الأمريكي ولد في 21 يونيو عام 1983، في كارولينا الشمالية، ويحمل حاليًا الجنسية الروسية.
أظهر إدوارد سنودن شغفه بالتكنولوجيا منذ صغره، وركز على تطوير مهاراته في البرمجة، ورغم عدم إكمال الدراسة الجامعية، إلا أنه حصل على شهادة في أمن الحاسوب من خلال دراسة ذاتية.
بدأ سنودن مسيرته في مجال التكنولوجيا عام 206 بالعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية، ثم انضم لاحقًا إلى وكالة الأمن القومي NSA كمتعاقد، وعمل ضمن برامج سرية للغاية تتعلق بالأمن الرقمي والمراقبة.
اشتهر اسم سنودن عالميًا عام 2013، عندما سرب آلاف الوثائق السرية التي كشفت عن برامج مراقبة جماعية تديرها وكالة الأمن القومي بالتعاون مع شركات تقنية وحكومات أجنبية، وقد أثارت تلك التسريبات جدلًا واسعًا.
بعد تلك التسريبات، أصبح سنودن مطلوبًا من الحكومة الأمريكية بتهم التجسس وسرقة ممتلكات الحكومة، وهرب من بلاده، ومنح حق اللجوء في روسيا، وأصبح شخصية حورية في النقاشات حول الخصوصية وأمن المعلومات.
نشأته وتعليمه
ولد إدوارد سنودن في نورث كارولينا والده كان ضابط صفر في خفر السواحل الأمريكية، ووالدته كانت كاتبة في المحكمة، ولديه أخت أكبر منه اسمها جيسيكا أصبحت محامية، وكان جده لأمه أميرال خلفي في خفر السواحل، كما أنه كان مسؤولًا كبيرًا في مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2001، انفصل والداه، وتزوج والدة مرة أخرى.
خلال المرحلة الثانوية، عانى سنودن من مرض كثيرة الوحيدات، وغاب عن المدرسة لمدة 9 أشهر تقريبًا، وبعد إنهاء دراسته الثانوية، لم يلتحق بالجامعة، بل طور مواهبه في البرمجة، وحصل عام 2011 على درجة الماجستير من جامعة ليفربول في إنجلترا عبر الإنترنت.
يتقن سنودن اللغة اليابانية بسبب حبه للأنمي والثقافة الشعبية اليابانية، كما ذكر بأنه يتحدث اللغة الصينية، وقد صرح بأنه أصبح بوذيًا بعد العمل في قاعدة عسكرية أمريكية في اليابان.
تزوج سنودن من الصحفية الأمريكية ليندسي ميلز في موسكو، ورزق بطفله الأول عام 2020، وطفله الثاني عام 2022.
مسيرته في وكالة المخابرات المركزية
انضم إدوارد سنودن إلى الجيش الأمريكي عام 2004، حيث شعر بالواجب الوطني تجاه بلده، وشارك في حرب العراق، ولكنه لم يكمل التدريب، بسبب إصابة في الساق، وتم إعفاؤه إداريًا.
في عام 2005، تم توظيفه كحارس أمن في مركز الدراسات المتقدمة للغة في جامعة ماريلاند لمدة تقل عن عام، وفي عام 2006، انضم إلى وكالة المخابرات المركزية، وعمل في قسم الاتصالات العامية في مقر الوكالة في ولاية فرجينيا.
قضى سنودن أول 6 أشهر في الوكالة في التدريب والدراسة، وفي عام 2007، وضع تحت غطاء دبلوماسي في جنيف بسويسرا، وهناك كان مسؤولًا عن الحفاظ على أمن شبكات الكمبيوتر، كما تم تعيينه في البعثة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وقد مثلت البعثة المصالح الأمريكية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وحصل بموجب ذلك على جواز سفر دبلوماسي.
خلال تواجده في سويسري، عرف سنودن بأنه أفضل خبير تقني وسيبراني في البلاد، كما تم اختياره من قبل الوكالة لدعم الرئيس الأمريكي في قمة الناتو عام 2008 في رومانيا، وفي فبراير عام 2009، استقال من وكالة المخابرات المركزية.
مسيرته بعد الاستقالة من وكالة المخابرات المركزية
بعد الاستقالة من وكالة المخابرات المركزية عام 2009، انتقل إدوارد سنودن للعمل مع شركات خارجية تتعاقد مع الحكومة، فعمل مع شركة ديل وشركة بوز ألن هاملتن، وعمل سنودن من خلالها مع وكالة الأمن القومي لمدة 4 سنوات.
تسريب وثائق سرية
في عام 2013، قرر إدوارد سنودن الهرب من الولايات المتحدة الأمريكية إلى هونغ كونغ، وهناك التقى صحفيون من صحيفة الجارديان وواشنطن بوست والمخرجة لورا بويتراس، وسرب لهم وثائق سرية للغاية عن الحكومة الأمريكية، والتي وضعت أمريكا في مأزق أمام العالم.
تكشف الوثائق السرية التي كشفها إدوارد بأن وكالة الأمن القومي NSA ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI يتجسسون بشكل مباشر على الخوادم المركزية ل9 شركات تقنية كبرى في أمريكا، ويمكنهم الوصول إلى المحادثات الصوتية ومكالمات الفيديو، ورسائل البريد الإلكتروني، والصور الفوتوغرافية، كما يمكنهم الوصول إلى الوثائق الخاصة وسجلات الاتصال، وتتبع تحركاتهم كذلك.
وقد كشفت الوثائق السرية عن برنامج PRISM، وهو برنامج تستخدمه الاستخبارات للتجسس على لشركات التقنية الكبرى، وقد كشفت التسريبات عن التجسس لشركات كبرى، مثل مايكروسوفت، وياهو، وغوغل، وفيسبوك وبالتوك، ويوتيوب، وسكايب، وAOL، وأبل.
ويتيح ذلك البرنامج للاستخبارات الأمريكية الوصول إلى كمية ضخمة من البيانات الرقمية. وقد كشفت التسريبات بأن القضاة الفيدراليين منحوا موافقتهم للبرنامج تحت مظلمة "قانون حماية أمريكا لعام 2007" والذي يسمح بجمع معلومات الاتصالات دون أمر قضائي، في حال كان أحد طرفي الاتصال شخصًا غير أمريكي.
أصر سنودن في حديثه للصحافة بأن الإدارة الأمريكية تستغل الشركات الكبرى للعمل لحسابها الخاص فيما يتوافق مع مصالحها.
بعد نشر هذه الوثائق، نفت كل شركات التقنية الكبرى علاقتها بالقصة، وأكدت عدم معرفتها بالبرنامج، فيما بررت الإدارة الأمريكية استخدام هذا البرنامج بأنه "ضروري لتتبع الإرهابيين الذين يعيشون خارج الولايات المتحدة".
اشتعال الرأي العام بسبب التسريبات
لم يكن برنامج "بريزم" هو فقط الذي تم الكشف عنه في الوثائق السرية، بل كان مجرد حلقة من سلسلة من الفضائح التي كشفها إدوارد سنودن، فقد كشف النقاب عن المزيد من البرامج الأخرى المثيرة للجدل، مثل برنامج "ماسكولار" والذي يستخدم لاستغلال نقاط ضعف مراكز بيانات الشركات الكبرى لجمع البيانات غير المشفرة.
تم الكشف كذلك عن برنامج "بولران" التي أدارته وكالة الأمن القومي مع بريطانيا، واستخدم البرنامج لفك تشفير رسائل البريد الإلكتروني والرسائل المشفرة، وف وصل عدد الوثائق المسربة إلى 1.7 مليون وثيقة.
وبعد انتشار تلك الوثائق، اشتعل الرأي العام في أمريكا، وأصبح هناك أزمة ثقة في شركات التقنية. بعد تلك التسريبات، تحولت العديد من الشركات التقنية، مثل أبل وجوجل وفيسبوك إلى أكبر المدافعين عن خصوصية المستخدمين، وعززت من تقنيات التشفير لديها.
حصوله على الجنسية الروسية
في عام 2013، هرب إدوارد سنودن إلى هونغ كونغ من هاواي، حيث أصبح من بين المطلوبين في أمريكا، ثم انتقل إلى روسيا بهدف الهروب إلى أمريكا الجنوبية، إلا أن الولايات المتحدة ألغت جواز سفره.
اضطر سنودن البقاء في روسيا منذ ذلك الوقت، وفي عام 2020، حصل على الإقامة الدائمة في روسيا، ثم تقدم بطلب للحصول على الجنسية الروسية مع زوجته، حتى لا ينفصلا عن ابنهما، وبالفعل، حصلا على الجنسية الروسية في سبتمبر عام 2022.
تصوير فيلم عن قصته
أصبحت قصة إدوارد سنودن من أبرز قصص التجسس وتسريب الوثائق في العالم، وأصبحت شخصيته عالمية ومحط اهتمام الصحافة والجمهور حول العالم، حيث تم إصدار فيلم Snowden من بطولة جوزيف جوردون ليفيت، والذي استند إلى قصته، كما تم إصدار عدة أفلام وثائقية عن قصته كذلك.