خلال حياته القصيرة التي لم تتعدَ الـ36 عامًا ملأت أشعار الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان العالم العربي بأسره وتردد شعره على لسان الثوار في أرجاء الوطن العربي بأكمله من المحيط إلى الخليج وأصبحت قصائده وأشعاره رمزًا للثورة على الظلم والاحتلال في كل زمان ومكان، فهو من ألف أهم قصيدتين ثوريتين وهما "موطني" و"الفدائي" تعرف أكثر على حياته وإنجازاته في هذا المقال.
من هو إبراهيم طوقان؟
إبراهيم عبد الفتاح طوقان هو شاعر فلسطيني ولد في نابلس في فلسطين في عام 1905 ويعد من أقطاب الشعر العربي الحديث اشتهر بشعر الثوري والوطني لذا لقب "بشاعر الوطنية"، و"حارس الأرض".
قضى طوقان حياته مدافعًا عن أرضه من سطوة الاستعمار بقلمه وشعره، وقد كان من الشعراء الذين تأثروا بالنهضة الشعرية والأدبية الحديثة في مصر.
اشتهر طوقان بقصائده الثورية الشهيرة التي اعتبرت فجر القومية العربية، ولعل أهم هذه القصائد قصيدة "موطني" التي أصبحت نشيدًا وطنيًا لفلسطين ونشيد للعراق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.
امتلك طوقان حياة شعرية تفجّرت في مقتبل العمر بفعل عوامل متعددة. من بين هذه العوامل دور شقيقه أحمد الذي عرّفه بمنتخبات الشعر العربي القديم والحديث، وتأثير البيئة الأدبية التي نشأ فيها خلال دراسته في بيروت، بالإضافة إلى تعمقه في دراسة سور القرآن الكريم.
شعر إبراهيم طوقان يحمل بصمة وطنية ثورية، فهو يتغنى بالأرض وينتقد بشدة الذين يسعون لبيعها، كما يُمجّد الثوار ويكرّم الشهداء، بالإضافة إلى انتقاده لتصارع الزعامات.
تنقل طوقان في حياته بين بيروت ونابلس والقدس، وقد عمل فيهم في التدريس والإذاعة، كما عمل في العراق لفترة قصيرة لم تستمر لمدة شهرين حتى توفي وهو شاب بعمر 36 عامًا فقط.
عائلة طوقان
نشأ إبراهيم طوقان في عائلة عريقة، فشقيقته هي الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان الملقبة بشاعرة فلسطين وتعد من أهم الشاعرات في القرن العشرين، وكان إبراهيم هو قدوتها ومعلمها الأول وداعمها في الحياة.
شقيقه الثاني هو أحمد طوقان الذي ولد في نابلس وشغل منصب رئيس وزراء الأردن في الفترة ما بين شهر سبتمبر عام 1970 إلى شهر أكتوبر من العام نفسه، وقد تلقى عدة أوسمة في حياته منها وسام الاستقلال الأردني ووسام النهضة ووسام الكوكب الأردني.
نشأ طوقان في عائلة كبيرة وثرية وعاش في بيت أثري كبير، وكان لديه أكثر من 10 إخوة وهم يوسف وأحمد ورحمي ونمر وفدوى وفتايا وأديبة.
عاش طوقان في بيت الأغا طوقان العريق، وقد عانى منذ طفولته من مشكلات صحية لذا وجد اهتمامًا كبيرًا من أسرته نحوه.
ديانة إبراهيم طوقان
ديانته الإسلام.
ماذا درس إبراهيم طوقان؟
تلقى الشاعر إبراهيم طوقان أفضل العلم منذ صغره، فقد التحق بالمدرسة الرشيدية الابتدائية في مدينة نابلس، وكانت هذه المدرسة تتبع نهجًا دراسيًا وتعليميًا جديدًا مختلفًا عن نهج التدريس للدولة العثمانية في ذلك الوقت، حيث كان أستاذتها من الذين درسوا في الأزهر الشريف وتأثروا بالنهضة الأدبية والشعرية الحديثة.
التحق طوقان بعدها بمدرسة المطران الثانوية في مدينة القدس عام 1919، وقد تتلمذ على يد نخلة زريق الذي يعد من أبرز الشخصيات في تاريخ اللغة العربية، وبعد الحصول على الشهادة الثانوية شد الرحال إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأمريكية هناك عام 1923 وقد حصل على شهادة الجامعة في الآداب عام 1929.
خلال الدراسة في المدرسة الثانوية بدأ في كتابة الشعر حيث مكنته المدرسة من أن يطلع على الآداب العربية والإسلامية والشعر العربي.
من هي زوجة إبراهيم طوقان؟
تزوج الشاعر إبراهيم طوقان من سيدة اسمها سامية قاسم عبد الهادي ورزق منها بولدين وهما جعفر وعُريب.
مسيرته المهنية
عمل الشاعر إبراهيم الطوقان في مهنة التدريس، وقد بدأ عمله مدرسًا للغة العربية في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس بعد أن حصل على شهادته من الجامعة الأمريكية في بيروت وبقي في هذه المدرسة لمدة عام واحد فقط.
عاد بعدها إلى البيروت وعمل في قسم الأدب العربي في الجامعة الأمريكية وظل يشغل هذه الوظيفة لمدة عامين من عام 1930 إلى عام 1932 ثم قدم استقالته من الجامعة وعاد إلى فلسطين وعمل مدرسًا في المدرسة الرشيدية في القدس.
لم يتمكن من مزاولة مهنته لفترة طويلة حيث عانى من مرض شديد في معدته، وكان أصيب به للمرة الأولى منذ أن كان طالبًا في مدرسة المطران، وقد اشتد عليه المرض فأجرى عملية جراحية ناجحة في عام 1933.
ترك طوقان التدريس وعاد إلى مدينة نابلس للعمل في دائرة البلدية لمدة عامين وخلال هذه الفترة نظم العديد من القصائد الوطنية الرائعة.
انتقل طوقان بعدها إلى بغداد وعمل في مهنة التدريس في أحد المعاهد العلمية هناك، وفي لم يمكث في بغداد إلا شهرين فقط حيث اشتد عليه المرض فقرر العودة إلى نابلس التي توفي فيها.
عمله في الإذاعة
في عام 1936 عاد طوقان مجددًا إلى القدس وعمل في القسم العربي ف يإذاعة القدس، حيث تم اختياره مراقبًا للقسم العربي في الإذاعية، وقد ظل يعمل في الإذاعة لمدة 4 سنوات دافع خلالها عن اللغة العربية الفصحى وتحدى الدعوات المطالبة بإذاعة النشرات الإذاعية باللهجة العامية.
واجه إبراهيم طوقان رقابة شديدة على الإذاعة خلال الحرب العالمية، كما أنه واجه تحريضًا من منافسيه العرب لدى السلطات البريطانية، قد اتهم بتسريد الدعاية في برامجه ضد الحلفاء.
حيث روى طوقان في الإذاعة قصة شخص وجد عقد لؤلؤ أثناء طوافه في الكعبة، وقرر أن يعيده لصاحبه. بينهما نشأت علاقة ودية ووفاء بالعهد.
اختار طوقان هذه القصة كمادة تثقيفية للأطفال، حيث دعا الشخص الذي أعاد العقد ليكون أميناً وووصف صاحب العقد بالوفاء لمن وجده، وبعد أن قام بإلقاء القصة، قام بعض الأشخاص بتأويلها بأنها تمجيد لفضائل السيد محمد أمين الحسيني، لذا تم إقالته من الإذاعة.
أشهر قصائد إبراهيم طوقان
كتب إبراهيم طوقان العديد من القصائد والأشعار بأغراض متعددة، لكن الغرض الذي ساد في شعره هو الانتماء للوطن، حيث عبّر عن هموم الوطن وأبنائه خاصة خلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين.
تمتاز أشعاره بالطابع الوطني العميق الذي أسهم في انتشارها في فلسطين، فأصبح معروفًا باسم "شاعر فلسطين" وتجاوزت أعماله حدودها لتصل إلى الوطن العربي بأسره.
كما تميزت إبداعاته بالغرض الآخر، وهو الغزل، حيث مزج فيه بين عواطف الحب وعواطف الألم بطريقة متقنة ومؤثرة.
بدأ طوقان كتابة الشعر منذ المرحلة الثانوية وقد نشر قصيدته الأولى في عام 1923 حينما كان طالبًا في مدرسة المطران. وفي لبنان وخلال دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت نظم عدة قصائد منها قصيدته عن الممرضات التي لفتت الأنظار إليه في لبنان حيث نشرت في جريدة "المعرض" التي كانت تصدر من بيروت.
بعد عودته إلى نابلس عام 1929 شهدت فلسطين الهبة الفلسطينية فألقى قصيدته الشهيرة "الثلاثاء الحمراء" في احتفال مدرسة النجاح الثانوي، وقد نظم هذه القصيدة بعد 10 أيام من إعدام ثلاثة من المناضلين الذين شاركوا في الهبّة وهم عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم.
كانت هذه القصيدة أصدق تعبير عن تفاعل طوقان مع هموم وطنه ورفضه للظلم والاحتلال، وقد خلد ذكرى المناضلين الثلاثة في هذه القصيدة التي قال فيها:
لمّا تَعَرَّضَ نَجْمُك المنحوسُ .. وترنَّحت بِعُرى الحِبالِ رؤوسُ
ناح الأذانُ وأعولَ الناقوسُ .. فالليل أكدرُ والنَّهارُ عَبوسُ
طَفِقَتْ تثورُ عواصفُ وعواطفُ .. والموت حينا طائف أو خاطفُ
والمعْولُ الأَبديّ يُمْعِن في الثرى .. لِيردَّهمْ في قلبِها المتحجِّرِ
يومٌ أطلَّ على العصور الخاليَهْ .. ودعا "أمرَّ على الورى أمثاليَهْ؟"
فأجاَبهُ يومٌ أجلْ أنا راويهْ .. لمحاكم التَّفتيش تلكَ الباغِيَهْ
تحدث طوقان عن الصراعات السياسية بين النخب الفلسطينية في شعره، واهتم بالخلافات في مدينة القدس، وقد عبر عن موقفه الرافض من سياسيات بعض السماسرة مع سلطات الانتداب الفلسطيني وعبر عن انحيازه للشعب الفلسطيني، فنجده يقول:
أما سماسرةُ البلاد فعُصبةٌ .. عارٌ على أهل البلاد بقاؤها
إبليسُ أعلن صاغرا إفلاسَهُ .. لَمّا تحقق عنده إغراؤها
من هو الشاعر الذي كتب نشيد موطني؟
كتب الشاعر إبراهيم طوقان قصيدة موطني والتي أصبحت علامة هامة في تاريخه الشعري واعتبرت رمزاً للكفاح في الوطن العربي كله، فلا يوجد عربي لم يتغنّ بقصيدته تلك حتى لو لم يعرف من مؤلفها.
أصبحت موطني نشيدًا وطنيًا لفلسطين كما أصبحت النشيد الوطني للعراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ويقول في قصيدة موطني:
موطني، الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك
والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك
هل أراك سالما منعّما وغانما مكرّما
هل أراك في عُلاك تبلغ السِّماك
الشباب لن يكِلَّ همُّه أن تستقلّ أو يبيد
نستقي من الردى ولن نكون للعِدا كالعبيد
لحّن هذه القصيدة الموسيقار اللبناني محمد فليفل عام 1934، وحظيت القصيدة بشعبية واسعة في الوطن العربي، كما أصبحت قصيدة تنشد في الثورات والمظاهرات العربية، وتغنى بها العديد من نجوم الغناء في الوطن العربي منهم كريستيا صوايا وفايا يونان وإليسا ونجوم آخرين.
قصيدة إبراهيم طوقان "الفدائي"
تجلى حضور الشاعر إبراهيم طوقان أيضًا من خلال قصيدته الشهيرة "الفدائي" التي تغنى بها الفلسطينيون والعرب، وقد حققت هذه القصيدة شهرة واسعة بعد أن تم اختيارها مقدمة لمسلسل "التغريبة الفلسطينية" عام 2004 للمخرج حاتم علي.
تحكي القصيدة عن قصية فدائي فلسطيني حاول اغتيال مسؤول بريطاني كبير اسمه هربرت صامويل، الذي كان أول مندوب سامي بريطاني في فلسطين، وقد عرف هذا المندوب بعدائه للعرب، وقد نفذ الشاب مهمته ولكنه تعرض للتعذيب، وخلّد طوقان سيرته في هذه القصيدة التي يقول فيها:
لا تَسلْ عن سلامتِهْ
روحه فوق راحتِهْ
بدَّلَتْهُ همومُهُ
كفناً من وسادِتهْ
يَرقبُ الساعةَ التي
بعدَها هولُ ساعتِهْ
شاغلٌ فكرَ مَنْ يراهُ
بإطراقِ هامتِهْ
بيْنَ جنبيْهِ خافقٌ
يتلظَّى بغايتهْ
من رأى فَحْمةَ الدُّجى
أُضْرِمَتْ من شرارتِهْ
حَمَّلَتْهُ جهنَّمٌ
طَرفَاً من رسالتِه
هو بالباب واقفُ
والرًّدى منه خائفُ
فاهدئي يا عواصفُ
خجلاً من جرأتِهْ
قصيدة إبراهيم طوقان كفكف دموعك
ومن قصائد إبراهيم طوقان الشهيرة قصيدة "كفكف دموعك" التي كتبها عام 1936 في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين وثورة الشعب الفلسطيني، وقد خاطب فيها الشعب الفلسطيني ودعاه للكف عن البكاء والعويل لأنه لا ينفع والتحرك من أجل الدفاع عن فلسطين، ويقول في قصيدته:
كَفْكِفْ دموعَكَ ليس ينفَعُكَ البكاءُ ولا العويل
وانهضْ ولا تشكُ الزمانَ فما شكا إلاَّ الكسول
واسلكُ بهمَّتِكَ السَّبيلَ ولا تقلْ كيف السَّبيلُ
ما ضَلَّ ذو أملٍ سَعى يوماً وحكمتهُ الدَّليلُ
كلاَّ ولا خاب امرؤٌ يوماً ومقصْدهُ نبيلُ
أْفنَيْتَ يا مسكيُن عُمرَكَ بالتَّاوُّهِ والحزَنْ
وقعدتَ مكتوفَ اليديْن تقولُ حاربني الزَّمنْ
ما لمْ تقمْ بالعبئِ أنتَ فَمَنْ يقوم به إذن
وقد تم تحويل هذه القصيدة إلى أغنية من ألحان الموسيقار الفلسطيني خالد صدوق، وتم تقديمها بقيادة الموسيقار رزي أبو رمضان بمشاركة 15 عازفًا و11 مغنيا خلال أمسية فنية على خشبة مسرح قصر رام الله الثقافي في عام 2013.
من دواوين الشاعر إبراهيم طوقان
نشرت أشعار إبراهيم طوقان في الصحف والمجلات العربية، وقد جمعت هذه الأشعار بعد وفاته في ديوان واحد حمل اسمه صدرت منه عدة طبعات أولها في عام 1955 عن دار الشرق الجديد في بيروت أي بعد وفاته ب14 عامًا.
سبب وفاة الشاعر إبراهيم طوقان
عانى الشاعر إبراهيم طوقان من مرض في معدته عانى منه منذ دراسته في المرحلة الثانوية، حيث عانى من القرح والالتهابات في المعدة وكان ضعيف البنية، وقد صاحبه هذا المرض طوال حياته.
أجرى عملية جراحية في معدته في عام 1933، ولكنه ظل يعاني من المرض، وعندما انتقل للعمل في بغداد عام 1940 اشتد عليه المرض فعاد إلى نابلس ودخل المستشفى الفرنسي في القدس التي توفي فيها في 2 مايو عام 1941 عن عمر 36 عامًا فقط ونقل جثمانه إلى نابلس حيث دفن.
بعد وفاته أقيم حفل تأبين شارك في أدباء وشعراء من كافة أنحاء فلسطين وأقيم حفل التأبين في مدرسة النجاح الوطنية، ورغم وفاته المبكرة إلا أن أشعاره لا تزال خالدة حتى وقتنا هذا.