واحد من أعظم علماء الكيمياء في التاريخ، ويلقب ب"أبي الكيمياء الحديثة"، إنه العالم الفرنسي أنطوان لافوازييه الذي كان لأبحاثه واكتشافاته دور هام في فهم البشر للمواد والتفاعلات الكيميائية، حيث ساهم في إسقاط النظريات القديمة، ووضع أسس علمية جديدة لا تزال تدرس حتى يومنا هذا. لم يمكن لافوازييه مجرد عالمًا فحسب، بل كان مفكرًا ومصلحًا، إلا أن إسهاماته لم تعفيه من الاضطهاد والقتل، في السطور التالية تعرف على مسيرته وقصة حياته وسبب مقتله.
من هو أنطوان لافوازييه؟
أنطوان لوران دي لافوازييه، هو عالم كيمياء فرنسي، ولد عام 1943 في باريس، وهو واحد من أعظم علماء الكيمياء في التاريخ، وصاحب لقب "أبو الكيمياء الحديثة" وذلك لإسهاماته العلمية البارزة، ولعل أهمها اكتشاف دور الأكسجين في عملية الاحتراق.
تلقى أنطوان تعليمه في أرقى المؤسسات العلمية في فرنسا آنذاك، ودرس القانون في البداية، إلا أن شغفه وعبقريته في العلوم، وخاصة الكيمياء، دفعاه لمواصلة دراسة هذا العلم. بدأت مسيرته العلمية بشكل فعلي في ستينيات القرن الثامن عشر، حيث انضم إلى الأكاديمية الفرنسية للعلوم، وبدأ بإجراء تجاربه العلمية الحديثة.
ساهم أنطوان لافوازييه في العديد من الاكتشافات الكيميائية الرائدة، فقد كان من أوائل العلماء الذين استخدموا الميزان في تجاربه الكيمياء، وتوصل إلى قانون حفظ الكتلة، إلا أن أبرز اكتشافاته هو اكتشاف دور الأكسجين في عملية الاحتراق.
إلى جانب عمله العلمي، شغل لافوازييه مناصب إدارية في الدولة، إلا أنه كان ضحية التغيرات السياسية، فقد كان عرضة للاتهام خلال الثورة الفرنسية، ومن ثم القتل خلال عهد الإرهاب.
نشأته وتعليمه
ولد العالم الفرنسي أنطوان لافوازييه في عائلة ثرية من نبلاء باريس، فوالده كان محاميًا في البرلمان، أما والدته فكانت من عائلة نبيلة توفيت وهو في سن صغير، وورث أنطوان منها ثروة ضخمة.
بدأ لافوازييه الدرسة في كلية الأمم الأربع في باريس، وفي آخر عامين له في الكلية، أثارت اهتماماته العلمية، حيث درس الكيمياء وعلم النبات والفلك والرياضيات.
التحق فيما بعد بكلية الحقوق، وحصل على درجة البكالوريوس، ومن ثم حصل على إجازة المحاماة، وحصل على شهادة في القانون، وانتسب إلى نقابة المحاميين، إلا أنه لم يمارس مهنة المحاماة، واتجه بدلًا من ذلك إلى دراسة الكيمياء في وقت فراغه.
![أنطوان لافوازييه.. أبو الكيمياء الحديثة الذي مات مقتولًا]()
ترك المحاماة لدراسة الكيمياء
بعد حصوله شهادة في القانون، فضّل أنطوان لافوازييه دراسة العلوم في أوقات فراغه، حيث كان مفتونًا بكتب بيير ماكير في الكيمياء، وحضر دورس في العلوم الطبيعية.
درس لافوازييه على يد عدد من العلماء، منهم عالم الجيولوجيا جان إتيان جيتار، عالم الكيمياء إتيان كوندياك وغيرهم. وخلال دراسته، أجرى أنطوان أبحاثًا مهمة نشرت في الأكاديمية الفرنسية للعلوم، وهو ما لفت أنظار المجتمع العلمي في باريس نحوه.
في عام 1766، حصل أنطوان على ميدالية ذهبية من الملك؛ بسبب بحث علمي حول مشاكل إضاءة الشوارع، وبعدها بعامين، تم تعيينه بشكل مؤقت في أكاديمية العلوم.
زوجة أنطوان لافوازييه
في عام 1771، وعندما كان يبلغ من العمر 28 عامًا، تزوج أنطوان لافوازييه من ماري آن بيريتبلوز، هي ابنة ثري فرنسي أحد كبار أعضاء المزرعة العامة، وكانت تبلغ من العمر 13 عامًا حينما تزوجها.
ساهمت زوجته ماري بشكل كبير في مسيرته العلمية، حيث ترجمت له الوثائق الإنجليزية، كما ساعدته في المختبر، ورسمت وأنشأتا لنقوش المنحوتة للأدوات المختبرية التي استخدمها أنطوان في أبحاثه.
![أنطوان لافوازييه.. أبو الكيمياء الحديثة الذي مات مقتولًا]()
أهم الأعمال التي قام بها العالمي الكيميائي لافوازييه
ساهم أنطوان لافوازييه بشكل كبير في تطور الكيمياء، حيث أطلق عليه لقب "أبو الكيمياء الحديثة" فخلال حياته أثبت عدم صحة العديد من النظريات العلمية السابقة، ووضع أسسًا علمية حديثة لعلم الكيمياء الذي يدرس في الوقت الحالي.
وكانت من أبرز نظرياته نظرية الأكسجين للاحتراق، ففي ذلك الوقت كانت نظرية الفلوجستون هي السائدة في القرن الثامن عشر، وتقول النظرية بأن المواد تحترق؛ لأنها تحتوي على مادة خفية اسمها "الفلوجستون".
أثبت لافوازييه بعدها أن الأكسجين هو العنصر المسؤول عن عمليات الاحتراق والتنفس الخلوي، حيث أثبت أن الكائنات الحية تستهلك الأكسجين وتطلق ثاني أكسيد الكربون، وقد ساهم هذا الاكتشاف في تطوير علم وظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية.
أثبت لافوازييه تجريبيًا خطأ هذه النظرية، حيث اكتشف بأن الاحتراق يحتاج إلى الأكسجن وليس إلى تلك المادة الخيالية، وقد كانت نتيجة أبحاثه ثورية، إذا أثبت تفسيرًا خاطئًا دام لأكثر من قرن.
اكتشف لافوازييه كذلك قانون "حفظ الكتلة"، وهو أحد أعمدة الكيمياء الحديثة، وينص القانون على أن "الكتلة، ولا تستحدث أثناء التفاعلات الكيميائية، بل تتحول فقط من شكل إلى آخر".
توصل أنطوان لافوازييه إلى هذه النظرية من خلال تجارب دقيقة باستخدام الميزان، التي أثبتت أن التفاعلات الكيميائية لا تؤدي إلى فقدان أو اكتساب مادة، بل تؤدي إلى تحولها.
كانت من بين جهود لافوازييه كذلك تسمية العناصر الكيميائية وتصنيفها، وساعد هذا النظام على توحيد لغة الكيمياء. حلل لافوازييه الماء وحدد مكوناته، كما استخدم الميزان كأداة أساسية في التحليل الكيميائي.
كيف أطلق أنطوان لافوازييه اسم الأكسجين؟
اكتشف أنطوان لافوازييه عنصر الأكسجين، وقد صاغ هذا الاسم من كلمات يونانية. كلمة الأوكسجين مكونة من كلمتين وهما "أوكسيز" وتعني حمضي، و"جينز" وتعني مولد أو مُنتج.
اكتشف أنطوان أن نواتج احتراق اللافلزات مثل الكبريت والفوسفور والفخم والنيتروجين حمضية، ورأى أن جميع الأحماض تحتوي على الأكسجين، وبالتالي الأكسجين هو مكوّن الحموضة.
![أنطوان لافوازييه.. أبو الكيمياء الحديثة الذي مات مقتولًا]()
ما هو سبب إعدام أنطوان لافوازييه؟
في عام 1769، انضم أنطوان لافوازييه إلى شركة "المزرعة العامة" وهي شركة مالية لتحصيل الضرائب، ومنذ انضمامه إلى تلك الشركة، وضع العديد من القرارات المبتكرة من أجل تحصيل الضرائب على المزارعين.
كانت تلك الضرائب سببًا في تشويه سمعته عندما بدأ عهد الإرهاب في فرنسا، حيث كانت الضرائب وإصلاحات الحكومة الدافعين الأساسين للثورة الفرنسية في ذلك الوقت.
وضع أنطوان ضرائب كبيرة على المنتجات الزراعية، ورغم جهوده في تحسين جودة المحاصيل الزراعية، إلا أن النظام الضريبي الذي فرضه ترك المزارعين في حالة مادية صعبة.
في عام 1791، ومع تزايد زخم الثورة الفرنسية، زادت الهجمات على شركة المزرعة العامة، والتي تم إلغاؤها في النهاية، وأجبر لافوازييه على الاستقالة من منصبه في لجنة البارود، وانتقل إلى منزل آخر.
في عام 1793، تم قمع جميع الجمعيات العلمية، وصدر قرار بالقبض على جميع أعضاء المزرعة العامة السابقين، ومنهم لافوزاييه و9 آخرين، حيث وجه إليهم اتهامات بالاحتيال على الدولة وغش التبغ.
على الرغم من نفيه لكل التهم الموجهة إليه، إلا أنه حكم عليه بالإعدام بالمقصلة، وتم تنفيذ الحكم في 8 مايو عام 1794 في باريس عن عمر 50 عامًا، إلى جانب 27 متهمًا آخرين.
بعد وفاة العالم لافوازييه بعام ونصف، تم إثبات براءته من قبل الحكومة الفرنسية، وسلمت ممتلكاته إلى أرملته، وأرفقت معاه رسالة مكتوب فيها: "إلى أرملة لافوازييه التي أدينت ظلمًا".