واحد من أعظم مخرجي السينما في اليابان والعالم، وصاحب المسيرة الفنية التي امتدت لأكثر من خمسين عامًا، إنه المخرج الياباني أكيرا كوروساوا الذي قدم خلال مسيرته عشرات الأفلام التي أصبحت مرجعًا في السينما والتعبير الدرامي والبناء السردي، ولا تزال أعماله تدرس وتلهم صناع الأفلام حتى الآن، في هذا المقال نسلط الضوء على مسيرته الفنية وأعماله.
من هو أكيرا كوروساوا؟
هو مخرج سينمائي ياباني، ولد في 23 مارس عام 1910، ويعد واحد من أعظم المخرجين وأكثرهم تأثيرا في تاريخ السينما، وصاحب الأسلوب السينمائي الديناميكي، والأعمال الفنية المميزة.
بدأ أكيرا مسيرته كمساعد مخرج خلال الثلاثينات، وفي عام 1943 قدم أول أعماله السينمائية بعنوان "سانشيرو سوجاتا". جاءت انطلاقته الحقيقية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث قدم أفلًا تتمحور حول الإنسان والمجتمع والأخلاق بلغة سينمائية إنسانية وشاعرية عميقة.
فازت أفلام أكيرا كوروساوا بالعديد من الجوائز في مهرجانات سينمائية عالمية، وبفضله، بدأت السينما اليابانية تفرض حضورها في العالم. لم يكن أكيرا مخرجًا فحسب، بل كان كاتبًا ومحررًا ومصورًا بصريًا، وتميزت أفلامه بالحركة والتصوير والمبتكرين واستخدام الضوء والظل والموسيقى التصويرية المؤثرة.
يعتبر أكيرا واحد من أبرز المساهمين في تطوير السينما في آسيا في القرن العشرين، وحصل خلال مسيرته على عشرات الجوائز والتكريمات، كما تم تناول قصته وأعماله الفنية في الدراسات النقدية والسير الذاتية والأعمال الوثائقية كذلك.
نشأته وتعليمه
ولد المخرج أكيرا كوروساوا في طوكيو، وقد نشأ في عائلة فريدة، فقد كان والده أيسامو عضوًا في عائلة ساموراي، كما أنه كان مديرًا للمدرسة الإعدادية التابعة لمعهد التربية البدنية للجيش، أما والدته كانت من عائلة عمل بالتجارة.
نشأ أكيرا وسط عائلة ثرية، وهو الطفل الثامن والأصغر، وقد توفي اثنان من أشقائه بعد فترة من ولادتهما. تأثر أكيرا بوالده كثيرًا، الذي لم يحرص فقط على تشجيع أطفاله على التمارين البدنية، بل كان منفتحًا على الغرب، واعتبر المسرح والسينما ذات قيمة تعليمية، وشجع أطفاله على مشاهدة الأفلام الغربية منذ سن مبكر.
كان شقيقه الأكبر هيغو من أكثر المؤثرين على شخصيته، حيث كان عاشقًا للأدب الأجنبي، وعمل في مسارح طوكيو خلال العشرينات، وقد انتقل أكيرا للعيش معه، وأصبحا لا ينفصلا منذ ذلك الوقت، حيث انغمس أكيرا في السينما، بينما انغمس شقيقه في العروض المسرحية والسيرك.
عاش أكيرا صدمة صعبة في حياته بعد انتحار شقيقه هيغو عام 1933، وذلك بعد تزايد إنتاج الأفلام الناطقة في أوائل الثلاثينات، حيث لم يتمكن هيغو من إيجاد عمل مناسب مع هذا التطور الجديد، وقد تركته تلك الصدمة تحت شعو دائم بالخسارة.
زوجته وأطفاله
تزوج أكيرا كوروساوا من الممثلة اليابانية يوكو ياغوتشي عام 1945، حيث كانت تعمل دور في أحد الأفلام التي يخرجها فيها أكيرا، وعلى الرغم من أنهما كانا في خلافات دائمة، إلا أن هذا التناقض في شخصيتهما جعلهما يقعان في الحب لاحقًا.
ظل أكيرا متزوجًا من يوكو لمدة 39 عامًا حتى وفاتها عام 1985، ورزق منها بطفلين، وهما هيساو، الذي عمل كمنتج في بعض مشاريع والده الأخيرة، وابنته كازوكو التي ولدت عام 1954، والتي أصبحت مصممة أزياء مشهورة.
![أكيرا كوروساوا.. سيد السينما اليابانية]()
دخوله عالم صناعة الأفلام
بدأ المخرج أكيرا كوروساوا مسيرته المهنية في عام 1935، حيث أصبح مساعد مخرج، واستمر عمله كمساعد مخرج لمدة 5 سنوات، شارك فيها في 24 عملا فنيا، 17 منها تحت إشراف المخرج ياماموتو، الذي اهتم بموهبة أكيرا وقدم له الدعم.
وخلال تلك الفترة، لم يقتصر عمل أكيرا على مساعدة المخرج، بل عمل في مهام مختلفة منها بناء المسرح وتطوير الفيلم وكتابة النصوص وتعديلها والمونتاج والإضاءة والدبلجة وغيرها، وكلها مهام صقلت من موهبته، وبنت لديه أسلوب فني خاص به.
خلال أدائه تلك المهام، اكتشف المخرج ياماموتو موهبة أكيرا في الكتابة، واقترح عليه أن يكتب سيناريوهات للمخرجين، وبالفعل تمكن من كسب أموالًا أكثر من بيع نصوصه بجانب عمله كمساعد مخرج.
بداية مسيرته في الإخراج
في عام 1941، قرر المخرج أكيرا كوروساوا أن يخرج أول فيلم خاص به، وظل يبحث لفترة طويلة عن سيناريو جيد للفيلم الذي سيخرجه، فوقع الاختيار على رواية "سانشيرو سوجاتا"، الذي صدر كفيلم عام 1943، وحقق نجاحًا نقديًا وتجاريًا، على الرغم من حذف الرقابة الكثير من المشاهد منه.
يروي الفيلم قصة شاب يتعلم رياضة الجودو، ويكتشف من خلالها مفاهيم الشرف والانضباط، ويعد هذا الفيلم بداية اهتمام أكيرا بالجانب النفسي الشخصيات، والتي كانت علامة مميزة في كل أعماله تقريبًا.
واصل أكيرا كوروساوا تقديم المزيد من الأفلام، ومنها فيلم شبه وثائقي اسمه "الأجمل"، والذي يحكي عن قصة مجموعة من المتطوعات في مصنع للبصريات خلال الحرب العالمية الثانية، وصدر الفيلم عام 1944، وكانت زوجته المستقبلية يوكو ياغوتشي ضمن الممثلات في هذا العمل.
في عام 1945، أخرج أكيرا أول فيلم من تأليفه، وهو فيلم "الرجال الذين يدوسون على ذيل النمر"، إلا أن الفيلم لم يعرض إلا في عام 1952.
![أكيرا كوروساوا.. سيد السينما اليابانية]()
أشهر أفلام أكيرا كوروساوا
بعد الحرب، سعى أكيرا كوروساوا أن يخرج أفلامًا يقدم فيها المثل الديمقراطية وإرساء احترام الفرد والذات، ومن بين أعماله من هذه النوعية فيلم "لا ندم على شبابنا"، المستوحى من قضية تجسس في زمن الحرب، والجديد في هذا الفيلم أن الشخصية المركزية هي امرأة.
كان فيلمه الثاني المميز "أحد رائع" عام 1947، والذي يحكي عن قصة زوجين فقيرين بعد الحرب يحاولات الاستمتاع بالحياة وسط دمار طوكيو. أخرج كذلك فيلم "درب الثلج".
شهد عام 1948 أول تعاون بين كوروسواوا والممثل الياباني العظيم توشيرو ميفوني في فيلم "الملاك السكران" وتدور قصة الفيلم حول طبيب يحاول إنقاذ رجل عصابات مصاب بالسل، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، وتم تكريم الفيلم.
من أفلامه المميزة كذلك فيلم "الكلب الضال"، والذي يستكشف فيه مزاج اليابان والأوضاع عنها خلال تعافيها المؤلم بعد الحرب.
أكيرا كوروساوا والاعتراف العالمي
في عام 1950، أخرج أكيرا كوروساوا فيلم "راشومون" ويحكي الفيلم قصة مجموعة من الأشخاص يصفون قصة مقتل ساموراي في غابة. لم يحقق الفيلم نجاحًا في اليابان، إلا أن الفيلم تم عرضه في مهرجان البندقية السينمائي، بجهود من الممثلة الإيطالية جوليانا ستراميجولي، التي كانت تعيش في اليابان في تلك الفترة، وأعجبت بالفيلم كثيرًا.
عرض الفيلم في المهرجان عام 1951، وحصل على جائزة الأسد الذهبي، وهي أعلى جائزة يقدمها المهرجان، وقد أثارت هذه الجائزة صدمت عالم السينما الدولي، حيث كان تكريم فيلم ياباني جديدًا في تلك الفترة.
بعد عرض الفيلم في إيطاليا، عرض في الولايات المتحدة، وحقق نجاحًا كبيرًا، وبعدها حظيت أفلام أكيرا كوروساوا بشهرة أكبر في أمريكا والغرب، وقد حلت الأفلام اليابانية محل الأفلام الواقعية الجديدة الإيطالية التي كانت رائجة في ذلك الوقت.
فيلم أكيرا كوروساوا الثاني بعد الشهرة العالمية كان فيلم "إييرو" والذي يحكي عن رجل مصاب بالسرطان يبدأ في مهمة أخيرة للبحث عن معنى للحياة قبل وفاته. حظي الفيلم بإشادة عالمية، وفاز بعدة جوائز، منها جائزة أفضل فيلم في مهرجان كينيما جونبو.
كان فيلمه التالي "الساموراي السبعة" وهو فيلم أكشن ملحمي يحكي عن قرية زراعية فقيرة في اليابان تستأجر مجموعة من الساموراي للدفاع عنها ضد هجوم وشيك من قطاع الطرق، وكان هذا الفيلم أغلى فيلم ياباني على الإطلاق، وحقق نجاحًا كبيرًا.
خلال التجارب النووية عام 1954، أخرج أكيرا فيلمه الجديد "أعيش في خوف" والذي حيك عن رجل مرعوب من احتمال وقوع هجوم نووي لدرجة أنه نقل عائلته بأكمله إلى مزرعة آمنة في البرازيل، وصنف الفيلم بأنه من أفضل الأفلام التي تناولت الآثار النفسية للأزمة النووية العالمية.
![أكيرا كوروساوا.. سيد السينما اليابانية]()
تأسيس شركة للإنتاج
بداية من فيلم راشومون، الذي حقق لأكيرا كوروساوا شعبية عالمية، قرر أن يستغل نجاح أفلام بأن يبدأ شركة إنتاج خاصة به بعنوان "ريد بيرد" عام 1959.
على الرغم من المخاطرة بأمواله لتأسيس هذه الشركة، اختار أكيرا سيناريو مثير للجدل لتحويله إلى فيلم من إنتاجه، وهو فيلم الغموض "نوم سيئ" وهي دراما انتقامية حول شاب قادر على التسلل إلى التسلسل الهرمي شركة فاسدة بهدف الكشف عن الفساد بعد وفاة والده. حظي الفيلم بردود فعل باهتة، وكان مخيبًا للآمال.
كان فيلمه الثاني من إنتاجه "الحارس الشخصي" والذي حقق نجاحًا نقديًا وتجاريًا، وكان من بين أعلى أفلامه ربحًا على الإطلاق. واصل أكيرا إنتاج وإخراج المزيد من الأفلام، ومنها "الحية الحمراء".
الإخراج في هوليوود
في عام 1966، قرر أكيرا أن يخوض تجربة جديدة، وهي إخراج فيلم خارج اليابان، وكان أول مشروع أجنبي له بعنوان "القطار الهارب"، وكان أول فيلم ملون له، وخرج الفيلم إلى النور أخيرًا عام 1985 بعد مشكلات كثيرة في العرض.
كان مشروعه الهوليوودي الثاني فيلم "تورا تورا تورا" عام 1970، وقد واجه أكيرا صعوبات شديدة خلال العمل عليه، ووصفه العاملون معه بأنه "يعاني من مرض نفسي"، وكانت سمعته على المحك بسبب هذا الفيلم.
عاد أكيرا إلى اليابان، وقرر أن يخرج فيلمًا جديدًا ليثبت نفسه من جديد، إلا أنه عانى من مشكلات صحية، وحاول الانتحار أكثر من مرة. كانت نقطة التحول عام 1973، حينما عرض عليه سيناريو فيلم "ديرسو أوزالا" الذي عرض عام 1975، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في اليابان وخارجها، وفاز بالجائزة الذهبية في مهرجان موسكو السينمائي الدولي التاسع، بالإضافة إلى جائزة أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية.
من بين أفلام أكيرا كوراساوا الناجحة فيلم "ران" الذي حقق نجاحًا عالميًا، وفاز بالعديد من الجوائز في اليابان، وفاز الفيلم بجائزة أوسكار أفضل مصممة أزياء.
واصل أكيرا إبداعه الفني حتى بلوغه سن الثمانين، فأخرج وكتب عشرات النصوص، ومن بين آخر أعماله كتابة فيلم "بعد المطر" الذي صدر عام 1999.
متى توفي أكيرا كوروساوا؟
في عام 1999، انزلق أكيرا كوروساوا، وكسر قاعدة عموده الفقري، واضطر منذ ذلك الوقت من استخدام كرسي متحرك. بعد هذه الحادثة، تدهورت صحته بشكل سريع، إلا أن عقله ظل حادًا وحيويًا. في 6 سبتمبر عام 1998، توفي أكيرا بسبب سكتة دماغية في منزله في طوكيو عن عمر 88 عامًا.