أجساد منهكة في تونس .. الهجرة غير النظامية تترك ندوبا عميقة لدى النساء

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ يوم
أجساد منهكة في تونس .. الهجرة غير النظامية تترك ندوبا عميقة لدى النساء

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها النساء المهاجرات من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس، تبرز الحاجة إلى فهم أعمق للسياسات التي تؤثر على حياتهن. تعاني هذه النساء من نقص في الحماية القانونية، حيث تفتقر تونس إلى سياسات شاملة للهجرة، مما يزيد من تعرضهن للخطر والاستغلال. بالإضافة إلى ذلك، يواجهن تمييزًا عنصريًا وتصنيفًا اجتماعيًا، مما يزيد من صعوبة حياتهن في تونس.

تتعرض النساء المهاجرات للاستغلال والاتجار بالبشر، حيث يفتقر النظام القانوني إلى آليات فعالة لمنع هذه الجرائم. كما تعاني من ضغوط اجتماعية واقتصادية كبيرة، حيث يفتقرن إلى فرص عمل كافية ويواجهن تحديات في التكامل الاجتماعي. الوضع الأمني يؤثر أيضًا على النساء المهاجرات، حيث يتعرضن لعمليات إيقاف وتحويل تعسفية، مما يزيد من شعورهن بالخطر والتهديد.

معاناة النساء في الهجرة غير النظامية...

في مخيم المهاجرين في منطقة العامرة التقينا فاتو سيلا التي تعيش منذ قرابة عامين في ظروف قاسية وغير مستقرة، تواجه خلالها تحديات يومية تجعل حياتها أكثر صعوبة.

تضطر فاتو سيلا لقطع مسافات طويلة لجلب المياه، دون أن تجد مأوى مناسب يؤمن لها الحد الأدنى من الاستقرار. ورغم سعيها المستمر للعثور على عمل، لم تحظ بأي فرصة عمل حتى الآن.

ازدادت محنتها سوءا بسبب الصعوبات المالية الحادة التي أجبرتها على مغادرة تونس العاصمة، خاصة بعد إصابتها بالمرض وفقدانها لجميع مدخراتها.

قدمت فاتو سيلا الشابة الثلاثينية من غينيا منذ سنوات هربا من ملاحقات عائلتها لها بسبب حملها خارج اطار الزواج..لم تكن محاولاتها للهجرة إلى أوروبا أقل قسوة؛ فقد حاولت العبور مرتين، لكن خفر السواحل التونسي اعترض طريقها وفي كل مرة تفشل محاولاتها مع ابنها البالغ من العمر أربع سنوات.

خلال المحاولة الأولى، وبينما كانت تستعد للإبحار على متن قارب صغير، أوقفتهم قوات الأمن وصادرت وقودهم، تاركة إياهم في وضع يائس دون أي مساعدة. أما في المحاولة الثانية، فقد تم ترحيلها إلى الحدود الجزائرية، مما اضطرها للسير على الاقدام عشرة أيام قبل أن تتمكن من العودة. تصف فاتو سيلا هذه التجارب في حديثها لـ DW:" كانت كل تجاربي قاسية ومؤلمة.. لم أكن مسؤولة على نفسي فقط بل كان في عهدتي طفلي، مما زاد من خطورة الرحلة وتعقيدها علي. لقد واجهت مخاطر جسدية أثناء تنقلي، من بينها تعرضي لهجوم من قبل رجل قام برشقي بالحجارة، ما أدى إلى إصابة في قدمي أعاقت حركتي بينما كنت أحمل ابني على ظهري".

وترى فاتو أن النساء، وخاصة الأمهات، يواجهن عقبات أكبر مقارنة بالرجال في سوق العمل.

بينما يتمكن الرجال أحيانا من إيجاد حلول أسرع لتدبير أمورهم، تضطر النساء للتوفيق بين مسؤولياتهن العائلية والمهنية، ما يزيد من صعوبة أوضاعهن.

وتلفت الانتباه إلى أشكال التمييز وسوء المعاملة التي تواجهها النساء في بيئة العمل، وخاصة العاملات في الخدمة المنزلية في تونس، حيث يعملن في ظروف غير منصفة تفتقر إلى الاحترام والدعم.

في ظل هذه الأوضاع، تبقى رحلة فاتو سيلا مثالا حيا لمعاناة العديد من النساء اللواتي يجدن أنفسهن عالقات بين الفقر والتشرد والتمييز، في ظل غياب الدعم الكافي لحمايتهن وتأمين حقوقهن.

وسط مخيمات المهاجرين ترى عددا كبيرا من الأطفال، أطفال رغم البراءة يعانون وسط ظروف قاسية. تفيد فاتو سيلا أنها والكثير من الأمهات يبقين أياما بلياليها مع أبنائهم وسط البحر للإبحار نحو السواحل الإيطالية وفي نهاية المطاف يعدن إلى الخيام.

وتُظهر الإحصائيات تزايداً في أعداد الأطفال المشاركين في الهجرة غير النظامية في تونس، حيث وصلت نسبة القاصرين بين المهاجرين إلى 26% في عام 2023، مما يثير القلق بسبب المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال أثناء رحلاتهم، بالإضافة إلى انقطاعهم عن الدراسة وغياب الدعم اللازم لهم. رمضان بن عمر، المسؤول الإعلامي في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يؤكد لـ DW أن أعداد الأطفال القصر المهاجرين في ارتفاع مستمر منذ نحو ثلاث سنوات، وأن 35% من الواصلين إلى إيطاليا هم قصّر. ويضيف أن من بين أسباب هجرة الأطفال الانقطاع عن الدراسة وغياب الهياكل التي تهتم بالأطفال، خصوصاً المهمشين منهم.

معاناة مضاعفة في المخيمات

يواجه المهاجرون، بمن فيهم النساء والأطفال، ظروفاً معيشية صعبة في المخيمات. وقد تم إجلاء مئات المهاجرين بالقوة من مخيمات أقيمت أمام مقر الأمم المتحدة في تونس، مما يزيد من معاناتهم ويعرضهم لخطر الترحيل.

وتحدث عمليات كر و فر يومية في مخيمات المهاجرين في منطقة العامرة، إذ تحاول السلطات من وقت لآخر اخلاء الخيام من خلال هدمها و إتلافها، عمليات تجعل النساء وأطفالهن عرضة للمبيت في العراء أو اللجوء إلى مخيمات مجاورة. وتظهر هذه الإجراءات بحسب المهاجرين من مختلف الجنسيات تجاهل السلطات التونسية لاحتياجات المهاجرين، مما يزيد من تعقيد أوضاع النساء والأطفال الذين يبحثون عن حماية وفرص أفضل.

ضمن هذا السياق يدعو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية السلطات التونسية والمنظمات الدولية الى العمل على توفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء والأطفال المهاجرين لتحسين أوضاعهم وتقليل الآثار السلبية على صحتهم النفسية. وتتضمن التدخلات المطلوبة توفير الحماية والدعم اللازمين للأطفال المهاجرين غير المصحوبين وتلبية احتياجاتهم الأساسية، بالإضافة إلى توفير برامج الدعم النفسي والاجتماعي للنساء لتمكينهن من التغلب على التحديات التي يواجهنها.

دعوات إلى حلول إنسانية مستدامة

منظمة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES) قدمت دراسات حول العنف ضد المهاجرات، وأشارت الدراسات إلى أن معظم النساء يواجهن إجراءات فحص الهوية المهينة، بالإضافة إلى الاستغلال والتنمر من قبل تجار البشر والموظفين والمدنيين التونسيين. في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى تعزيز الوعي بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها النساء المهاجرات، وتعزيز حقوقهن في تونس.

ووفقًا لتصريحات رمضان بن عمر ، الناطق الرسمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـDW ، يواجه ملف الهجرة في تونس تصعيدًا خطيرًا يتطلب تدخلًا عاجلًا.فغياب موقف رسمي واضح من السلطات التونسية تجاه ما يُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى حملات التحريض والتعبئة، ينذر بتفاقم الأوضاع وربما اندلاع أعمال عنف.

يفيد بن عمر في حديثه لـ DW: «الأزمة بلغت ذروتها في مناطق مثل "جبنيانة" و"العامرة"، حيث يتم نقل المهاجرين إلى غابات الزيتون وعزلهم عن المجتمع المحلي، مع تقييد وصول المساعدات إليهم، حتى من الجهات الرسمية. هذا الوضع المتوتر يدفع المهاجرين إلى مواجهات محتملة في ظل غياب حلول إنسانية. منذ عام 2023، تشددت تونس في منع المهاجرين من الوصول إلى السواحل الإيطالية، حيث منعت السلطات التونسية أكثر من 80 ألف مهاجر من الوصول إلى هناك. وفي عام 2024، استمرت السلطات في تبني سياسة رقابة صارمة على عمليات العبور، مع تعزيز قدرتها المادية واللوجستية لمراقبة السواحل. ونتيجة لذلك، انخفض عدد المهاجرين الواصلين إلى أوروبا بأكثر من 80% عبر المسار التونسي، وتراجعت وتيرة العبور نحو إيطاليا بأكثر من 55 في المائة".

مبروكة خذير ـ تونس

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة