أبو الغناء الخليجي أبو بكر سالم صاحب الحنجرة الذهبية الذي حقق طفرة في الأغنية الخليجية والعربية، في الغناء والكتابة والألحان، وغني له كبار المطربين في الوقت الحالي مثل راغب علامة، وليد توفيق، عبدالله الرويشد.
وغنت وردة الجزائرية من ألحانه، وقدم مسيرة فنية رائعة على مدار أكثر من 60 عاما من العطاء للفن، مسيرته وأبرز المعلومات عن حياته..
في 17 مارس عام 1939 بمدينة تريم التاريخية في حضرموت باليمن، ولد «أبو بكر»، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى العالم أبو بكر بن شهاب أحد أبرز علماء حضرموت في ذلك الوقت.
توفي والده قبل أن يكمل عامه الأول، ولم تتزوج والدته بعد وفاة والده، ولم يكن له إخوة، وعاش مع والدته الصالحة بنت السيد عمر بن حسين الكاف، في منزل جده زين بن حسن، إلى جانب اهتمام أعمامه برعايته.
التحق بمدرسة الإخوة في مدينته "تريم" وحفظ القرآن الكريم منذ صغره، وظهر عليه اهتمامه باللغة العربية والشعر وتفوق فيهما تفوقا ملحوظا، وأكمل دراسته في معهد إعداد المعلمين.
في شبابه ونتيجة لولعه باللغة العربية استطاع وهو في السابعة عشر من عمره أن يكتب أول أغانيه وكانت بعنوان (يا ورد يا محلى جمالك بين الورود). بعد التخرج وقبل أن يتجه للغناء عمل مدرسا للغة العربية لمدة ثلاث سنوات تنقل فيهم بين مدينتي "تريم" و"عدن"، بعدها اتجه للغناء.
حيث كان يمارس الإنشاد الديني منذ صغره، إلى جانب حرصه على أن يؤذن ويردد تكبيرات العيدين في المساجد. كما أنه قبل احتراف الغناء، بدأ في تجميع كل الأغاني التي كتبها، ونشرها في ديوان شعري في عام 2004 أطلق عليه اسم «ديوان شاعر» يضم مجموعة من القصائد الغنائية كتبها على مدار مسيرته، غنائها فيما بعد كبار المطربين.
في الخمسينات انتقل "أبو بكر" إلى مدينة عدن، وبدأ مسيرته الفنية كعازف إيقاع لعدد من المطربين، وهو ما جعله يستطيع التعرف على كبار الشعراء والفنانين في ذلك الوقت أمثال الشاعر لطفي جعفر أمان، والشاعر فضل النقيب.
كما تعرف على الفنان أحمد بن أحمد قاسم، ومحمد سعد عبد الله، ومحمد مرشد ناجي، بدأ "أبو بكر" تقديم أغان وحفلات مسجلة ومباشرة في إذاعة عدن وبعدها التلفزيون.
كانت أولى انطلاقاته مع أول أغنية كتبها ولحنها لنفسه وهي "يا ورد يا محلى جمالك"، وتم تقديمها في عام 1956، وهي الأغنية التي حققت نجاحا وشهرة له حتى إن الفنان السعودي طلال مداح غنائها فيما بعد.
وفي نفس العام قدم أغنية من تأليفه هي "لما ألاقي الحبيب" ومن ألحان أنور أحمد قاسم، حققت شهرة كبيرة، ليبدأ بعدها يتم يحيي حفلات وأفراح زفاف لكبار المشاهير في الدولة.
توسع "أبو بكر" في تأليف وكتابة الأغاني وكتب عدد من روائعه مثل " يا حبيبي يا خفيف الروح"، "خاف ربك"، "سهران ليلي طويل".
وبدأ في تعلم العزف على آلة العود، وغناء قصائد بالفصحى فغني للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي اسكني يا جراح، وتعرف على الشاعر لطفي جعفر أمان وغنى له عدد من الأغاني مثل "أعيش لك"، "وصفوا لي الحب"، و"كانت لنا أيام".
كما تعرف على الشاعر أبو بكر المحضار وغني له "تمنيت للحب"، خذ من الهاشمي "، و"ليلة في الطويل"، وغني أيضا للدكتور محمد عبده "من علمك يا كحيل العين" و"قولوا له".
يعتبر عام 1958 من أهم الفترات في مسيرة أبو بكر سالم الفنية حينما انتقل إلى مدينة بيروت، فأعاد تسجيل عدد من أغانيه، وسجل أغاني جديدة وشارك في عدد من الحفلات الكبرى، حتى إنه حصل على الكاسيت الذهبي من إحدى شركات التوزيع الألمانية نتيجة توزيع أغنيته "24 ساعة" أكثر من مليون نسخة.
وحققت له "بيروت" الانتشار الكبير، وظل في السنوات الأولى يتنقل ما بين عدن وبيروت، حتى قرر الانتقال في عام 1967 للاستقرار في بيروت.
بدأت تنتشر أغانيه مثل (كل شي إلا فراقك يا عدن)، وأغنية (يا طائرة طيري على بندر عدن)، وغنى مطربو لبنان أغانيه، إلا أنه مع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 رحل عنها واستقر لفترة في الكويت، وحقق مزيداً من الانتشار والتوسع.
بعدها انتهى به المطاف بالاستقرار في المملكة العربية السعودية، وبدأ تقديم مجموعة من أشهر الأغاني الوطنية مثلاً إلا معك في الرياض، يا بلادي واصلي، ويا مسافر على الطائف، وغني للملك خالد بن عبدالعزيز والملك فهد بن عبدالعزيز.
استطاع "أبو بكر" إحداث طفرة في الأغنية الخليجية حينما ادخل ودمج بينها وبين اللون الحضرمي في الغناء والدان الحضرمي الذي برع فيهما "أبو بكر"، وهو نفس اللون الذي قدمه وطوره أيضا طلال مداح، غريد الشاطئ وآخرون.
وتميز "أبو بكر" أيضا بالإنشاد الديني وقدم مجموعة من أروع الأناشيد مثل "يا رب يا عالم الحال"، "يا ساكني طيبة"، "إلهي في الفلاة دعاك عبد"، كما أنشد قصيدة كتبها جده عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه وهي قصيدة "الرشفات".
تزوج أبو بكر مرتين الأولى أثناء وجوده في مدينة عدن من بنت الشيخ عمر بن محمد آل عرفان، وأنجبت له ثلاثة أبناء وهم أديب وأنغام وألحان.
وبعدما استقر "أبو بكر" في السعودية تزوج للمرة الثانية من سعودية أصلها حضرمية من عائلة آل العطاس وأنجبت له ثلاثة أبناء أيضا وهم أصيل وأحمد وأليف. وورث ابنه "أصيل" منه حب الغناء والطرب وهو مغن مقيم في دبي، أما ابنه أحمد يمتلك استوديو للإنتاج الفني في الرياض وأبنائه الستة بينهم علاقة قوية رغم كونهم غير أشقاء.
تعرض لأزمة قلبية في آخر حياته، وأجرى جراحة في ألمانيا، وأمضى فترات طويلة في مشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وغيبه الموت في 10 ديسمبر عام 2017 بالمملكة السعودية عن عمر يناهز 78 عاما.
وقد حظي أبو بكر سالم على العديد من التكريمات في حياته، ففي عام 1968 تم تكريمه في اليونان بحصول ألبومه "أنا أشوفك" على جائزة الأسطوانة الذهبية من أثينا.
وفي عام 1978 حصل على جائزة أفضل صوت في العالم من اليونسكو، وفي عام 2001 حصل على تكريم من مجلس التعاون لدول الخليج، وحصل على وسام تقدير من مهرجان الأغنية.
وفي عام 2002 فاز بلقب فنان القرن من جامعة الدول العربية في حفل تكريم بمدينة شرم الشيخ في مصر، كما فاز في نفس العام بجائزة أوسكار الأغنية العربية.
في عام 2003 كرمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومنحه وسام الدرجة الأولى في الفنون والآداب، وأصدر "صالح" طابع بريدياً يحمل صورته واسمه في عام 2003، كما منحته جامعة حضرموت شهادة الدكتوراه الفخرية بالأدب والفنون.
وفي عام 2008 تم تكريمه من لبنان باليوبيل الذهبي، ومنحه جائزة عن 50 سنة من العطاء الفني للأغنية العربية، وفي عام 2014 حصل على وسام من الدرجة الأولى للفنون والآداب من السلطان قابوس.
وكرمه الشيخ زايد بن سلطان ومنحه وساماً من الدرجة الأولى في الفنون والآداب، وأهداه سيف من الذهب الخالص، آخر تكريم له كان قبل وفاته في عام 2017 في حفل اليوم الوطني السعودي الـ87.