برز اسم الكاتبة الجزائرية آسيا جبار عالميًا بفضل أعمالها الأدبية وتراجمها التي سلطت فيها الضوء على قضايا المرأة والهوية الجزائرية، فقد عرفت آسيا بموقفها النسوي واهتمامها بالعقبات التي تواجهها المرأة، وهو ما جعلها من أبرز الكاتبات في شمال أفريقيا، وأكثرهن تأثيرًا، وفي السطور التالية نسلط الضوء على مسيرتها الأدبية وتأثيرها.
من هي آسيا جبار؟
اسمها الحقيقي فاطمة الزهراء إيمالاين، وآسيا الجبار هو الاسم المستعار الذي اختارته لنفسها، هي كاتبة وروائية ومترجمة ومخرجة أفلام جزائرية، ولدت في 30 يونيو عام 1936 في مدينة شرشال غرب الجزائرية العاصمة.
بدأت آسيا حياتها الأدبية في سن مبكرة، فقد نشرت أولى رواياتها في نهاية الخمسينات حينما كانت لا تزال طالبة في فرنسا، ومنذ أعمالها المبكرة بدأت ملامح أسلوبها تتبلور، حيث عرفت بنبرتها النسوية وحبها للتحليل الاجتماعي.
كتبت آسيا أعمالها الأدبية باللغة الفرنسية، إلا أنها كانت كاتبة وطنية ظلت وفية لقضية بلادها ومناهضة للاستعمار، واستخدمت كلماتها للنضال من أجل التحرير. ألفت آسيا خلال مسيرتها عشرات الكتب المميزة، وتميزت أعمالها بأسلوبها الشعري.
في عام 2005، أصبحت آسيا أول امرأة عربية تدخل الأكاديمية الفرنسية، وعملت في التدريس والإخراج لسنوات حتى وفاتها عام 2015.
نشأتها وتعليمها
ولدت فاطمة الزهراء أو آسيا جبار في مدينة شرشال الجزائرية، والدها اسمه طاهير إيمالاين، أما والدتها بهية صحراوي، وتعود أصولها إلى العرقية الأمازيغية.
نشأت آسيا في بيئة ساحلية، حيث كان والدها يدرس اللغة الفرنسية في مدرسة ابتدائية، أما والدتها كانت ربة منزل. في طفولتها، التحقت آسيا بمدرسة داخلية قرآنية خاصة، وكانت واحدة من فتاتين فقط في البلدة تلقت تعليمها في كلية البليدة، وهي مدرسة ثانوية في الجزائر العاصمة، وكانت المسلمة الوحيدة في فصلها كذلك.
نشأت آسيا في عائلة محبة للتعليم، فعلى الرغم من رفض قريتها تعليم الفتيات، إلا أن والدها كان متفتحًا، وشجعها على مواصلة الدراسة في فرنسا، حيث التحقت عام 1955 بالمدرسة العليا للفتيات الصغيرات، وهي معهد عالي للتعليم في باريس، وأصبحت أول امرأة جزائرية ومسلمة تتلقى تعليمًا في أرقى المدارس الفرنسية آنذاك.
خلال سنوات دراستها في باريس، شاركت آسيا في إضرابات للطلبة الجزائرين الداعمين للثورة الجزائرية ولاستقلال الجزائر، لذا توقفت عن الدراسة في باريس، وأكملت دراستها في تونس.
زوجها وأبنائها
تزوجت آسيا جبار عام 1958 من الكاتب أحمد ولد رويس، الذي تعاونت معه في رواية "أحمر لون الفجر"، وعاشت معه في سويسرا وتونس.
لم تتمكن آسيا من إنجاب الأطفال، لذا تبنت ابنًا عام 1965 من دار الأيتام في الجزائر، وكان حينها يبلغ من العمر 5 سنوات، واسمه محمد قرن. بعد إنجاب الطفل، واجهت آسيا صعوبات في حياتها الزوجية، فانفصلت عن زوجها، وتخلت عن ابنها بالتبني.
تزوجت آسيا للمرة الثانية من الشاعر الجزائري مالك علولة عام 1980، وعاشا معًا في باريس، وعملا معًا لإحياء المركز الثقافي الجزائري.
![آسيا جبار.. الجزائرية أبرز الكاتبات تأثيرًا في شمال إفريقيا]()
أهم أعمال آسيا جبار
بدأت الكاتبة آسيا جبار مسيرتها المهنية في سن مبكرة، حيث نشرت أول رواية لها عام 1975 تحت اسم "العطش" تحت اسمها المستعار، وحقت الرواية نجاحًا كبيرًا، لذا نشرت روايتها الثانية "القلقون" في العالم التالي.
أصدرت بعدها عدة أعمال أدبية، منها "أطفال العالم الجديد" والتي تمزج فيها بين التوثيق والخيال متناولة تجربة النساء خلال حرب التحرير. أما روايتها "القبرات الساذجات" التي صدرت عام 1967، فقد قدمت من خلالها بروتريهات إنسانية مليئة بالصدقة والحساسية.
أصدرت آسيا ديوانًا شعريًا وحيدًا بعنوان "للجزائر السعيدة"، ثم نشرت مجموعتها القصصية "نساء الجزائر في شققهن". أصدرت كذلك "في الحب الفانتازيا"، والتي مزجت فيها بين الرواية والسيرة الذاتية، وهي من أهم روايات آسيا جبار.
أصدرت فيما بعد "الظل السلطان"، و"بعيدًا عن المدينة المنورة" والتي روت فيها تجربة النساء المسلمات في فضاءات تاريخية. كتبت آسيا كبار كذلك "واسع هو السجن"، و"أبيض الجزائر"، والتي ناقشت فيه قضية الهوية بعد الاستقلال.
نشرت آسيا دراسة بعنوان "هذه الأصوات التي تحاصرني" والتي كشفت فيها علاقتها المعقدة باللغة الفرنسية، وتلتها برواية "اندثار اللغة الفرنسية". أما آخر أعمالها فهي رواية"لا مكان في بيت أبي".
![آسيا جبار.. الجزائرية أبرز الكاتبات تأثيرًا في شمال إفريقيا]()
هل آسيا جبار حصلت على جائزة السلام؟
نعم، حصلت الكاتبة آسيا جبار على جائزة السلام عام 2002 من جميعة الناشرين وأصحبات المكتبات الألمانية، لتصبح أول كاتبة عربية وأول أستاذة جزائرية جامعية تحصل على هذه الجائزة.
ولم تكن هذه الجائزة الوحيدة التي حصلت عليها آسيا خلال مسيرتها، ففي عام 2005، أصبحت أول امرأة عربية ومسلمة تنتخب عضوًا في الأكاديمية الفرنسية، وهي مؤسسة مهمتها حماية تراث اللغة الفرنسية، ويتم اختيار أعضائها مدى الحياة، ويطلق عليه لقب "الخالدين".
مسيرتها المهنية
بجانب المؤلفات والروايات التي نشرتها آسيا جبار، فق عملت في مجال التدريس منذ الخمسينات، حيث عملت في التدريس في جامعة الرباط وجامعة الجزائر التي أصبحت فيها رئيسة لقسم اللغة الفرنسية.
عاشت آسيا فيما بعد إلى باريس من 1965 إلى 1974، ثم عادت إلى الجزائر، وبعد زواجها الثاني من الشاعر مالك علولة عادت إلى فرنسا. في عام 1997، أصبحت آسيا جبار مديرة مركز الدراسات الفرنسية والفرنكوفونية في جامعة ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة، وظلت تشغل هذا المنصب حتى عام 2001.
في عام 2005، انتخبت عضوًا في الأكاديمية الفرنسية، كما درست الأدب الفرنكوفوني في جامعة نيويورك، وشاركت مع زوجها في تأسيس المركز الثقافي الجزائري للأبحاث.
![آسيا جبار.. الجزائرية أبرز الكاتبات تأثيرًا في شمال إفريقيا]()
تجربتها في الإخراج
بجانب الكتابة والتدريس، أخرجت آسيا جبار مجموعة من الأفلام، وكان أولها فيلم "أغنية نساء جبل شنوة" عام 1977، ويحكي الفيلم حول مهندسة جزائرية تعود إلى بلدها بعد سنوات طويلة من المنفى.
كان فيلمها الثاني عام 1979 بعنوان "الزردة أو أغاني النسيان" والذي ضم لقطات أرشيفية، ويحكي الفيلم سردًا تاريخيًا لبعض الاحتفالات المنسية وأنماط الحياة للجزئارين الأصليين، وقد حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم تاريخي في مهرجان برلين السينمائي عام 1983.
وفاتها
توفيت الكاتبة آسيا جبار في 7 فبرير عام 2015 في باريس، ودفنت في مسقط رأسها في مدينة شرشال غرب الجزائر تنفيذًا لوصيتها.